معارضة أفسد من موالاة وموالاة أفسد من معارضة
حسين حمية
المسألة ليست برفع الصوت أو بتعداد أشكال الفساد وتحديد هوية الفاسدين أو بالمطالبة بمحاسبة هذا او ذاك، أو بانتقاد فلان الإيراني أو فليتان الخليجي، او بالدعوة للتظاهر أو الانتفاضة أو حتى الثورة، لا داع لكل هذا الهراء الذي لن يفيد ولن يحدث، والذي هو لزوم ما لايلزم، فالناس ليست مشكلتهم بافتقاد أمثال الشيخ ياسر عودة، أو هم محبطون لأن الاوتيلات والفنادق لا تستضيف “سيدة الجبل” لتحمي العيش المشترك والتعددية وتفسح في المجال لفارس سعيد لإسقاط الوصاية الإيرانية مجانا نكاية بترامب التي يطالب بترليونات الدولارات مقابل هذه المهمة، ولن يرتموا بأحضان سمير جعجع أو يأخذوا على محمل الجد انفعالات سامي الجميل على البلد، للتخلص من التجربة الغادرة ل “التغيير والإصلاح” العوني، فالأول لم تنقض على توبته عشر سنوات والثاني هو سامي بن أبيه.
ولا يعني إذا الناس إذا أتخمهم حزب الله بانتصاراته المملة واسترهانه لمستقبلهم باتوا في جيبة معارضة شيعية فيسبوكية سخيفة، كما أنهم ولو ضاقوا ذرعاً بنبيه بري واستملاكه حقوق الشيعة في الدولة والأعمال، إلا أنه لا تغريهم معارضة جميل السيد المعلبة أو تجربته الماضية ولو امتدحها يوما البطريرك صفير وشهدت لها الامم المتحدة، وهم اذكى من أن يصدقوا أن في بلدهم الذي لم ينفطم منذ ولادته عن الطائفية والعائلية والمناطقية، يمكن استيلاد مجتمع مدني من دون مساعدة مجاميع استخبارية ولوبيات أعمال.
الناس تعرف أن سعد الحريري عاجزعن حماية نفسه، وهو أعجز ب”خرزته الزرقاء” عن حمايتهم وحماية دولتهم، لكن لن ينساقوا وراء “قوة” اشرف ريفي اللفظية، ولم يعد يحتملوا أنبار أو موصل أو رقّة ثانية، كما لن يستبدلوا الحريري بتشيّع سياسي ويلتحقوا بسنّة طهران أو دمشق، وهكذا حالهم مع وليد جنبلاط وطلال أرسلان ووئام وهاب، فعندما يكون الخيار بين الدلفة والمزراب، ليس هناك معارضة ولا سياسة ولا حتى إصلاح أو تغيير.
لا يحتاج اللبنانيون لمن يسمّي لهم الاشياء بأسمائها، ولا يحتاجون لمن يحرضهم على زمرة نهبت دولتهم وباعتها فوائد لمصارف وعمولات لمقاولين، وهم على بيّنة وإطلاع على أيام كالحة سوداء قادمة بسرعة الريح نحوهم لن تبقي لهم ليرة يقتاتون بها أو مؤسسة تخدمهم، وهم لا يخافون النزول إلى الشوارع والساحات، ولديهم من السخط ما يكفي لدك قصور الطبقة الحاكمة وهدمها فوق رؤوسهم، لكن مشكلتهم في مكان آخر.
لقد فقد اللبنانيون ثقتهم بكل شيء اسمه سياسي أو سياسة، حتى في الانتخابات الأخيرة لم ينتخبوا من منطلقات سياسية، ولمن يدقق في النتائج، سيلحظ أن التصويت كان محركه الخدمات الشخصية سواء أكان لحزب أو لشخص، حتى الأحزاب اختارت من هو الأكفأ بالعلاقات الشخصية وليس تبعا لقدراته التشريعية أو سنّه للقوانين، وهنا المعضلة، أن لا تغيير ولا إصلاح ولا إنقاذ ولا خلاص إلا بالسياسة والسياسي.
لكن ما يجب أن تعرفه الطبقة الحاكمة، هو أن انعدام ثقة المواطن بالسياسة والسياسي، سيتحول إلى كارثة عليها يؤدي إلى تفكيك الدولة وانهيار مؤسساتها واستبدالها بالمافيات والعصابات المنظمة وحكم الغابة، فالناس لا تستقر أمورها إلا بالسياسة، وهذا ما تفتقده الطبقة الحاكمة عندنا بعد تبديدها السياسة في منافع وتجارات والتغطية على ارتكابات وسرقات لمصلحة قلّة من الاشخاص أو الفئات.
لا حل عند اللبنانيين، هناك ثقة فليستردها من هو بحاجة إلى استخدامها، قبل أن يتحدث عن الفساد والفاسدين، أو يدعو للتظاهر والانتفاضة والثورة، فهذا لا ينفع مع الناس، وهذا حالهم :
فصرت إذا أصابتني سهامٌ..تكسّرتِ النصالُ على النصالِ