عشرات مزارع الدجاج في البقاع أُقفلت والاحتكار يطيح بصغار “المربين”
هي أشبه بحالة انهيار تهدد جميع القطاعات الاقتصادية والانتاجية في البلد. الأرض “تبور” ولا قدرة على حراثتها وزراعتها، ومعامل ومصانع بالجملة تقفل أبوابها بسبب انقطاع التيار الكهربائي وفقدان مادة المازوت. السياحة في خبر كان سواء كان ذلك جرّاء جائحة كورونا أو بسبب الانهيار. هذا أيضاً حال مزارع الدجاج في البقاع التي تتخبط جرّاء الانهيار والأزمة. مزارع كثيرة أقفلت أبوابها، ومزارعون توقفوا عن العمل، وأصبحوا بلا مورد عيش، ينتظرون ولا حول لهم ولا قوة تقيهم عبء الأوضاع الكارثية التي يعيشونها.
في منطقة البقاع الشمالي، لا يمكن إحصاء عدد المزارع التي توقفت عن العمل منذ بداية الأزمة وحتى الآن لأن العدد يزداد يومياً. الأرقام مخيفة وتنذر بكارثة حقيقية على أبناء المنطقة التي تعيش بلدات عدة فيها على الدورة الاقتصادية لتلك المزارع.
بلدات عديدة شهدت إقفالاً للمزارع ضمن نطاقها منها بلدة النبي عثمان. حيث أقفلت أكثر من 15 مزرعة أبوابها وتوقفت عن العمل. بلدة البزالية حوالى 6 مزارع، والعدد نفسه في بلدة النقرة، وفي عرسال ما لا يقل عن 10 مزارع. وكذلك الأمر في مقراق حيث توقفت 7 مزارع عن العمل. هذه القرى عينة من قرى البقاع الشمالي التي كان يعتمد أهلها على تربية الدواجن كمورد عيش.
صغار مربي مزارع الدجاج في البقاع خارج السوق
مع ارتفاع ظاهرة إقفال المزارع التي تصبح خارج الخدمة وهي في ازدياد يوماً بعد يوم، ينعكس الأمر سلباً على قطاع الدواجن في لبنان برمته. حسين البزال وهو صاحب مزرعة في بلدة البزالية تحدث لـ “مناطق” عن واقع القطاع فقال إن “صغار المربين أصبحوا خارج السوق وقد تكبدوا خسائر فادحة ولم يتمكنوا من الاستمرار. أما التجار الكبار فهم الذين يحتكرون السوق ويحققون الأرباح ويتحكمون ويتلاعبون بالأسعار. يضيف البزال “التاجر الذي يربي فوق 500,000 ألف دجاج، لديه قدرات وإمكانيات كبيرة لتحمل الكلفة العالية. بينما بعض المزارعين غير قادرين على تربية 1000 دجاجة أو صوص.
“غلاء الأعلاف وارتفاع سعر صرف الدولار”، هما السبب والعنوان العريض لتخبط الدواجن وإقفال عشرات مزارع الدجاج في البقاع . لكن ذلك موصول إلى دور كبير يلعبه كبار المربين في عملية الاحتكار وإلغاء دور المربين الصغار.
في المحصلة فإن المربين الصغار عاجزين عن تحمل هذه التكلفة الكبيرة من جهة، وعن الدخول في مغامرة من شأنها حتماً أن تؤدي إلى الخسارة من جهة ثانية. ووفق البزال على التجار بيع الكيلو “الحيّ” ما بين 1.10 و1.20 دولار لكي يربح المربي بينما يبيعوه الآن بما بين 85 و90 سنتاً فقط.
عوائق كثيرة تعترض مزارع الدجاج في البقاع..
الكثير من العوائق تعترض طريق المربين الصغار في مزارع الدجاج في البقاع، أولها الأكلاف العالية في ظل عدم توفر الرأسمال المطلوب لدى المربي، وأيضاً غياب الحماية والدعم من قبل الدولة لصغار المربين. لكن يبقى العائق الأكبر كما يصفه حيدر مصطفى وهو صاحب مزرعة في بلدة “النقرة” لـ “مناطق” هو تقلب سعر صرف الدولار والفروقات الحاصلة نتيجة هذا التقلب. كذلك لافت إلى أنه منذ بدأ عدم الاستقرار في سعر الدولار أصبح العمل في هذه المزارع مجازفة ومخاطرة كبيرة.
يشرح مصطفى من أن تكلفة تربية 4000 صوص يصل إلى 10.000 دولار وهي كلفة عالية في الوقت الذي لا يتناسب فيه سعر الدجاج مع هذه التكلفة. لا سيما وأن السعر بالليرة اللبنانية. هذا بالإضافة إلى غلاء الأدوية والنقص في المازوت وانقطاع الكهرباء، وهي كلها تشكل عوائق أمام المربي.
“يعمد المربي الصغير إلى تربية عدد معين من الصيصان في مزرعته. وهو يلجأ إلى استلاف سعر العلف من التاجر، ثم يحتاج مدة شهرين لكي يبيع إنتاجه ويقوم بعدها بتسديد ثمن تلك الأعلاف التي ترتفع أسعارها مع ارتفاع الدولار مما يحتّم الخسارة” هكذا وصف البزال حال المربي الصغير. وأضاف “أنه أثناء البيع يتحكم التاجر الكبير وصاحب المصلحة بتحديد السعر. حيث يصبح المزارع ملزماً أن يبيع لأن أي تأخير في ذلك سيؤدي إلى المزيد من الخسائر والأعباء”. البزال أوضح أنه “حتى حين دعمت الدولة الاعلاف، فالتجار الكبار هم الذين استفادوا من الأعلاف المدعومة من خلال احتكارها.
مصير المربين الصغار
بعد أن توقف عملهم، وأصبحوا بحكم العاطلين عن العمل في ظل وضع معيشي صعب، لجأ بعض أصحاب مزارع الدجاج في البقاع إلى تربية بعض الاغنام أو الأبقار أو الدجاج البياض في مزارعهم ليؤمن قوت يومه. بعضهم الآخر نزح إلى المدينة بحثاً عن فرص عمل. فيما يئس الباقي من الواقع واختار ترك الوطن والهجرة منتظراً انتهاء أوراقه ليغادر بحثاً عن تأمين سبل العيش. البعض يعيشون على أمل أن تحمل الأيام المقبلة تغييراً يسمح لهم بمتابعة واستئناف عملهم في مزارعهم.
نحو الانهيار…
يوماً بعد يوم تتراجع أعداد العاملين في مجال تربية الدواجن، وتُقفل مزارع الدجاج في البقاع الواحدة تلو الأخرى. أصبح المعيار هو من يصمد لوقت أطول، أحدهم صمد لسنتين، وآخر لسنة، وبعضهم لشهور. لكن قافلة التراجع والاقفال تسير يومياً إلى ارتفاع. الامكانيات المتواضعة للمزارعين لم تعد تحتمل في ظل غياب أي بدائل مطروحة أو لأي خطة أو استراتيجية للنهوض بهذا القطاع.
الأوضاع الصعبة دفعت برئيس النقابة اللبنانية للدواجن وليم بطرس مناشدة المسؤولين خلال اليومين الماضيين، مد قطاع الدواجن بالمحروقات لإنقاذه من مصير محتوم”، معتبراً أن القطاع يذبح من الوريد الى الوريد، فلا مازوت للمزارع ولمراكز الانتاج، ولا بنزين لنقل العاملين في القطاع، وهذا يقود الى مصير مأسوي، لا يمكن أن نخرج منه لسنوات طويلة، ”محذراً من أن يؤدي تفاقم الأمور الى نفوق ملايين الطيور وحصول نقص حاد في إمدادات الاسواق اللبنانية بالدواجن، كما أن توجّه الكثير من المزارعين الى الإقلاع عن تربية الدجاج سيؤدي حتماً الى حصول ارتفاع كبير في أسعاره”.
ختم بطرس “نعرف أن المعاناة عامة. لكن المطلوب حلول سريعة واستثنائية خصوصاً بالنسبة إلى قطاع الدواجن الحيوي الذي يساهم إلى حد بعيد في الحفاظ على الأمن الغذائي للبنانيين”.