مراكز الإيواء في البقاع وانعدام خصوصية النساء

تنعدم في مراكز النزوح الخصوصيّة للفرد بشكل عام وللنساء بشكل خاص، وتزداد هذه المعاناة كلّما ابتعدنا نحو الأطراف، والمجتمعات المحافظة إذ تظهر الذكوريّة بشكل مضاعف، وتنعكس تضييقًا لحرّيّة النساء وتقييدًا لحركتهنّ. وهذا ما يتجلّى من خلال مراكز الإيواء في البقاع حيث الاختلاط والاكتظاظ أمر واقع، تضيق فيه المساحات المفتوحة على الجميع بأصحابها، خصوصًا النساء اللواتي اعتدن على ثقافة مجتمعيّة ومعايير تُحدّد خصوصيّاتهنّ، وفق نظرة تلك البيئة للنساء، والتي تميّز علاقة المرأة بالمنزل.

وفق ذلك وبحكم الاختلاط والاكتظاظ في مكانٍ واحد، لا تستطيع النساء القيام بروتينهنّ اليوميّ في الذهاب إلى المراحيض مثلًا، أو تبديل ملابسهنّ أو تنظيف أجسادهنّ، في ظلّ وجودهنّ بمكانٍ مفتوحٍ أمام الجميع، ما حدّ من تحركاتهنّ الخاصّة بهنّ، وجعلهنّ مقيّداتٍ في بيئةٍ أُجبرْنَ على التواجد فيها، وعلى تحمّل قيودها التي خلقت لهنّ معاناةً جديدةً، فوق معاناة الحرب وأعبائها.

شهادات لهنّ من مراكز الإيواء

في جولةٍ على مراكز الإيواء في منطقة البقاع الأوسط، حيث غالبية النازحين يتوزّعون على المدارس الرسميّة ودور العبادة التقت “مناطق نت” بعددٍ من النازحات في بعض المراكز وسجّلت الشهادات الآتية:

تقول س. س. وهي نازحة متزوجة إنّ مركز الإيواء حيث تقيم حاليًّا، فرض قيودًا جبريّةً عليها وجعلها “سجينةً ولكن في سجنٍ مختلطٍ كبيرٍ، لا أستطيع فيه أن أقوم بأعمالي اليوميّة الخاصّة، مثلما كنت في منزلي لأنّني ابنة بيئةٍ محافظةٍ، لا يمكنها أن تُظهر خصوصيّاتها أمام الرجال الذين، وبحكم الحال، يلتقون معنا كلّ دقيقةٍ كوننا في مكان كبيرٍ ومفتوحٍ.”

النساء في مراكز الإيواء يعانينَ انعدام الخصوصية (الصورة من مجلة الشرق الأوسط)

وتضيف لِـ “مناطق نت”: “إنّ هذا الأمر يشكّل معاناةً كبيرةً بالنسبة إليّ. فأنا كامرأةٍ لي أعمالي اليوميّة، إن لم نقل الوقتيّة الخاصّة بجسدي من استحمامٍ أو قضاء حاجة وغير ذلك. ولكنّني مرةً أقوم بذلك على حرجٍ كبيرٍ مع اتّخاذ إجراءاتٍ “أمنيّةٍ” مشدّدةٍ، ومرةً أخرى أمتنع عن القيام بذلك وعلى مضضٍ وضررِ.”

وتشير إلى أنّ ما تعانيه جرّاء هذا الأمر مؤلم كثيرًا “لا يشعر بعذابه إلّا من يقع فيه. فتصوّر أنّك تريد أن تذهب إلى الحمّام بصورةٍ مفاجئةٍ، وتكون غير مرتدٍ كامل ثيابك، وعليك أن تمرّ أمام عديد من الرجال لتصل إلى الحمّام، فماذا عليك أن تفعل؟ أليس هذا تقييدًا للحرّيّة الشخصيّة وكشفًا للخصوصيّات الفرديّة؟”.

وترى س. س. أنّ ما تعانيه من تقييد للحرّيّة الشخصيّة في مركز الإيواء، ينطبق على جميع النساء النّازحات “إن كُنّ في مراكز عامّةٍ، كونهنّ من بيئةٍ اجتماعيّةٍ واحدةٍ ومن خلفيّاتٍ واحدة، من حيث العادات والأعراف، لذلك الهمّ واحد ولا ندري كيف نزيله. ونراه مستحيلًا لأنّنا في ظرفّ مفروضٍ علينا.”

لا حياء في الدّين

أمّا أ. س. فتصف وضعها في مركز الإيواء في ما خصّ حركتها الشخصيّة بالمعاناة “لا سيّما وأنا لست بمفردي بل لديْ ابنتان فوق الـ 15 سنةً، وهما بطبيعة الحال تحتاجان إلى مكانٍ خاصّ من أجل ممارسة ما تحتاجانهما في حياتهما اليوميّة. وهذا الأمر مفقود في المركز الجامع لمختلف أنواع وأجناس الناس.”

س.س: تصوّر أنّك تريد أن تذهب إلى الحمّام بصورةٍ مفاجئةٍ، وتكون غير مرتدٍ كامل ثيابك، وعليك أن تمرّ أمام عديد من الرجال لتصل إلى الحمّام، فماذا عليك أن تفعل؟

وتضيف لِـ “مناطق نت”: “بما أنّه لا حياء في الدين، فإنّني سأعبّر بلا مواربةٍ وبكلّ صراحةٍ عن الشيء الرئيس الذي أعانيه مع ابنتيّ، وهو تعاملنا مع وضعنا في أثناء مدة “العذر الشرعي” أو الدورة الشهريّة، وما تسبّبه من حرجٍ وصعوبةٍ في كيفيّة التعامل معها، حيث لا مجال لأيّ حركةٍ أو تحرّكٍ لأنّك تحت العين والنظر، بقصدٍ أو من دون قصدٍ. ويكفي وجود هذا الأمر ليجعلك في معاناةٍ تفوق معاناة الخوف من الطائرات…”

وتشير إلى أنّ وجود المراحيض المشتركة بين الرجال والنساء في مركز الإيواء، هو “مصيبة المصائب، والأعداد المنتظِرة دورها، من الجنسيْن على مدار الساعة. فكيف إذا كانت النسّاء في حالة “العذر الشرعيّ” وتحتاج إلى وضع خاصّ وهي تنتظر دورها، مع ما يشكّله من حرجٍ وخجلٍ وكتمان للأوجاع التي تتوجّب رعاية خاصّة؟ وتختم أ. س. بأنّ الضغط النفسيّ بسبب حجز حرّيّة النسّاء جرّاء الاختلاط المانع من التعامل مع خصوصيّاتهنّ بسهولةٍ ويسرٍ “يرتدّ سلبًا على شخصيّتهنّ في السّلوك والراحة الفكريّة، وبالتالي يؤثّر في تعاملهنّ مع المحيط.”

أنشر غسيلي في “شنطتي”

وتشير د. ز. إلى أنّ الاكتظاظ في مركز إيوائها يمنعها من التصرّف بأدنى حرّيّتها الشخصيّة “لا سيّما وأنا امرأة ولي خصوصيّاتي الدقيقة والحسّاسة، التي تحتاج إلى مكانٍ معيّن”. وتقول لـ “مناطق نت” إنّها ومنذ بداية الحرب، لا تزال تنشر غسيلها داخل “شنطتها” حيث تبقى مبلّلةً بالماء لأنّها تخجل من نشرها في الخارج، “أيّ على الأشرطة المرئيّة من جميع النازحين الموجودين معنا في المركز. إذ كيف لي أن أنشر ثيابي الداخليّة أمام الملأ وأترك الجميع يشاهدني؟ إنّه أمر في غاية الحَرَج، ولا أستطيع تنفيذه. فأنا في بيتي لا أفعله، وأنشره على منشرٍ بعيدٍ من الأعين”.

وتضيف د. ز. أنّ “ثمّة مشكلةً أخرى أعاني منها في بيتي القسري، وهو عمليّة النوم حيث “غرف النوم” صالات كبيرة مفتوحة على بعضها، والكل ينام مع بعض، حتّى وإن كانت كلّ عائلة تتّخذ من مساحةٍ معيّنةٍ غرفةً لها، إلّا أنّ الجميع مكشوف أمام الجميع، وكلّ حركة ظاهرة للعيّان، فعلينا أن نبقى دائمًا، متيقّظاتٍ، وهذا ما يجعلنا قلقاتٍ طوال الليل”.

وترى أنّ الحرب لا تقتل أرواحًا وأجسادًا فحسب، بل تقتل وبشكلٍ يوميّ حريّات وخصوصيّات الآلاف من اللبنانيين “الهاربين من الصواريخ القاتلة إلى السجن المفروض قسرًا، على من لم يمت قتلًا”.

وتختم بدعوة الجمعيّات المتخصّصة في الشأن الاجتماعيّ للفرد، إلى القيام بما يكفل للمرأة حرّيّتها في خصوصيّاتها وهي في “منفاها” “لأنّ الدولة والمعنيّين ميّتون”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى