محمد لمع: 3 شخصيات أثّرت في حياتي..وكنتُ في منزل فرنجية عندما انتخب رئيسا للجمهورية
زهير دبس
في القسم الثاني والأخير من الحوار مع محمد لمع أيضا، فتح لنا «صندوقة” حكاياته، كانت غزيرة، وقابلة للاستطراد نحو أحداث وتواريخ، لكن المكان فرض علينا الإيجاز، كي لا نخرج الموضوع وهو سيرة رجل وقصة نجاح.
في هذا القسم يروي لمع دخوله عالم الأعمال ومواظبته على الاهتمام بالشأن الصحافي الذي صار جزءاً منه ومن حياته. من التأمين إلى المقاولات.. ومن لبنان إلى العالم تنقل لمع حيث شارك بمئات اللقاءات والمؤتمرات الاقتصادية والمالية والسياسية التي انعقدت في لبنان والعالم.
في العام ١٩٦٩ وتزامناً مع عمله في «الحياة» بدأ لمع يتعاطى عالم الأعمال حيث أسس مع آخرين شركة وسطاء تأمين، وهذه كانت بداية انتقاله إلى ذلك العالم الذي تطور لاحقاً، وقد ساعده في ذلك عمله في الصحافة. عن تلك المرحلة يقول لمع «تطور عملنا بسرعة كبيرة وأصبحنا الرقم واحد في ذلك المجال حيث كان زبائننا هم «الضمان» ووزارتي الدفاع والداخلية وغيرهم العديد من الشخصيات والمؤسسات».
تطور عمل لمع في عالم الأعمال فبادر في العام ١٩٨٣ وبالشراكة مع عدد كبير من رجال الأعمال على رأسهم الوزير السابق عدنان القصار إلى تأسيس شركة تأمين كانت تُعد حينها الأكبر في لبنان، إذ كان رأسمالها ٣٥ مليون ليرة، لكن مع بداية عملها بدأت الحروب في لبنان ولم تعد تنتهي بدءاً بحرب الجبل ومن ثم بيروت والمخيمات وغيرها، مما أدى إلى توقف الشركة عن عملها. إضافة للتأمين كان لمع يعمل في مجال العقارات، فقد أنشأ في العام ١٩٧٩ شركة مقاولات عملت على بناء العديد من العقارات.
عن «غرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت وجبل لبنان» يقول لمع أن عمل الغرفة كان روتينياً ولم يكن مؤثراً إلى حين تولي عدنان القصار رئاستها فنهض بها وأعطاها البعد العربي والدولي. عن الغرفة يتابع لمع أن الرئيس الحالي الوزير محمد شقير أعطى دفعاً كبيراً للغرفة فهو يملك رؤية حديثة ومتطورة.
عن علاقته التاريخية بالوزير عدنان القصار يقول لمع «إن ما يجمعني بالقصار هو أكثر من صداقة وعلاقتي به مستمرة منذ أكثر من خمسين عاماً، وهي تمتّنت في العام ١٩٧٠، عندما خاض القصار غمار انتخابات الغرفة، ووقتذاك انقسم المرشحون إلى لائحتين، الأولى وهي لائحة التجار وكانت برئاسته والثانية لائحة الصناعيين برئاسة رفيق الغندور، وأسفرت هذه الانتخابات عن فوز القصار رئيساً للغرفة واستمر في ذلك المنصب طوال ٣٥ عاماً ومعه محمد يوسف بيضون وغبريال بدارو نائبين للرئيس». يتابع لمع: «منذ ذلك الحين توطدت علاقتي بالقصار وأصبحت «كظله» الذي لا يفارقه ليس في الأمور الصحافية فقط بل في كل شيء، فكان يردد دائماً «وين محمد» أسافر معه وأتنقل معه أينما يذهب. وكان لي دور في تأسيس مصرف «فرنسبنك» الذي اشتراه القصار في العام ١٩٨٢.
من الصحافة والإعلام إلى التجارة والأعمال أتى محمد لمع، لكن وبالرغم من ذلك لا يزال يحن إلى العمل الصحافي الذي يعشقه ويقبل عليه بشغف. عن طبيعة عمله في الغرفة وعما إذا كان يتنكر لحقوق العمال والطبقات الدنيا أثناء الاجتماعات المفصلية، يقول لمع «هذه مشكلتي في الغرفة ولا تزال فأنا أنحاز دائماً لقضايا الناس حتى صار لقبي «بي الفقير» ولا زلت أعارض دائماً أي قرار يمس حقوق الطبقات الفقيرة، هذه مبادئي وقناعاتي ولن أحيد عنها، فأنا الوحيد بين أعضاء الغرفة الذي لم آتِ إليها عن طريق لقب «صاحب مؤسسة»، بل أتيت من خلال مسيرتي التي صنعتها بنفسي وقامت على العصامية والعمل الدؤوب، فأنا عملت لدى بائع أحذية وكان عمري ١٣ سنة ودرست ليلاً وتعلمت الصحافة بالمراسلة».
«لقد بنيت نفسي بنفسي ولم يساعدني أحد في ذلك»، يقول محمد لمع ويضيف: «أنا وحيد أهلي ووالدي كان بالكاد يستطيع إعالة نفسه، لذلك ضميري مرتاح فأنا لم أسبب الأذى لأحد وحريص ألا أتخاصم مع أحد أو «أزعّل» إنسان مني ولم أرد محتاج.. لقد مررت بظروف صعبة وقاسية وتحملت جروحها وحدي كي لا يُقال عني شيء، ودائماً أتنازل عن حقوقي للأسباب التي ذكرت وأتمنى عندما يأخذ الله أمانته أن أبقى على الطريق نفسه».
عن الحدث الأكثر إيلاماً في حياة محمد لمع يقول «موت والدي ووالدتي كانا الأكثر إيلاماً في حياتي، فقد توفيا وكنت مسافراً وعند وفاة والدتي لم أعلم بذلك إلا بعد مرور عشرة أيام على ذلك، حيث حرص القصار الذي كنت بصحبته في أفريقيا على عدم إبلاغي بذلك إلى حين عودتي إلى لبنان». يتابع «الشيء المفرح الذي يسعدني أنني ربيت أولادي على الطريق نفسه الذي سرت عليه وهم يعملون في مجال العقارات وأوصيهم بأن دائماً بمساعدة الفقير والمحتاج وأن لا يردوا صاحب حاجة».
عن الشخصية التي أثرت وأثّرت في حياة محمد لمع قال: «هناك ثلاث شخصيات أثّرت في بناء شخصيتي، الأولى هي الرئيس عادل عسيران بنظافته ونزاهته وقد ربطتني به علاقة صداقة متينة جداً وكنت أكثر من ظل له وبمثابة واحد من أبنائه. والثانية الرئيس صائب سلام برجولته، وقد ربطتني به علاقة صداقة أيضاً، وكنت أزوره يومياً في منزله وفي اليوم الذي كنت لا أزوره فيه كان يعاتبني. الشخصية الثالثة هي عدنان القصار ووصفه لمع بالمدرسة لا بل بالجامعة التي تعلّم منها الكثير من حيث الاعتدال ونبذ الطائفية والحكمة في تدبّر الأمور وهو قيمة اقتصادية كبرى ويعتبر أول عربي يترأس غرفة التجارة الدولية. تابع لمع: «في عهد القصار الذي تزامن مع اندلاع الحرب وانقسام البلد بقيت الغرفة عصية على الانقسام واستمرت جسماً واحداً وجسراً للتواصل بين أجزاء البلد الممزق”.
«بين عالمي الصحافة والإعلام.. والتجارة والأعمال» أين يجد محمد لمع نفسه أكثر؟ سؤال وجهناه إلى لمع الذي قال: «الإثنان هما قطعة مني.. ففي الصحافة ذكرياتي وانطلاقتي الأولى وفي غرفة التجارة أمضيت الجزء الأكبر من حياتي حيث العلاقات والاطلاع عن قرب على الأحداث وصنعها، لكن يبقى في الحالتين أن يبقى الشخص إنسانياً في تعاطيه مع الناس هو الأهم».
عن علاقته بالرئيس بري يقول لمع «حامل الأمانة تربطني به علاقة قديمة تناهز الأربعين عاماً وهي تسودها المحبة وبدأت قبل أن يتولى الرئيس بري مسؤولياته الحركية والرسمية وهذه العلاقة مستمرة حتى الآن.. أزوره أسبوعياً ونبحث معه في مختلف القضايا».
علاقات محمد لمع وصداقاته ومعارفه أكبر من أن يسعها تحقيق أو مقابلة فالرجل نسج علاقات وصداقات مع معظم الشخصيات التي مرّت على لبنان سواء كانت هذه الشخصيات رئاسية أو سياسية أو رسمية أو دينية أو في عالم الأعمال بدءاً من الخمسينيات وصولاً إلى أيامنا هذه ،عن تلك العلاقات يقول لمع: «بدأت علاقتي برؤساء الجمهورية منذ عملي في الصحافة وتطورت أثناء عملي في الغرفة وهي بدأت مع الرئيس فؤاد شهاب ثم شارل حلو وبعدها مع سليمان فرنجية والياس سركيس وأمين الجميل والياس الهراوي وإميل لحود وصولاً لميشال سليمان والرئيس ميشال عون وجميعهم ربطتني بهم علاقات وصداقات. ويتذكر لمع في العام ١٩٧٠ عندما بات لثلاثة ليالي في منزل الرئيس فرنجية في إهدن لتغطية عملية انتخابات رئاسة الجمهورية آنذاك حيث فاز فرنجية فيها”.
عن علاقته بالرئيس رفيق الحريري يقول لمع: «إنها كانت أكثر من صداقة وقبل أن يكون رئيساً لمجلس الوزراء نلتقي دائماً ونتناقش في جميع الأمور وهذه العلاقة انتقلت للرئيس سعد الحريري الذي أكن له كل الاحترام».
لمع جال العالم ولا يوجد دولة فيه إلا وزارها وذلك ضمن عمله في غرفة التجارة وغيرها. عن ذلك يقول لمع: «جلت العالم لكنني لم أجد أغلى من لبنان فهو وطني ومسقط رأسي».
أسرار كثيرة لا يزال محمد لمع يحتفظ بها لنفسه ويتحفظ عن البوح بها وهو يعتبر الإفشاء بها بمثابة نكء للجراح وهذا ما نحن بغنى عنه.
محمد لمع القارئ النهم الذي لا يستطيع البدء بنهاره دون أن يقرأ الصحف شارك في تأسيس وإطلاق العديد من الصحف والمجلات والدوريات الاقتصادية أهمها مجلة «الاقتصاد والأعمال» الذي ساهم في تأسيسها في العام ١٩٧٩ وكان أول رئيس مجلس إدارة لها، وهو عميد نقابة المحررين الاقتصاديين.
«عالم الأعمال عالم جاف لغته الأرقام وهذا ما أهرب منه إلى عالم الكلمة التي أعشقها أدباً وشعراً ونثراً وغزلاً» هذا ما يقوله لمع الذي يمضي أوقاتاً طويلة في القراءة».
عن المسؤوليات في الغرفة بعد تسلُّم رئيسها محمد شقير وزارة الاتصالات يقول لمع: «لم أتعامل مع الموضوع من منطلق نائب رئيس وحدي بل اتفقت مع زملائي نواب الرئيس على تسيير العمل عبر توزيعه على الثلاثة».
يتحدر لمع من قرية جرجوع وعن العلاقة معها يقول: «أنا إبن بيروت عشت فيها معظم عمري، لكن أكن لبلدتي الكثير من الحب والحنين».
لم يمل محمد لمع من عمله.. فالرجل الذي كان يعمل ٢٠ ساعة في اليوم يقول: «إذا قلت إنني لا زلت في نفس الحماسة أكون أجافي الحقيقة، فالأوضاع المزرية التي يعيشها لبنان تبعث على اليأس.. أحن إلى لبنان الأمس فهناك كانت الطيبة والهدوء والمحبة» وروى لمع حادثة حصلت له مع رشيد بيضون الذي كان وزيراً للدفاع فقال: «إذا تغيّبت عنه ثلاثة أيام يعتب علي ويزعل كثيراً، وفي إحدى المرات كنت برفقته وأراد أن يقلني بالسيارة الرسمية إلى منزلي، فتوقف السائق بالقرب من منزلي فما كان من بيضون أن نهره بأن يتابع سيره إلى أمام المنزل تماماً».
كلمات كثيرة كُتبت عن محمد لمع منها ما كتبه الصحافي رؤوف أبو زكي عن لمع في إحدى المجلات وفيها «لو لم يكن أمثال محمد لمع موجودين لوجب إيجادهم». وفي الدبور كتب «ليس كل ما يلمع ذهباً، فإن لمعان محمد لمع أصلي.. و٢٤ قيراطاً أيضاً».