مشروع “مشبوه” يُحاصر محميّة شاطئ صور ومخاوف من تعدّيات بالجملة
وسط أزيز طائرات الاستطلاع الإسرائيليّة الذي لا يغيب عن سماء الجنوب، وعلى وقع أصوات الانفجارات الناجمة من القصف الإسرائيليّ المتواصل على البلدات والقرى الحدوديّة، تعمل جرّافات ومعدّات أحد المتعهّدين النافذين في مدينة صور من دون توقّف، بعد أن قرّر نقل تجربته الأفريقيّة إلى لبنان، من خلال إجراء عقد مع مؤسّسات الدولة تدرّ عليه ملايين الدولارات، من دون مراعاة لخصوصيّة المنطقة والحصول على التراخيص والدراسات المسبقة التي نصّ عليها القانون.
وفي تفاصيل المشروع الجديد، يؤكّد مصدر مطّلع لـ “مناطق نت” أنّ المشروع “يمتدّ بمحاذاة محميّة صور الطبيعيّة، أيّ المنطقة العلميّة تحديدًا، ولا يفصله عنها سوى طريق داخليّ فرعيّ”، لافتًا إلى أنّ “مكوّنات المشروع حتّى اليوم غير واضحة، ولا خرائطه، ولا اسم له حتّى الآن”.
آلاف الدونمات بخدمة المتعهّد
في المعلومات أنّ وزاره الدفاع اعتمدت في تلزيم هذا المشروع على نظام الـ “بي أو تي” BOT لصالح شركة “أس آي أس” SIS لصاحبها سلوان صاليني، فضلًا عن أنّ الاتّفاقيّة بين المتعهّد ووزارة الدفاع وقيادة الجيش اللبنانيّ وتفاصيل تشغيل المشروع بعد انتهاء مرحلة البناء هي أيضًا مبهمة.
ويضيف المصدر “أعطت وزارة الدفاع وقيادة الجيش الحقّ بالاستثمار في العقارات رقم 1504/1570/1571/1572/1573/1574/1575 في منطقة الشواليق (طريق صور- الحوش، والتي تبدأ من دوّار الصليب الأحمر وصولًا إلى النقطة المحاذية لشركة تويوتّا)، فضلًا عن العقار 640 في منطقة الخراب العقاريّة (مدخل شاطئ الجمل) والذي سيتمّ إنشاء عدد من المقاهي عليه، ويعتبر هذا الأخير مصنفًا Green Zone، ويمنع إقامة ووضع إنشاءات إسمنتيّة وغير إسمنتيّة عليه حتّى لو كانت متنقّلة بحسب تصنيف الأرض”.
ووفقًا للمعلومات الأوّلية فإنّ العقد يقوم على إنشاء المستثمر عشرات المحال التجاريّة (بين 70 و150 محلًّا) واستثمارها على مدى 28 سنة، مقابل بناء نادٍ للضبّاط محاذٍ للشاطئ الواقع ضمن المحميّة، على أن يتمّ بناء جسر على الطريق الفاصل الذي يصل بين مدينة صور ومخيّم الرشيديّة جنوبيّ المدينة، مع الإشارة إلى أنّه غير نافذ ومُخصّص فقط للجيش اللبنانيّ.
خطر تجزئة شاطئ صور
في حال بناء الجسر أو التراجع عنه، فإنّ الخطر الأكبر هو إمكانيّة تسييج الشاطئ تحت عناوين وحجج مختلفة، وهذا من شأنه ضرب مبدأ وحدة الشاطئ الذي لطالما تميّز به شاطئ صور على خلاف الساحل اللبنانيّ.
ويشير المصدر إلى أنّ “هذه العقارات هي أملاك للدولة اللبنانيّة ومخصّصة للاستفادة منها من قبل وزارة الدفاع في إنشاءات عسكريّة ولأعمال دفاعيّة فقط، وهي تخضع للترخيص اللاحق في أعمال البناء، شرط أن يلتزم المقاول، في حال الاستثمار، بالقوانين المرعيّة الإجراء بحكم مجاورتها لمحميّة طبيعيّة، والحصول على تراخيص وزارة البيئة، وحكمًا وزارة الثقافة والمديريّة العامّة للآثار مسبقًا، وقبل البدء بأيّ عمل نظرًا إلى خصوصيّة مدينة صور الأثريّة، وهذا ما لم يتمّ لحظه حتّى اليوم”.
ويقول المصدر عينه: “رصدنا تعدّيًا بعمليّة الجرف ووضع الآليات في المنطقة الحزاميّة Buffer zone، وهي المنطقة التي تحوط الحدود الخارجيّة للمحميّة الطبيعيّة وتمتدّ من 200 إلى 500 متر من حدود المحميّة، ليصار بعدها إلى سحب الآليات من هذه المنطقة”.
في حال بناء الجسر أو التراجع عنه، فإنّ الخطر الأكبر هو إمكانيّة تسييج الشاطئ تحت عناوين وحجج مختلفة، وهذا من شأنه ضرب مبدأ وحدة الشاطئ الذي لطالما تميّز به شاطئ صور على خلاف الساحل اللبنانيّ.
ويشدّد المصدر على أنّه لم يتمّ الالتزام أو النظر بالقانون 130 الخاص بالمحميّة، وكذلك لم يتمّ إجراء فحص بيئيّ أوّليّ ولا تقييم للأثر البيئيّ Environmental Impact Assessment لتحديد وتقدير وتقييم آثار المشروع على البيئة، ويتمّ ذلك عادةً قبل إعطاء القرار بالموافقة على المشروع.
الآثارات تنال حصّتها من التعدّيات
التعدّيات المحتملة لا تقتصر على محميّة شاطىء صور الطبيعيّة، وإنّما تطال الآثار الموجودة ضمنها. وعلمت مصادرنا أنّ ثلاث نقاط أو زوايا ضمن العقارات المذكورة، تحتوي على آثار في المنطقة التي بدأ العمل فيها في “الشواليق”، الأمر الذي استدعى تدخّلًا فوريًّا من المديريّة العامّة للآثار ومراسلة وزارة الدفاع وقيادة الجيش اللبنانيّ بهذا الخصوص، من دون تلقّي أيّ ردّ.
وهذا الأمر يستدعي أن تُراعى ليس فقط النظم البيئيّة للمنطقة، بل أيضًا الخصوصيّة الأثريّة وعدم المساس أو العبث بها، فضلًا عن إجراء مسح ضروريّ والحصول على الأذونات والموافقات الرسميّة التي ينصّ عليها القانون ومعرفة نسب الاستثمار بالنسبة إلى المخطّط التوجيهيّ.
وزارة البيئة: سندقّق في الموضوع
من جانبه، يشير وزير البيئة في حكومة تصريف الأعمال ناصر ياسين في حديث لـ”مناطق نت” إلى أنّه “وصلتنا الأخبار عن المشروع عبر وسائل التواصل الاجتماعيّ، ونحن حاليًّا في عطلة نهاية الأسبوع التي يتبعها عطلة رسميّة”، مضيفًا: “سنقوم بالتدقيق إذا ما كان هناك طلب قد وردنا بخصوص إجراء تقييم أثر بيئيّ، وشخصيًّا لا أعتقد أنّه وصل إلى مكتبي”. ويشير ياسين إلى أنّه “سيقوم بمراسلة وزارة الدفاع وإجراء اللازم في هذا الخصوص”.
تحرّك برلمانيّ وشعبيّ منتظر
بدأ هذا المشروع يواجه اعتراضات شعبيّة يقودها “حراك صور” الذي يتحضّر إلى مواجهته على صعد عدّة. وفي هذا الصدد، يشير الناشط في الحراك، حاتم حلاوي، في حديث لـ”مناطق نت” إلى أنّ “الحراك يتوقّع أنّ هناك مخالفات كثيرة في هذا المشروع بدءًا من عدم حصوله على دراسة أثر بيئيّ، التي من شأنها أن توقف كثيرًا من الأعمال القائمة حاليًّا أو التي ستحصل مستقبلًا، مرورًا بالطريقة التي مرّ فيها المشروع والتي نشتمّ منها روائح سمسرات ومنافع شخصيّة، ولا تنتهي بهواجس التعدّيات التي يمكن أن تحصل لاحقًا على الشاطئ والمحميّة”.
وعن الخطوات المستقبليّة، يلفت حلاوي إلى أنّ “الحراك قرّر في الوقت الحالي التوجّه عبر بعض نوّاب التغيير والمحامين بأسئلة إلى الوزراء المتخصّصين أو المعنيّين، وهم الدفاع والماليّة والبيئة، بالإضافة إلى إخبار للقضاء كي يتحرّك باتّجاه إنفاذ القانون الذي يجب أن يطبّق على جميع المدنيّين والعسكريّين”. كذلك يلفت حلاوي إلى “إمكانيّة التحرّك شعبيًّا في حال اقتضت الظروف ذلك”.
مخالفات بيئيّة بالجملة
وفي السياق عينه، يوضح رئيس جمعيّة “الجنوبيّون الخضر”، الدكتور هشام يونس، في حديث لـ”مناطق نت” أنّ “المشروع غير مستوفٍ للشروط، إذ لم يتقدّم المتعهّد بتقييم الأثر البيئيّ الملزم، خصوصًا أنّ العقارات التي يقام عليها المشروع، تقع في محاذاة المحميّة تمامًا وضمن المنطقة الحزاميّة Buffer Zone للمحميّة”. ويلفت إلى أنّ هذه المنطقة محدّدة بـ 500 متر وفقًا لقانون إحداث محميّة شاطئ صور الطبيعيّة، والذي نصّت على شروط الأنشطة فيها المادّة الـ15 من قانون المناطق المحميّة رقم 130، بما يضمن سلامة النظام البيئيّ”.
ويلفت يونس إلى أنّه “لم تتمّ دعوة أهالي المدينة وأصحاب المصالح في المنطقة إلى جلسة استماع عامّة لعرض المشروع وللاستماع إلى ملاحظاتهم وآرائهم من ضمن عمليّة إعداد تقييم الأثر البيئيّ، وفقًا لأحكام المادّة الـ23 من القانون رقم 444 تاريخ 8/8/2002”. ويقول: “إنّ استقدام الآليّات وبدء أعمال قطع الأشجار والجرف وتسوية الأرض ومباشرة الأشغال إنّما بدأت من دون استيفاء الشروط، ولذلك هي تعدّ مخالفة للقوانين ذات الصلة”.
هشام يونس: إنّ استقدام الآليّات وبدء أعمال قطع الأشجار والجرف وتسوية الأرض ومباشرة الأشغال إنّما بدأت من دون استيفاء الشروط، ولذلك هي تعدّ مخالفة للقوانين ذات الصلة
ويؤكّد يونس أنّ “المشروع يهدّد بشكل جدّي النظام البيئيّ لأهمّ الشواطئ الرمليّة في لبنان، وتوازن واستدامة النظام البيئيّ الهشّ للمحميّة الشاطئيّة، ونظام الأراضي الرطبة الذي تتمتّع به، وهي تعدّ أحد أربعة مواقع مصنّفة في لبنان وفق “اتّفاقيّة رامسار” للحفاظ والاستخدام المستدام للأراضي الرطبة الموقّع عليها لبنان”.
يضيف: “إنّ موضوع الأراضي الرطبة لا يقلّ أهمّيّة عن الشاطئ نفسه، والنظام هو عبارة عن شبكة مترابطة الضرر، الذي يلحق بها في أيّ موقع يخلّف اختلالًا وضررًا على كامل الشبكة، وفي واقع الأمر الأشغال تقع في وسط هذا النظام الممتدّ إلى خارج المحميّة وموقع الأشغال جزء لا يتجزّأ منه، علمًا أنّني لاحظت الأثر الخطير لموجات الحرّ الشديد واستطالة فترة الصيف على هذا النظام وهو ما أدّى إلى جفاف مبكر للمستنقعات”.
ويختم يونس أنّه “في حين كان من الحريّ العمل على تعزيز وإعادة إنعاش النظام البيئيّ للمحميّة وأراضيها الرطبة، وهو ما يفيد كامل المحيط البيئيّ وجودة وإنتاج الأراضي الزراعيّة والعكس صحيح، إذ إنّ أيّ ضرر يلحق بنظام الأراضي الرطبة يصيب كامل المحيط والتنوّع، وكذلك جودة وإنتاجيّة الأراضي الزراعيّة، يأتي هذا المشروع ليفاقم الوضع ويهدّد المحميّة بشكل مباشر وكبير”.