مستشفيات الجنوب تواجه العدوان…صامدون هنا
تعرّضت أكثر من 40 منشأة صحّيّة للاعتداءات الإسرائيليّة في لبنان، موزّعة بين الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبيّة لبيروت، وتعذّرت إمكانيّة تقديم الرعاية الصحّيّة والإستشفاء في ثمانية مستشفيات بشكل كلّيّ وسبعة مستشفيات بشكل جزئيّ، منها ما هو قطاع خاص مثل مستشفى “صلاح غندور”، “الساحل” و”بهمن”، وأخرى استشفاء حكوميّ كمستشفيي بنت جبيل وميس الجبل.
أسفرت الحرب القائمة على لبنان عن مقتل 180 فردًا من المسعفين والعاملين في القطاع الصحّيّ، إضافة إلى استهداف أكثر من 220 سيارة إسعاف أو إطفاء وفق آخر ما أعلنه وزير الصحّة العامّة الدكتور فراس الأبيض، وعلى رغم ذلك، لا تزال الفرق الطبّيّة تقوم بدورها في إسعاف ومداواة الجرحى والمرضى الذين يحتاجون إلى الطبابة والإستشفاء، لا سيّما في المناطق الخطرة المتواجدة على مقربة من الحدود الجنوبيّة أو تلك التي تتعرّض للقصف العنيف جدًّا مثل النبطية، ولم تثنهم حتّى إصاباتهم عن استكمال عملهم الإنسانيّ.
القصّة كما بدأت
بدأ الإختبار الجدّيّ للقطاع الصحّيّ مع انفجار أجهزة النداء الآلي “البيجرز” في الـ 17 من أيلول (سبتمبر) الماضي ممّا أدّى إلى إصابة الآلاف من الأفراد في العيون والأطراف، وكانت جميع الفرق الصحّيّة متأهّبة لحدث كهذا، وفق خطّة وضعتها الوزارة المعنيّة منذ بداية الحرب الحدوديّة جنوبًأ.
ويتوسّع بعدها العدوان الإسرائيليّ في الـ 23 من أيلول الماضي، ويشمل القصف والاستهداف غالبيّة المناطق اللبنانيّة، فيزيد عدد الإصابات، وتنجح مجدّدًا كلّ المشافي والمراكز الصحّيّة باستيعاب حالة الحرب العامّة في البلاد، إلى أن تبدأ إسرائيل باستهداف المشافي ومحيطها، فتتضرّر، ويخرج بعضها عن الخدمة بشكل جزئيّ أو كلّيّ، ما ينذر بكارثة قد تصيب القطاع الصحّيّ، وعندها لن يكون بمقدور المواطنين الحصول على الطبابة والاستشفاء.
أسفرت الحرب القائمة على لبنان عن مقتل 180 فردًا من المسعفين والعاملين في القطاع الصحّيّ، إضافة إلى استهداف أكثر من 220 سيارة إسعاف أو إطفاء وفق آخر ما أعلنه وزير الصحّة العامّة
ووفق بيانات وزارة الصحّة اللبنانيّة، نتج عن العدوان الإسرائيليّ على لبنان، حتّى كتابة هذا المقال، أكثر من ثلاثة آلاف شهيد وأكثر من 13 ألف جريح، فيما أجبر أكثر من 1.4 مليون شخص على النزوح من مناطقهم، لتستقرّ غالبيتهم في بلدات وقرى الشمال وجبل لبنان، وهي أرقام مرجّحة للإارتفاع، طالما يمارس الإحتلال الإسرائيليّ همجيّته وعنفه وأدوات القتل الخاصّة به تجاه اللبنانيّين.
في هذا التحقيق، نحاول في “مناطق نت”، تسليط الضوء على واقع المشافي في الجنوب والنبطية، في إطلالة كاملة على المنطقة هناك.
لمشافي الجنوب القريبة من الحدود، حصّة أكبر في الاستهداف منذ بدء العدوان، وقد خرج مستشفى ميس الجبل، صلاح غندور والمستشفى الحكوميّ في بنت جبيل ومستشفى مرجعيون الحكوميّ عن الخدمة بفعل القصف الإسرائيليّ الهمجيّ، فتحوّل الضغط إلى مستشفى تبنين الحكوميّ، الوحيد الذي يعمل راهنًا على رغم استهدافه بشكل جزئيّ، وتضرّر أقسام منه، لتغطية كامل المنطقة هناك.
مستشفى صلاح غندور
في الرابع من تشرين الأوّل (أكتوبر) الماضي تلقّى مستشفى “الشهيد صلاح غندور” في بنت جبيل، إنذارًا عبر مختار البلدة، لإخلاء مركز الدفاع المدنيّ الموجود داخله، وقد حصل الأمر بالفعل، حفاظًا على حياة الكادر الطبّيّ، لكن قبل انتهاء المهلة الممنوحة (أربع ساعات) فوجئ العامليون هناك بسقوط ثلاث قذائف بشكل مباشر على المستشفى أثناء إستراحة الأطبّاء والممرّضين، ما نتج عنه إصابة ثلاثة أطبّاء وسبعة ممرضين، إثر ذلك، تمّ الإخلاء وتحويل المصابين لإلى مستشفيات أخرى في صيدا وبيروت، وفق ما يروي مدير المستشفى الدكتور محمد سليمان لـ”مناطق نت”، قائلًا: “لم يتمكّن يومها الجيش اللبنانيّ والصليب الأحمر من الوصول إلينا فأخلينا المكان بسيّاراتنا الخاصّة المدنيّة”.
ويضيف: “منذ بداية طوفان الأقصى ونحن نقوم بدورنا الصحّيّ على أكمل وجه، غطّينا جميع القرى الأماميّة واستقبلنا في المستشفى نحو 1000 إصابة، بين شهيد وجريح، إلى أن وصلنا إلى الـ 23 من أيلول الماضي حين بدأ العدوّ الإسرائيليّ عمليته العسكريّة الواسعة، وبدأ تضييق الخناق علينا؛ إذ قصف محيط المستشفى لمرّات سابقة، لكنّنا بقينا نعمل حتّى يوم الإخلاء”. يشار إلى أنّ الطاقم الطبّيّ، بقي طوال الفترة الممتدّة بين بدء العدوان وحتّى توقّفه عن العمل، داخل المستشفى الذي اضطرّ إلى خفض عديده من أجل ضمان سلامتهم.
وعن مفاعيل هذا الإجراء، يرى سليمان “أنّ الاحتلال يتقصّد تفريغ المنطقة من الكادر الطبّيّ، الذي كان يقوم بدوره وهو إنسانيّ بحت، ومتابعة الجرحى في المنطقة، للضغط أكثر على المقاومين” على رغم أنّ مثل هذا الاعتداء على المراكز الصحّيّة “يتعارض مع مبادئ حقوق الإنسان وأنظمة الأمم المتّحدة، إلّا أنّ العدو لا يعير أيّ اهتمام لقرارات الأمم المتّحدة”. يحدث ذلك في وقت يدعو فيه جيش الاحتلال الإسرائيليّ، سكّان المناطق الجنوبيّة إلى إخلائها كلّيًّا، وعدم العودة إليها أو دخولها إلى توقيت غير معلوم.
ويختم: “نحن كفريق طبّيّ، نتمنّى أن يصل صوتنا إلى كلّ العالم، حاضرون لمتابعة دورنا وإعادة فتح المستشفى الذي دمّر جزء منه، بمجرّد ضمان عدم استهداف المستشفيات والمراكز الصحّيّة”. وقبل ذلك بوقت قصير، توقّف مستشفى ميس الجبل وبنت جبيل الحكوميّ وكذلك مرجعيون الحكوميّ عن العمل.
مستشفى ميس الجبل
على الحدود مباشرة، تقع مستشفى ميس الجبل على بعد مئات الأمتار من فلسطين المحتلّة، وقد خرجت عن الخدمة بعد مرور أسبوع على بدء العدوان الإسرائيليّ، فيما كانت قبل ذلك تحتضن بفعاليّة الإصابات في الأقسام الرئيسة مثل الطوارئ والعناية الطبّيّة والعمليّات.
يقول مدير الخدمات الطبّيّة في المستشفى الدكتور حليم سعد لـ”مناطق نت”: “في الـ 30 من أيلول الماضي تلقّينا تهديدًا بقصف المستشفى، فأعلناه مقفلًا. وطوال 11 شهرًا، أيّ من تشرين الأوّل 2023 وحتّى أيلول 2024، تعرّض للقصف أربع مرّات، ثلاث منها أصابت حرم المستشفى، وواحدة على المبنى مباشرة”. وقد باتت المنطقة خالية من المدنيّين بفعل تهجير السكّان منذ اليوم الأوّل للعدوان.
وعمّا آلت إليه أوضاع المؤسّسات الاستشفائيّة في لبنان، يعلّق سعد: “يتعرّض القطاع الصحّيّ بشكل عام في الجنوب إلى كارثة أشبه بانهيار، سيؤثّر حتمًا في الخدمة الطبّيّة وكيفيّة تقديمها” لافتًا إلى حال الكادر الطبّيّ والتمريضيّ والعاملين في المستشفى والذين باتوا بلا عمل في ظلّ ظروف استثنائيّة تعيشها البلاد. يُذكر أنّ بلدة ميس الجبل تتعرّض راهنًا لإلأى التفجير الممنهج من قبل الجيش الإسرائيليّ طالت بيوتًا وأحياء مدنيّة كثيرة هناك.
مستشفى تبنين
على رغم تعرّض محيطه لاستهدافات متكرّرة، إلّا أنّه الوحيد الذي لا يزال يعمل في المنطقة هناك، بظروف صعبة للغاية، تقول مصادر المستشفى لـ “مناطق نت”: “منذ بدء العدوان، تعرّض محيطه إلى ثماني مرّات للإعتداء الإسرائيليّ، ما سبب في أضرار مادّيّة مثل تكسّر الزجاج وانهيار الأسقف المستعارة وتضرّر المولّد الكهربائيّ وثلّاجات حفظ طعام المرضى والعاملين وسيّاراتهم. في حين أصابت الضربة الأخيرة مبنى المستشفى وسبّبت في خروج قسميّ العلاج الكيميائيّ والأطفال عن الخدمة”.
هذا، ولا يزال الفريق الطبّيّ متواجدًا في المستشفى، أطبّاء وجرّاحون من مختلف الاختصاصات، ولا تزال أقسام العناية والطوارئ والعمليّات قادرة على استقبال المرضى والمصابين، علمًا أنّ العاملين ينامون في المستشفى، الذي يواجه راهنًا مشكلة نقص المياه التي تؤمّنها جهات معنيّة.
تقول المصادر: “نتخوّف من أن يتمّ قصف المستشفى لدينا، ولا مكان آخر للناس كي يذهبوا إليه لتلقّي العلاج في الحالات الباردة أو عند الطوارئ، خصوصًا أنّ الإنتقال إلى صور والنبطية، عبر الطرقات غير الآمنة، فيه كثير من الخطورة”. ولا بدّ من الإشارة هنا، إلى أبناء رميش ودبل وعين إبل، الصامدين في قراهم حتّى يومنا هذا، وكذلك بعض النازحين الذين يتواجدون في مراكز الإيواء مثل مدينة صور.
صور وضواحيها
بالإنتقال إلى منطقة صور، متوجّهين من الحدود الجنوبيّة إلى الداخل اللبنانيّ، طاول القصف محيط المستشفيات الثلاثة هناك، جبل عامل، حيرام واللبنانيّ الإيطاليّ، لكنّها جميعها لا تزال تعمل بشكل تتشابه فيه الظروف، إذ تعاني الفرق الطبّيّة من ضغط كبير نتيجة العدوان الإسرائيليّ العنيف وازدياد أعداد طالبي العلاج والاستشفاء من مرضى ومصابين، هم صامدون على رغم العدوان الكبير، كذلك مستشفى صور الحكوميّ، هذه هي الحال وصولًا إلى صيدا وجوارها حيث تتواجد مستشفيات: علاء الدين، دلّاعة، الراعي وحمّود الجامعيّ، التي تنقل إليها الحالات الحرجة.
مستشفيات النبطية تحت النار
في النبطية، حيث يشنّ سلاح الجوّ الإسرائيليّ غارات كثيفة وعنيفة، لم تغلق مستشفيات المنطقة أبوابها، أمام المصابين والمرضى الوافدين إليها من النبطية والجوار، على رغم تأثّرها بالغارات القريبة والمتكرّرة ووقوع أضرار فيها، والمصاعب والتحدّيات التي تواجه العاملين هناك. خصوصًا مع رفض نزوح عدد كبير من الناس إلى الشمال وجبل لبنان، وبقائهم في المنطقة، ممّا يجعلهم بحاجة إلى لخدمات الطبّيّة أكثر من أيّ وقت مضى.
وتعاني مستشفيات المنطقة، النجدة الشعبيّة اللبنانيّة، الشهيد راغب حرب والمستشفى الحكوميّ، من نقص في بعض الاختصاصات، مثل جراحة الأعصاب والعظام والشرايين، وكذلك هي بحاجة مستمرّة إلى إمداد دائم بمادّة المازوت، من أجل تشغيل مولّداتها الكهربائيّة، بسبب غياب التغذية الكهربائيّة العامّة.
هذا وتسعى الحكومة اللبنانيّة على مستوى الأمم المتّحدة والمجتمع الدوليّ، إلى تحصين أمن المراكز الصحّيّة للحؤول دون استهدافها بشكل مباشر وتمويل حاجاتها في ظّل ظروف الحرب الراهنة، ما يطرح تساؤلات عن مدى قدرتها على تحقيق ذلك.
في النبطية، حيث يشنّ سلاح الجوّ الإسرائيليّ غارات كثيفة وعنيفة، لم تغلق مستشفيات المنطقة أبوابها، أمام المصابين والمرضى الوافدين إليها من النبطية والجوار
هل ستبقى مستمرّة؟
وفي ظلّ كلّ ما يتعرّض له القطاع الصحّيّ، يبقى السؤال الأهم عن مدى قدرة المستشفيات على الاستمرار؟ يقول نقيب المستشفيات الخاصّة، سليمان هارون لـ”مناطق نت”: “هناك إصابات مباشرة وغير مباشرة، في عدد كبير من المستشفيات، الخاصّة والحكوميّة؛ الأسوأ أنّنا في حرب، لا نعلم إن سيتمّ استهداف المستشفيات مباشرة كما حدث في غزّة، أم لا”.
يأتي ذلك في وقت، “لا نعلم أيضًا إن كانت طرق الاتّصال في الخارج، المرفأ والمطار، ستبقى فاعلة أم أنّها ستخرج عن الخدمة أيضًا” حسبما يقول هارون، لافتًا إلى “معاناة المستشفيات جرّاء عدم تلقّيها مستحقّاتها اللازمة في مثل هذه الظروف الاستثنائيّة القائمة في البلاد، ونزوح الطواقم الطبّيّة وعوائلها إلى مناطق خارج نطاق عملها، ما تسبّب في نقص أعداد العاملين”.
هذا ويعيش لبنان تبعات أسوأ أزمة اقتصاديّة ونقديّة تمّر على البلاد، وهو بأمسّ الحاجة إلى المساعدات الدوليّة على أنواعها، لا سيّما المستلزمات الطبّيّة. وعن المساعدات الطبّيّة التي يتلقّاها لبنان، يقول هارون: “هي مهمّة ولكن ليس هذا كلّ ما نحتاجه، فعلى سبيل المثال، هناك مستلزمات طبّيّة لعمليّات القلب والدماغ، نحتاجها، لكنها لا ترفق بالمساعدات الممنوحة، ونحتاج إلى استيرادها من الخارج، وللأموال أيضًا من أجل دفع ثمنها للوكيل”.