موسم الحشيشة ينخفض للنصف والسبب شح المياه

أدّى الجفاف هذا العام، إلى تداعيات كارثيّة على القطاع الزراعيّ. جزء كبير من المواسم تعرّض للتلف، بينما لم تسلم الزراعات الموسميّة من شحّ المياه، منها زراعة القنّب الهنديّ (الحشيشة) التي تأثّرت بشكل مباشر، إذ تراجع بعض المزارعين عن زراعتها بالكامل، ولجأ آخرون إلى تقليص المساحات المزروعة إلى أقل من النصف. في المقابل، توسّع قسم منهم بزراعتها على حساب محاصيل أخرى تتطلّب كمّيّات أكبر من المياه.

في الطريق المؤدّي إلى بلدة بوداي في قضاء بعلبك، كانت نبتة القنّب الهنديّ (الحشيشة) تتراصف في السهول المحاذية لجانبي الطريق، على “مدّ عينك والنظر”. المشهد تبدّل اليوم، إذ باتت المساحات المزروعة متباعدة تفصلها أراضٍ جرداء خالية من أيّ مزروعات، وحقول أخرى ما زالت مزروعة لكنّها يابسة ومنهكة.

تنتشر زراعة القنّب الهنديّ (الحشيشة) على امتداد قرى وبلدات السلسلة الغربيّة لجبال لبنان، من أبلح وصولًا إلى جرود الهرمل، مرورًا بطاريّا، السعيدة، العلاق، دير الأحمر، سهل إيعات، اليمّونة، الكنيسة، كفردان والجمّاليّة.

وعلى رغم أنّ زراعة هذه النبتة باتت مشرّعة وفق القانون الذي أُقرّ في المجلس النيابيّ في شهر نيسان (أبريل) من العام 2020، إلًا أنّها ما زالت تنتظر قرارات “الهيئة الناظمة للقنّب”، التي أنشأت في تمّوز (يوليو) 2025 والتي كلّفها القانون بالإشراف على الزراعة من منح للتراخيص والرقابة على التصنيع.

انخفاض المساحات المزروعة حشيشة في منطقة بعلبك الهرمل بسبب شحّ المياه هذا العام
تراجع ملحوظ بزراعة الحشيشة

أمّا بالنسبة لانحسار المساحات المزروعة بالقنّب الهنديّ هذا العام، فمردّ ذلك إلى شحّ المياه الذي حال دون إقبال المزارعين على زراعتها على النحو المعتاد. في حديث إلى “مناطق نت” يوضح ابن بلدة بوداي، المزارع حسن حسين مهدي شمص أنّ “المساحات المزروعة في البلدة، التي تحتلّ فيها الحشيشة حقولًا واسعة، بلغت هذا العام ما بين 250 و300 دونم فقط، وهي نسبة ضئيلة جدًّا مقارنةً بما كان يُزرع سابقًا في بوداي قبل الحرب، حيث كانت المساحات المزروعة تراوح بين 1000 و1500 دونم”. ويعزو شمص هذا التراجع أساسًا إلى شحّ المياه هذا العام.

يتابع شمص: “الحديث عن تشريع الحشيشة اليوم بعد حملة دوليّة وعربيّة، يهدف إلى تنظيم الحصول على هذه المادّة. الجيش اللبنانيّ لا يلاحق حاليًّا مزارعي الحشيشة ولا يسعى إلى تلفها، بل يقتصر تعقّبه على مزارعي الماريجوانا”.

القنّب الهنديّ والحشيشة الشاميّة

عند الحديث عن الحشيشة، لا بد من التمييز بين نبتة القنّب الهنديّ ونبتة الحشيشة الشاميّة، المعروفة بحشيشة الكيف. فكلاهما صالح للاستخدام الطبّيّ، لكنّ الدولة تسعى إلى تشريع القنّب الهنديّ، بينما المزارعون في البقاع يزرعون الحشيشة الشامّية، المشهورة بوفرة إنتاجها.

تبدو الصورة مختلفة في جرود الهرمل، حيث لجأ عدد كبير من المزارعين إلى زراعة الحشيشة كبديل عن المحاصيل التي تتطلّب كمّيّات أكبر من المياه

ويوضح شمص أنّ “نبتة القنّب الهنديّ يصل ارتفاعها أحيانًا إلى ثلاثة أمتار، وتحتاج إلى كمّيّات كبيرة من المياه، بمعدل مرّة واحدة في الأسبوع أو أقلّ، كذلك فإنّ كلّ 250 كيلوغرامًا من محصولها ينتج كيلوغرامًا واحدًا فقط”.

بالمقابل، يقول شمص “تنتج الحشيشة الشاميّة من كلّ 250 كيلوغرامًا ما بين ستة إلى سبعة كيلوغرامات، وتحتاج إلى الريّ من ثلاث إلى أربع مرّات خلال الموسم. بالإضافة إلى أنّ محصول الحشيشة الشاميّة يمكن تخزينه، بينما نبتة القنّب الهنديّ لا تصلح إلّا لعام واحد ولا يمكن حفظها لأنّها تفسد بسرعة”.

زراعة مزدهرة في الهرمل

تبدو الصورة مختلفة في جرود الهرمل، حيث لجأ عدد كبير من المزارعين إلى زراعة الحشيشة كبديل عن المحاصيل التي تتطلّب كمّيّات أكبر من المياه، لتبلغ المساحات المزروعة هناك ما بين 3000 و4000 دونم.

يشير أحد المزارعين في مدينة الهرمل (رفض الإفصاح عن اسمه) إلى أنّ الحشيشة، كنبتة تاريخيّة، تمتاز بقدرتها على مقاومة جميع الظروف الطبيعيّة، وأنّ ساكني هذه الجبال الوعرة يستمدّون من هذه النبتة صمودهم ومقاومتهم. ويربط المزارع الحشيشة بالجذور التاريخيّة والتراث الزراعيّ للمنطقة، حيث كانت محفورة على أعمدة معابد هياكل بعلبك.

شمص: مزارعي الحشيشة بصدد إنشاء نقابة لهم على غرار النقابات الزراعيّة الأخرى، وقد عُقدت بالفعل اجتماعات عدّة لهذا الغرض

ويتابع لـ “مناطق نت”: “إنّ التخلّي عن زراعة الحشيشة له أبعاد اقتصاديّة واجتماعيّة ونفسيّة، إذ كانت مشرّعة في عهد الرئيس فؤاد شهاب، الذي سمح بزراعتها لاعتباره أنّ الاقتصاد اللبنانيّ يعتمد عليها بشكل أساس”. ويشير المزارع إلى أنّ 25 في المئة من الموازنة كانت تُدرج تحت عنوان “مصادر غير منظورة”، والمقصود بها الحشيشة.

صعوبة تصريف الإنتاج

يشير المزارعون إلى أنّ تراجع المساحات المزروعة بالحشيشة هذا العام في مناطق بعلبك- الهرمل تعود بالدرجة الأولى إلى نقص المياه في عديد من القرى والبلدات التي تشتهر بهذه الزراعة، إذ جفّت فيها الآبار الارتوازيّة.

أمّا السبب الثاني، بحسب شمص، فيتعلّق بصعوبة تصريف الإنتاج إلى الأراضي السوريّة، إذ لم تتجاوز نسبة التصريف الـ 20 في المئة منذ سقوط نظام الأسد هناك. ويتوقّع المزارعون أن يظهر الانخفاض في الإنتاج بوضوح، مقارنة بالسنوات السابقة، مع بدء حصاد الحشيشة هذا العام، اعتبارًا من الـ 25 من أيلول (سبتمبر) الجاري.

ويختم شمص: “إنّ مزارعي الحشيشة بصدد إنشاء نقابة لهم على غرار النقابات الزراعيّة الأخرى، وقد عُقدت بالفعل اجتماعات عدّة لهذا الغرض”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى