مساحات شاسعة لكنها خالية.. بلاد الشمس وحلم الكهرباء 24/24
يقول أحمد.م وهو موظّف حكومي في بعلبك، لـ “مناطق نت” إنّه إلى اليوم لم يستطع تركيب ألواح طاقة شمسيّة لمنزله، وذلك لأن تكلفتها ليست بمقدوره، في حين أن راتبه الشهري لا يتعدى الـ 100دولار، وهو بالكاد يكفي لتأمين كلفة المواصلات إلى عمله. يشير أحمد إلى أنه حصل على خط كهرباء من جاره الذي يملك نظام طاقة شمسية، لكن اشترط عليه الإستفادة المحدودة والإنارة المختصرة فقط في الليل.
يُحمّل أحمد السلطات المحلية (البلدية) مسؤولية هذا الواقع، داعياً إلى الاستفادة من تجربة بلدية الفرزل التي تعاونت مع شركة كهرباء زحلة، وأمّنت محطة كهرباء كبيرة تعمل بالطاقة الشمسية وتغطي حاجة البلدة بأكملها مقابل اشتراك شهري بسعر مقبول جداً.
كنز الكهرباء المدفون في بعلبك-الهرمل
مثلها مثل باقي المناطق اللبنانية كانت بعلبك-الهرمل على موعد مع انقطاع تام للكهرباء لمدة عام تقريباً بعد الأزمة اللبنانية. لجأت خلالها بعض العائلات إلى تركيب ألواح الطاقة الشمسية على أسطح المنازل والمباني، في حين ارتفعت نسبة التركيب بنسبة 650% في العام 2022 في كل لبنان، بحسب المهندس حسين هزيمة.
وبينما تحوّلت أسطح الأبنية في بعلبك-الهرمل إلى محطات صغيرة لإنتاج الكهرباء عن طريق الطاقة الشمسية، بقيت سهول المنطقة الواسعة وواحاتها العريضة خالية كلّيًّا من أيّ استثمار في مجال الطاقة البديلة.
هذا وتتميّز منطقة البقاع عموماً وبعلبك-الهرمل خصوصاً، بالقدرة الأعلى على حصاد الطاقة الشّمسية سنوياً مقارنةً بباقي مناطق لبنان، نظراً إلى «الإنقشاع الأكبر، وقلّة الغيوم كونها منطقة داخلية، وحدّة زاوية أشعة الشمس فيها». هذا ما يجعل فعالية الألواح الشمسية فيها أعلى من المناطق السّاحلية.
ولكن الواقع مختلف، فعلى عكس المناطق السّاحلية تُعدّ منطقة بعلبك-الهرمل الأفقر عمرانياً، إذ لا تزيد نسبة المساحات المبنية فيها على 1%، إلا أنها رغم ذلك، قادرة على تأمين حوالي 3 ملايين ميغاواط ساعة كهرباء سنوياً، من خلال تركيب الألواح الشمسية على أسطح المباني والمنازل فقط، دون احتساب استغلال المساحات والسهول الواسعة في المنطقة.
غياب الاستثمارات
تتراوح حاجة المنزل الواحد في منطقة بعلبك ما بين 4 و8 ألواح طاقة، بمتوسط تكلفة من 2000 إلى 4000 دولار، وهذا لا يتناسب مع الأوضاع الماديّة لمعظم البعلبكييين، لذلك لم يجدوا السبيل إلى تأمين هذه الطاقة البديلة لمنازلهم حتى اليوم، بينما لجأ البعض إلى الاستدانة ودفع الأقساط مع الفوائد من أجل تأمين الكهرباء والتي تعدّ من الحقوق الأساسية لكل المواطنين حسب كل تشريعات العالم.
وللمفارقة أنه في كل محافظة بعلبك-الهرمل وعلى الرغم من أهمية المساحات المتوفرة الصالحة لمشاريع مزارع الطاقة الشمسية، وأهمية الحلول التي ممكن أن توفرها هذه المشاريع، لا يوجد أي استثمار في هذا المجال.
وفي دراسة أجراها باحثون في مركز الاستشعار عن بعد، التابع للمجلس الوطني للبحوث العلميّة، بالتعاون مع جامعة ميونيخ التقنية في ألمانيا، وتحدّثت عن واقع إنتاج الكهرباء بواسطة الطاقة الشمسية في لبنان، أوصت الدراسة بـ «ضرورة استغلال القدرات الضخمة في حصد الطاقة الشمسية لمنطقة بعلبك-الهرمل»، عبر إقامة مزارع للألواح الشّمسية فيها نظراً إلى وجود أراضٍ شاسعة تصلح للإنتاج الكهربائي عبر الطاقة الشمسية.
في كل محافظة بعلبك-الهرمل وعلى الرغم من أهمية المساحات المتوفرة الصالحة لمشاريع مزارع الطاقة الشمسية، وأهمية الحلول التي ممكن أن توفرها هذه المشاريع، لا يوجد أي استثمار في هذا المجال
من هنا تبرز إشكالية هدر الطاقة بسبب الحلول الفردية وغياب التنظيم، بحيث غالبيّة المحطات الصغيرة المركبة على أسطح المباني تُنتج في فترة الذروة أكثر من حاجة استهلاك المنزل، ما يؤدّي إلى هدر الطاقة المتبقيّة لصعوبة استغلالها.
في حديثٍ خاص لـ “مناطق نت” يؤكّد رئيس بلدية بعلبك مصطفى الشل أنّ منطقة بعلبك-الهرمل تتميز بالقدرة الأعلى على حصاد الطاقة الشمسية، وذلك لأنها تتمتع بمناخ أقرب إلى الصحراوي. وبسؤاله عمّا اذا كانت هناك نية لإنشاء مشاريع مزارع إنتاج الطاقة الشمسية قال: “هناك بعض الشركات التي أجرت دراسات عن كيفية استثمار الأراضي الواسعة والأسطح لإنتاج الطاقة الشمسية، لاسيما دراسة لدكتور لبناني مغترب ومقيم في كندا من عائلة المر. إلا أنها بقيت مجرد دراسات ولا يوجد أي جهات مانحة قدمت عروضًا بقروض ميسّرة للبلديات من أجل القيام بأيّ من تلك المشاريع”.
وأضاف الشّل: إنّ البلديّة تعاني من مشكلة بحيث لا يمكنها الإعتماد في آلية التوزيع على شبكة مؤسسة كهرباء لبنان، من دون الحصول على ترخيص، في ظلّ غياب القوانين التي تمنح تراخيص من هذا النوع. وذلك لأن الإستثمار في مشروع توزيع الطاقة الكهربائية إلى المنازل، مقتصر على مؤسسة كهرباء لبنان باستثناء مدينة زحلة، التي خُصصت بعقد سنوي. وختم الشل آملاً القيام بتلك المشاريع في المستقبل بتمويل خارجي وتشجيع من الدولة اللبنانية وذلك بعد تحقيق قانون اللامركزية الإدارية للمناطق والبلديات.
حلم الكهرباء “24/24”
يقول المهندس حسين هزيمة وهو مهندس كهرباء متخصص في الطاقة البديلة لـ “مناطق نت”: إنّه في البداية يجب تحديد كمية الاستهلاك للمنطقة وذلك من خلال مشروع مزرعة شمسية، بعدها يجب توفير مساحة لذلك، بحيث يحتاج اللوح الواحد إلى مترين مربعين، موضّحًا أن ألف لوح بقوة 450 واط لكل لوح، ينتج 450 ألف واط، وهذه الكمية غير كافية لاستهلاك مدينة. وعليه يجب تركيب 5000 لوح بقوة 450 واط للوح في مزرعة شمسية لتصبح كافية لاستهلاك مدينة صغيرة مثلاً.
ويشير هزيمة إلى أنّ تكلفة تلك المزرعة بكامل معداتها اللوجستية يمكن أن تصل قيمتها إلى مليون ونصف المليون دولار تقريباً، وبالاعتماد على طريقة هجينة بين المزرعة الشمسية ومولدات الطاقة، بحيث تغذّي الطاقة الشمسية الشبكة في فترة الانتاج، وتغطي مولدات الطاقة الكسر في فترة وقف الإنتاج (الشتاء). وعبر “النظام غير الشبكي” يمكن الإستفادة من الطاقة المنتجة وغير المستهلكة من المحطات الصغيرة المتوفرة على أسطح المباني، وذلك من خلال جرها إلى داخل الشبكة وإعادتها للإستفادة منها بعد غياب الشمس، وهذا ما يؤدي إلى عملية التكافؤ بين المزرعة الشمسية والمولدات.
يؤكد هزيمة أن هذه الطريقة معتمدة في بلدتي شليفا ودير الأحمر، كما في بلدية الفرزل التي افتَتحت العام الماضي مزرعة شمسية بالتعاون مع شركة كهرباء زحلة. واعتبر أنه نموذج رائع للإستفادة من الطاقة الشمسية عبر التنظيم واتحاد الجهود. ويختم: “من المفروض على الدولة والبلديات تنظيم هذا القطاع عبر تراخيص مسبقة كدفتر شروط للإستفادة من الطاقة غير المستهلكة من أسطح المباني والمنازل، وجرها إلى الشبكة للإستفادة منها بدل هدرها”.
يبقى السؤال الذي لم نجد له جواباً، أنه لماذا منطقة بعلبك-الهرمل التي تستحوذ على جل المساحات الواسعة والمكشوفة في لبنان، تبقى من دون أي استثمار يُذكر في مجال مزارع الطاقة الشمسية؟ والحاجة تبقى لسكان بعلبك – الهرمل الذين يعانون الأمّرين ويواجهون الصعوبات في تأمين الكهرباء، الأهمية القصوى لتشريعات قانونية تنظم إنتاج الطاقة الشمسيّة وتستثمر في إمكانيات المحافظة لعلها تحقق حلم “الكهرباء 24 /24”.