موسم الهجرة من الشمال…طرابلس بديلًا عن بيروت

تعدّدت الأسباب والنتيجة واحدة، لبنانيّون يسافرون إلى الخارج بطرق غير معهودة. حيث أفرزت الحرب الإسرائيليّة على لبنان وتوقّف شركات الطيران العالميّة عن المجيء إلى مطار رفيق الحريري الدوليّ نشاطًا متزايدًا لرحلات السفر البرّيّ والبحريّ. حيث يعبر الخطّ البريّ الحدود اللبنانية الشماليّة مع سوريّة نحو مطار الملكة علياء، فيما تنطلق الرحلات البحريّة عبر بواخر عملاقة من مرفأ طرابلس إلى مرسين في تركيا.

نحو الأردن

خلال السنوات الثلاث الماضية، استثمرت شركات السفر في الرحلات السياحيّة إلى الأردن، والتي شكّلت وجهة استجمام غنيّة بالتجارب، وكذلك بديلًا منخفض الأسعار مقارنة ببقيّة البلدان، إذ كان بإمكان السائح السفر إلى عمّان وجرش وبترا والبحر الميّت والنهر المقدّس، وتمضية أربعة أيّام لقاء 250 دولارًا أميركيًّا.

أكسبت هذه التجارب خبرة كبيرة لتلك الشركات، التي تنبّهت إلى أهمّيّة الخطّ الأردنيّ في عمليّات الإجلاء أمام توسّع رقعة الحرب بشكل غير مسبوق، وذلك بدءًا من تاريخ الـ 23 من أيلول (سبتمبر)، حيث ترافق ذلك مع حركة نزوح ضخمة، وأيضًا مع مطالبة الدول مواطنيها بالمغادرة الفوريّة. لذلك، قامت مكاتب السفر بتنظيم رحلات من بيروت، وطرابلس نحو مطار الملكة علياء في عمّان، تمهيدًا للسفر إلى الوجهة المرجوّة.

أفرزت الحرب الإسرائيليّة على لبنان وتوقّف شركات الطيران العالميّة عن المجيء إلى مطار رفيق الحريري الدوليّ نشاطًا متزايدًا لرحلات السفر البرّيّ والبحريّ إلى الأردن وتركيا

يشير عبد المجيد عبد القادر صاحب Majid travel في حديث لـ “مناطق نت”: “إلى طلب كبير على الرحلات إلى الأردن، والتي شكّلت متنفّسًا للمواطن اللبنانيّ وخصوصًا المغترب، الذي قدم لتمضية الإجازة قبل أن يعلَقْ هنا بفعل الاعتداءات الإسرائيليّة”. مؤكدًا “استمرار تلك الرحلات ولكن بوتيرة أخفّ مقارنة مع ما شهدته عند اندلاع الحرب، والتي شكّلت مرحلة الذروة، إذ كانت تنطلق ثلاثة باصات كبيرة الحجم من لبنان، وطوال 10 أيام متواصلة، فيما تراجع الرقم إلى باصين اثنين يوميًّا”. ويشير عبدالقادر إلى “أنّ بعضهم كان يريد العودة إلى العمل في السعوديّة، وآخر لإتمام دراسته في روسيا، وهكذا دواليك”.

مشوار الخروج

يتبع المسار الطريق المعهود، حيث تنطلق “البولمانات” من بيروت أو طرابلس، نحو المعابر الشرعيّة عند الحدود اللبنانيّة- السوريّة، والتوجّه نحو الأردن. قبل تعرّض معبر المصنع، كانت الباصات تعبر من خلاله، ومن ثمّ تسير على أطراف الشام، ومحافظة درعا، وصولًا إلى الأردن حيث يجب الانتظار بين ستّ أو سبع ساعات، ولكن بعد تعرّضه للقصف، حلّ معبر العبوديّة عكّار مكان معبر المصنع.

يشرح عبد المجيد طبيعة الرحلة فيقول “نمنح الركّاب بعض أوقات الراحة، حيث هناك استراحتان: الأولى في لبنان، والأخرى في سوريّا”. لافتًا إلى أنّ “الرحلة في السابق كانت تحتاج إلى 13 ساعة، ولكن مع ازدياد الضغط على المعابر الحدوديّة باتت تستغرق بين 15 إلى17 ساعة”.

طلب كبير على الرحلات البرية إلى الأردن بعد اندلاع الحرب في لبنان وازدياد حركتَي النزوح والهجرة

يلجأ الركّاب إلى هذه الرحلات لأنّها توفر بعض المال. بحسب عبد المجيد فإنّ بدل الرحلة هو 120 دولارًا أميركيًّا، كذلك فإنّه يقلّل عدد أيّام الانتظار في لبنان ريثما تتواجد رحلات لطيران الشرق الأوسط نحو الخارج.

يروي محمّد مرتضى طالب طبّ في روسيا تجربته، ويلفت إلى أنّه اختار طريق البرّ لأنّه الأرخص، ويوضح لـ “مناطق نت”: “كلفة السفر إلى وجهتي عبر الميدل إيست كانت تراوح بين 1150 دولارًا إلى 1700 دولار أميركيّ، ولكن عبر رحلة الأردن بلغ نحو 820 دولارًا في الحدّ الأقصى، وكان يتضمن هذا المبلغ الأكل والشرب والإقامة في فندق”.

يتابع: “الرحلة المجدولة على الطيران اللبنانيّ نحو روسيا كانت متأخّرة عن موعد انطلاق العام الدراسيّ في جامعتي بنحو أسبوعين”.

البحر هربًا

عبر مرفأ طرابلس، تشكّل مسار ثان للخروج من لبنان، حيث وسّعت بواخر النقل البحريّ التي كانت تركّز نشاطها على نقل البضائع، لتنقل مئات من الركّاب نحو مرسين، وتضمّ شريحة الزبائن طلّابًا وتجّارًا ومواطنين أجانب وهاربين من نيران الحرب، والعائلات الباحثة عن لمّ الشمل الأسريّ في الخارج.

يروي الشاب العشرينيّ أحمد ديب المقيم في اسطنبول تفاصيل رحلته البحريّة إلى تركيّا والتي استغرقت 12 ساعة. فقد شكّلت الباخرة بديلًا مقبولًا عمّا عاناه من إلغاء رحلته إلى اسطنبول قبل يومين بسبب اندلاع الحرب واشتداد القصف.

الرحلات البحرية في البواخر عبر مرفأ طرابلس شكّلت مسارًا ثانيا للبنانيين للخروج من لبنان

ويقول: “كنت مضطّرًا إلى المغادرة نحو تركيّا في ذاك الوقت، وكانت تذاكر الطيران المعروضة تفترض انتظار 10 أيام تقريبًا، وأنّ أسعارها كانت مرتفعة للغاية، وتصل إلى حدود 2000 إلى2500 دولار أمريكيّ”. وجد أحمد الباخرة أسرع طريق للسفر والمغادرة، والوصول إلى مرسين، ومن ثم الانتقال في رحلة أخرى مدّتها 17 ساعة نحو اسطنبول، واصفًا خدمات الباخرة بالمتواضعة، وقد رفعت أسعارها إلى الضعف بسبب العرقلة في الطيران الدوليّ.

مشيرًا إلى أنّ “المواعيد غير دقيقة، فقد اضطررت إلى الانطلاق نحو المرفأ فجأة عند إبلاغي بوصول الباخرة، حتّى أنّني نسيت كثيرًا من الأغراض”، وأنّه “لا توجد على متن الباخرة فرق لتقديم الخدمات”، ويضيف: “كانت برفقتنا عائلة، تصطحب ابنها الذي يعاني من اضطراب سلوكيّ، وكانت هذه العائلة قد حجزت غرفة خاصّة بها، إلّا أنّها لم تجد من يرشدها إليها”، لذلك قضى غالبية الركّاب ليلتهم على سطح الباخرة بسبب الازدحام في السفينة، وتبلّل اثير منهم بسبب الأمطار”.

يتحدّث أحمد ديب عن ازدياد سعر بطاقات السفر الداخليّ في تركيّا بسبب الضغط الذي شكّلته الرحلات البحريّة غير المعتادة من لبنان، مضيفًا “في الأوقات العاديّة يراوح سعر التذكرة للسفر الداخلي في تركيّا بين 30 و40 دولارًا، ولكن فوجئنا أنّه وبسبب الضغط ارتفع إلى 300 دولار أميركيّ نحو اسطنبول لأنّه يتمّ تسيير رحلة أو رحلتين يوميًّا، لذلك اضطررنا إلى السفر بالباص إلى اسطنبول حيث أمضينا 17 ساعة إضافيّة على الطريق من مرسين إلى اسطنبول”.

 معابر لبنان نحو العالم

تنتشر ستة معابر نظاميّة على الحدود البرّيّة بين لبنان وسوريّا التي تمتدّ على طول 378 كيلومترًا. يضمّ الشمال ثلاثة معابر شرعيّة في العبوديّة- الدبّوسيّة، والعريضة، وجسر قمار– وادي خالد، بالإضافة إلى معبر المصنع- جديدة يابوس، ومعبر جوسية، ومطربا في البقاع. وتحتلّ مكانة متقدّمة على مستوى التجارة البرّيّة مع بلدان الخليج العربيّ والترانزيت والسفر. وقد أسهمت هذه المعابر في انتقال ما يزيد على 400 ألف إنسان منذ اندلاع الحرب، من ضمنهم حوالي 300 ألف مواطن سوريّ، فيما باتت تشكّل المعابر من جهة البقاع والهرمل هدفًا متكرّرًا لغارات الطيران الإسرائيليّ.

أدّت هذه الأحداث إلى تحوّل شمال لبنان إلى ممرّ إلزاميّ للمسافرين من البلاد، بعد قصف معبر المصنع البرّيّ الذي يربط بيروت بدمشق- سوريا. بالإضافة إلى التأثير المباشر لتعليق شركات الطيران العالميّة رحلاتها إلى مطار رفيق الحريريّ الدوليّ، فيصبح الفرد ملزمًا في البحث عن بديل هربًا من الظروف المتردّية بفعل تصاعد الأعمال الحربيّة.

المسافرون عبر البواخر من مرفأ طرابلس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى