معاناة التلامذة السوريين المهجّرين بعد سقوط نظام الأسد

مع سقوط نظام بشّار الأسد، وما استتبعه من أوضاع مستجدّة، طاولت فئات معيّنة من الشعب السوريّ، عمد مئات الآلاف من السوريّين إلى ما يشبه النزوح الإراديّ، أو التهجير القسريّ أحيانًا، داخل البلاد وخارجها. ومن الطبيعيّ أن يكون بينهم آلاف التلاميذ الذين اضطرّوا إلى مغادرة منازلهم ومدارسهم بحثًا عن الأمان والاستقرار. هذه الفئة من التلامذة، ممّن قدموا إلى لبنان وتحدّيدًا إلى منطقة بعلبك الهرمل مع أهاليهم منذ مدّة، كان عليهم الانفصال عن مدارسهم في سوريّا، كي يخوضوا “مغامرة” الدراسة في لبنان، ما فرض تحدّيات كبيرة على هؤلاء الأطفال، وأوّل هذه التحدّيات هو الفرق في مناهج التعليم بين البلدين: سوريّا ولبنان.

لجوء تلو لجوء

التحدّيات التي تواجه هؤلاء الأطفال هي نفسها واجهها أطفال ذاقوا مرارة التهجير واللجوء قبل 14 عامًا، فبعد اندلاع الحرب في سوريّا في العام 2011، اضطرّ ملايين السوريّين للنزوح إلى دول الجوار، وكان لبنان واحدًا من أبرز الوجهات التي استقبلت هؤلاء اللاجئين. ومع مرور الوقت، أصبح لبنان يحتضن النسبة الأكبر من اللاجئين السوريّين مقارنة بعدد السكّان في العالم، حيث يُقدّر عددهم بحوالي 1.5 مليون شخص.

حمل اللجوء الكبير معه عديدًا من التحدّيات، ومن أبرزها تلك المتعلّقة بتلقّي العلم لدى الأطفال الذين قدموا مع ذويهم، وأيضًا أولئك الذين ولدوا في لبنان. لكن، ومع استمرار النزاع، وما أدّى إليه من تدمير عديد من المدارس، فقد أصبح الأطفال السوريّون في وضع لا يُحسدون عليه. وعلى الرغم من ذلك، ظلّ التعليم يشكّل أولويّة كبيرة لدى العائلات السوريّة، إذ يسعى الأهل إلى ضمان تعليم أبنائهم، على الرغم من الظروف القاسية.

الطلاب السوريون في مواجهة تحدّيات كبيرة إثر النزوح من سوريا
تحدّيات جديدة

أمّا موجة اللجوء المعاكس التي حصلت بعد سقوط نظام الأسد، فمن شأنها حرمان الأطفال من أبسط حقوقهم، والمقصود هنا التعليم، إمّا بسبب عدم توافر مدارس يمكنها استقبالهم، أو بسبب ظروف اقتصاديّة أجبرت بعضهم على العمل. حاولت الحكومة اللبنانيّة والمنظّمات الدوليّة مثل “اليونيسف”، والمفوّضيّة السامية لشؤون اللاجئين، تقديم حلول لهذه المعضلة، إلّا أنّ الواقع كان أكثر تعقيدًا؛ إذ كان الهمّ الرئيس للعائلات اللاجئة هو حلّ مشكلة السكن قبل سواها، إضافة إلى الحاجات الحياتيّة الأخرى.

يعاني عديد من الأطفال السوريّين هذه الأيّام صعوبة في التأقلم مع المناهج اللبنانيّة، إذ إنّ النظام التعليميّ في لبنان يعتمد في شكل رئيس على اللغات الأجنبية (الإنجليزيّة أو الفرنسيّة)، والتي يجب إتقانها إلى حدّ معيّن. يعود هذا الأمر إلى أنّ جملة من الموادّ العلميّة تُدرّس في لبنان باللغات الأجنبيّة، خلافًا لما هو سائد في سوريّا. أضف إلى ذلك، أنّه وعلى الرغم من أنّ التعليم في المدارس الحكوميّة اللبنانيّة مجانيّ، إلّا أنّ عديدًا من العائلات السوريّة غير قادرة على تحمّل كلف النقل، أو اللوازم المدرسيّة مثل الكتب والأدوات والقرطاسيّة وسواها من لوازم أخرى.

حاولت الحكومة اللبنانيّة تنظيم دوام مسائيّ للاجئين السوريّين في المدارس الرسميّة، إلّا أنّ هذا النظام يعاني من مشاكل عدّة، مثل قلّة الموارد الماليّة، وانخفاض جودة التعليم مقارنة بالدوام الصباحيّ. كذلك فإنّ قلّة عدد المقاعد الدراسيّة تجعل عديدًا من الأطفال خارج المنظومة التعليميّة تمامًا. وبشكل عام، يواجه الأطفال السوريّون اللاجئون في لبنان مستقبلًا غير واضح المعالم بسبب العقبات القانونيّة والسياسيّة التي تحدّ من فرصهم في التعليم.

يعاني عديد من الأطفال السوريّين هذه الأيّام صعوبة في التأقلم مع المناهج اللبنانيّة، إذ إنّ النظام التعليميّ في لبنان يعتمد في شكل رئيس على اللغات الأجنبية (الإنجليزيّة أو الفرنسيّة)

حلول وجهود مبذولة

في ظلّ الأوضاع الصعبة التي يواجهها اللاجئون السوريّون في لبنان، ظهرت مبادرات عدّة وبرامج بديلة لدعم تعليم الأطفال، إلى جانب الجهود الإنسانيّة التي تقدّمها المنظّمات الدولّية والمحلّيّة، إذ بادرت منظّمة “جسور” إلى إطلاق برامج تعليميّة عبر الإنترنت، تعتمد على تطبيقات مثل “واتساب” لمساعدة الأطفال السوريّين غير القادرين على الالتحاق بالمدارس التقليديّة، وتشمل مراحل الطفولة المبكرة والابتدائيّة وبرنامج البريفيه إعدادًا للمرحلة الثانويّة.

كذلك قامت منظّمات إنسانيّة مثل الـ “يونيسف” بإنشاء مدارس ميدانيّة في مناطق لبنانيّة تضمّ أعدادًا كبيرة من اللاجئين السوريّين. هذه المدارس توفر التعليم للأطفال السوريّين بشكل خاص، حيث تتّبع مناهج تُراعي احتياجاتهم اللغويّة والنفسيّة. إلى ذلك، توفّر الـ “يونيسف” برامج مكثّفة لمحو الأمّيّة وتعليم المهارات الأساسيّة في القراءة والرياضيّات للأطفال غير الملتحقين بالمدارس، وبخاصّة أولئك الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و14 عامًا، وتأثّروا بالعمالة القسريّة أو الزواج المبكر.

إلى جانب التعليم الرسمي، تمّ توفير برامج تعليميّة غير رسميّة للأطفال السوريّين، مثل دورات تقوية وتعليم للغات، وبرامج لتأهيلهم لمواكبة التعليم في المدارس اللبنانيّة.

في ظلّ الأوضاع الصعبة التي يواجهها اللاجئون السوريّون في لبنان، ظهرت مبادرات عدّة وبرامج بديلة لدعم تعليم الأطفال، إلى جانب الجهود الإنسانيّة التي تقدّمها المنظّمات الدولّية والمحلّيّة

وبحسب تقرير منشور على موقع “مجتمع” يوجد في لبنان 25 مدرسة مموّلة من جهات خيريّة لتعليم أكثر من 12 ألف طالب سوريّ، وهي تقدّم مناهج خاصّة تشمل تحفيظ القرآن وتعليم مهارات الحياة، وتوفّر كذلك فرص عمل للمعلّمين السوريّين.

لتطوير سياسات تعليميّة

على الرغم من الجهود المبذولة، لا يزال التحدّي الأكبر قائمًا، وهو حول كيفيّة توفير تعليم نوعيّ ومستدام للأطفال السوريّين في لبنان. إذ من المتوقّع أن تستمرّ الحاجة إلى دعم دوليّ ومساعدات من المنظّمات الإنسانيّة والحكومة اللبنانيّة لتجاوز هذه الأزمة.

ومع استمرار وجود اللاجئين السوريّين في لبنان، سيكون من الضروريّ تطوير سياسات تعليميّة تدمج هؤلاء الأطفال في النظام التعليميّ بشكل أفضل، وتساعدهم على اكتساب المهارات اللازمة لمستقبلهم. إنّ التعليم يمثّل الأمل الكبير للأطفال السوريّين، وهو الطريق الوحيد نحو حياة أفضل، بعيدًا من الصراعات، وما تؤدّي إليه من صنوف المعاناة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى
document.addEventListener("DOMContentLoaded", function() { var blockquotes = document.querySelectorAll('blockquote, q'); blockquotes.forEach(function(blockquote) { var beforeContent = window.getComputedStyle(blockquote, '::before').content; if (beforeContent === '"\\f10e"') { blockquote.style.setProperty('content', '"\\f10f"', 'important'); } }); });