الأزمة تفتك بموسم الحشيشة بقاعاً وتهدد مئات الأسر بلقمة عيشها
شأنه شأن معظم المواسم الزراعية، لم يستطع موسم زراعة الحشيشة في البقاع الشمالي في بعلبك الهرمل أن يبقى بمنأى عن الأزمة الاقتصادية التي تضرب لبنان بقطاعاته كافة. فكان له نصيب كبير من الأضرار التي أصابت المواسم الزراعية، بدءاً من فقدان مادة المازوت ومن ثم توفرها في السوق السوداء بأثمان باهظة وصولاً لأكلاف حراثة الأرض وأسعار البذار واليد العاملة وغيرها من العوامل التي جعلت من النبتة المتمردة عاجزة على التمرد بوجه تلك الظروف.
الحديث عن الحشيشة بالأرقام، يقودنا إلى المساحات المزروعة في منطقة الهرمل وجرودها حيث بلغت حوالى الستين ألف دونم هذا العام، فيما كانت في الأعوام السابقة حوالى الخمسين ألف دونم. في منطقة بوداي وجوارها في دير الأحمر والكنيسة، السعيدة ومجدلون بلغت المساحات المزروعة بالحشيشة هذا العام ما بين الثمانية آلاف إلى عشرة آلاف دونم، وهذه الأرقام هي نفسها في السنوات السابقة.
الموسم لا يستهان به وهو محط أمل الكثير من المزارعين ومورد رزقهم، وتأثره بالأزمة وغلاء الأسعار من شأنه أن يهدد معيشة مئات الأسر والعائلات.
أكلاف مضاعفة
أحد المزارعين من آل علوه في جرود الهرمل قال لـ “مناطق” إن الموسم في بدايته كان جيداً، إلى أن تعرض لانتكاسة كبيرة بعد ارتفاع أسعار المازوت والأكلاف والمواد، وتدني قيمة العملة الوطنية مقابل الدولار.
فقدان مادة المازوت ومن ثم توفرها بأسعار باهظة ألحقا ضرراً كبيراً بالموسم، حيث أن عملية الري تتم عادةً عبر الآبار التي تحتاج إلى كميات كبيرة من المازوت. وهنا يلفت أحد مزارعي الحشيشة في بلدة بوداي إلى أن النبتة تحتاج إلى الري مرة كل عشرين يوماً أو شهراً، مضيفًا أن الموسم الذي يبدأ زراعته من شهر شباط ويستمر إلى أن يحين موعد قطافه في شهر أيلول يحتاج من ٤ إلى ٥ “عدادين” مياه.
الموسم هذا العام مختلف عن المواسم في الأعوام السابقة، فبالرغم من أن المساحة المزروعة هي نفسها، إلا أن التكاليف تضاعفت من ثلاثة أضعاف إلى أربعة، وهي طاولت كل شيء بدءاً بأسعار البذار والحراثة وأجور اليد العاملة وصولاً لأسعار ضمان الأرض وغيرها. بالنسبة لحراثة الأرض، كانت تكلفة حراثة الدونم قبل الأزمة ما بين ثلاثين إلى أربعين ألف ليرة. وهي وصلت في السنة الماضية إلى ثمانين ألف، ومن المتوقع أن تصل في العام المقبل إلى مائتي ألف.
ضمان الأرض بدوره لم يسلم من ارتفاع الأسعار، حيث كان ضمان الدونم يتراوح ما بين المئة والمئة وخمسين ألفاً. في السنة الماضية ارتفع إلى ثلاثماية ألف، ومن المتوقع مستقبلاً أن يرتفع إلى ستمئة ألف، وهذه الأرقام مرشحة للارتفاع لا سيما مع توجه معظم الناس نحو الزراعة.
كلفة اليد العاملة التي يحتاجها الموسم في رحلته بدءاً من زراعة البذور إلى عملية التعشيب وصولاً إلى مرحلة القطاف ارتفعت أيضاً. سابقاً كانت أجور اليد العاملة للدونم الواحد حوالى المئة ألف ليرة، أما اليوم فقد وصلت إلى حوالى الخمسمئة ألف.
أسمدة بأسعار خيالية
لا تنتهي هذه المقارنة عند موضوع البذور والحراثة واليد العاملة وضمان الأرض، فإن الكلفة الأكبر والتي ارتفعت أسعارها ارتفاعاً ملحوظاً والتي يقودها التخبط بين سعر صرف الدولار والليرة هي كلفة الأسمدة والمواد الكيماوية التي تُباع حسب سعر الصرف، فالخمسون كيلو من هذه الأسمدة كانت في السابق تباع بخمسين ألف ليرة، تباع اليوم بحوالى ثمانمئة ألف.
التسويق والأرباح
يقول علوه “العقبات كانت تقتصر على التسويق حيث أن الكميات المنتجة أكبر من الحاجات المحلية، وكان قسماً من الإنتاج يصرف إلى خارج لبنان عبر سوريا، ولكن الأحداث في سوريا والتشدد في مراقبة الحدود جعل عملية التسويق تقتصر على السوق المحلية مما يؤدي إلى عدم تصريف الإنتاج وانخفاض السعر، واليوم أصبح الغلاء من العقبات التي تقف في وجه هذه الزراعة”.
وحول الأرباح يقول أحد المزارعين من بوداي “أنه لا يمكن اليوم تحديد السعر وتحديد الأرباح، بدأنا في هذه الفترة عملية قطاف الحشيشة وتجفيفها تمهيداً لنصنيعها وغربلتها عبر المناخل والمسارد حيث تتم عملية بيعها بعد أن تصبح جاهزة، مضيفاً أن الأرباح تختلف بين إنتاج وآخر، ويعود ذلك إلى جودة الإنتاج، ولكن في الموسم الناجح فإن الدونم الواحد من الأرض المزروعة بالحشيسة يبلغ ربحه مليون إلى مليون ونصف المليون ليرة.
لم يعد العمل في القطاع الزراعي يوفي تعب صاحبه لا سيما في ظل التكاليف العالية، حتى الحشيشة التي كانت يوماً ما مصدراً مدراً للارباح لم تعد كذلك اليوم بسبب كلفتها العالية، هذا ويرافق المزارعين هاجس تسويق الإنتاج وبيعه في ظل غياب أي خطة من قبل الدولة، فهل نتوصل يوماً ما إلى مشروع متكامل في البقاع لجهة إنشاء مصانع تتولى تصنيع الحشيشة للأغراض الطبية؟!