موسى الموسى والحنين إلى البستان
ينتسب الثمانينيّ موسى دياب الموسى، إلى قرية البستان (قضاء صور)، التي يقطنها عربٌ من عشيرة “الخريشات”، ونزح عنها معظم أبنائها بسبب القصف الإسرائيليّ الذي تتعرّض له، منذ نحو شهر، إذ إنّ منازلهم تحاذي الحدود اللبنانيّة الفلسطينيّة، عند تخوم “بركة ريشا”.
انتقل موسى الموسى بجسده إلى مدينة صور، إلى مبنى المدرسة المهنيّة الرسميّة، الذي تمّ تحويل الطبقة الأرضيّة منه إلى مأوى للنازحين من بلدته البستان، وكذلك من بيت ليف وعيتا الشعب وغيرها. هو لا يبارح باحة المدرسة المهنيّة، يستظلّ من الشمس، تحت فيء شجرة صغيرة مع أقارب له، نزحوا معه.
لكنّ قلب الموسى وعقله، في مكان آخر، مع نصفه الثاني، المتمثّل بزوجته وابنيه، إذ لم يغادروا بلدتهم البستان، من أجل رعاية مواشيهم ورعيها وتأمين الأعلاف لها، في الأماكن القريبة من المنازل، مع أنّها مواجهة للمواقع الإسرائيليّة في التلال المشرفة على الضهيرة ويارين ومروحين.
لم يعد عمر “العمّ” موسى دياب الموسى، يسعفه على السير وراء ماشيته، وقد صارت مع مرور عقود من الزمن، مصدراً للحياة وفسحة أمل العيش من خيراتها ودرّ حليبها.
يحاول الموسى قهر الوقت، فيجزيه في التسبيح ولفّ السجائر “العربيّة” وانتظار الفرج، مستطلعاً أحوال قريته من الأخبار الواردة من أحد أبنائه، المتواصل باستمرار، عبر الهاتف، مع والدته وشقيقيه الصامدين في البستان.
يحافظ الموسى، الذي يتمختر في الحدود الجغرافيّة الضيقة التي انتقل إليها مرغماً، شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً، على اعتمار كوفيّته المرّقطة باللونين الأبيض والأسود، على سنحته البدويّة السمراء، التي لوّحتها الشمس طوال سنين مديدة، وهي تجول في البراري، جنباً إلى جنب مع قطعان الماشية.
برغم الأيام القليلة التي أبعدته عن مسقط رأسه البستان، يحنّ الموسى إليها، إلى عائلته، ويأمل بشدّة أن يعود في أسرع ما يمكن، إلى عرينه ودياره، ويترك المهنيّة لطلّابها، فهو لا يطيق العيش في “صندوقة إسمنتيّة”، لا تمتّ بصلة إلى إنشراح أرض بلدته واتّساع فضائها، وهوائها العليل.