ناحية بعلبك قبل 500 عام ازدهار اقتصاديّ وفائض إنتاج (2)
حصص الأوقاف من الضرائب وإنتاج الحبوب
يسلّط الجزء الثاني من موضوع “ناحية بعلبك قبل 500 عام، ازدهار اقتصاديّ وفائض إنتاج” الضوء على حصص الموظّفين وأرباب السلطة المدنيّة والعسكريّة وأيضًا الدينيّة من جوامع ومساجد ومزارات من الضرائب، كذلك الأوقاف والأبنية والمدارس والتيمارجيّة. ويسلّط الجزء الثاني كذلك على إنتاج الحبوب من قمح وشعير وكمّيّاتها ونسبة الضرائب عليها.
المحرر
3-كيف توزّع الديموس والخراج على أرباب السلطة المدنيّة والعسكريّة؟
تدلّ تسجيلات دفاتر الطابو تحريريّ أن السلطنة العثمانيّة كانت تعتمد التعاقد الوظيفيّ في ولاياتها ونواحيها، إنْ على صعيد السلطة العسكريّة أو المدنيّة أو القضاء. ولهذه الغاية كانت تُخصّص لكبار موظّفيها ومساعديهم وذريّاتهم بعض العائدات الضريبيّة تحت مسميّات مختلفة: حصّة التيمار، وحصّة المير ميران، وحصّة الأمير آلاي (قائد عسكر لواء الشام)، وحصّة الزعامت ووقف القاضي الفلاني، ووقف هذا الوالي أو المتسلّم أو ذاك، أو غيرهم.
أ – تطوّر حصّة الخاص الشاهي، أيّ السلطان العثمانيّ وحاشيته وأفراد إدارته المركزيّة (السلطة السياسيّة والإداريّة في اسطنبول):
لقد بلغت قيمة الخاص الشاهي من الديموس مع الخراج في إحصاء 1525، نحو 201779 أقجة (50,85 في المئة من قيمة قسمٍ من عائدات الديموس مع الخراج الإجماليّة)، ثمّ ارتفعت إلى مقدار 211653 أقجة (40.5 في المئة)، ثمّ إلى 387752 أقجة (59 في المئة)، لتنخفض في إحصاء 1569، إلى 350049 أقجة (47.13 في المئة). ولكنّها لم تكن الحصّة الوحيدة، فكان يُضاف إليها أيضًا في بعض السنوات رسوم عادة دورة وحماية وبادهوا وعروسة أو ضريبة الزواج، وأعشار الأوقاف وعادة فتوح البيدر، ورسوم المعاصر والمطاحن ودواليب الحرير والماعز والنحل والجاموس، وبعض التقديمات النقديّة التي كان يتبرّع بها أهالي بعض القرى للسلطة الرسميّة.
ب-تطوّر حصّة أرباب الأوقاف: بلغت قيمة حصّة أرباب الأوقاف وذريّاتهم في العام 1525، نحو 157150 أقجة (39.6 في المئة)؛ ثمّ ارتفعت العام 1535، إلى 187170 أقجة (35,83 في المئة)، وفي إحصاء 1552، إلى 234198 أقجة (35,57 في المئة)، وأخيرًا في إحصاء 1569، إلى 350520 أقجة (47,2 في المئة).
عندما نقول حصّة أرباب الأوقاف لا يعني أنّ هؤلاء كانوا يملكون الأراضي والقرى والمزارع الوقفيّة، كما هي الحال في ملكيّات المساجد والحسينيّات والحوزيّات والأديرة والكنائس وغيرها في وقتنا الحاضر. بل كانت الإدارة الماليّة العثمانيّة تمنح بعض كبار موظّفي السلطنة من مدنيّين وعسكريّين وقضاة ورجال دينٍ بعض عائدات الديموس مع الخراج المقطوع كرواتب وإكرامات لهم من خلال وقفها عليهم وعلى ذريّاتهم من بعدهم طالما أنهم يخدمون الإدارة العثمانيّة… كذلك فإنّ بعض هؤلاء كان يتنازلون عن قسمٍ من تلك العائدات الوقفيّة لتصبح مداخيل ثابتة ومؤبّدة على المدارس والمستشفيات والمساجد ودور الأيتام، فتُصرف على إنمائها واستمرارها في تأدية دورها الرعائيّ الخيريّ اجتماعيًّا واقتصاديًّا. وبما أنّه لا يمكن تعداد كلّ الأوقاف وعرض عائداتها لكثرتها نكتفي بذكر بعض أرباب الأوقاف لأخذ فكرة عن نوعيّتها ومدى شموليّتها.
فمثلًا من عائدات الديوس مع الخراج التي سُجِّلت في دفاتر الطابو التحريريّ كحصصٍ وقفيّة مقابل رواتب ومكافآت لأشخاصٍ، كانت أوقاف الولاة: الناصري محمّد بن منجك وولداه إبراهيم وسيفي أو سيف الدين منجك، ولالا مصطفى باشا؛ والقضاة من آل الفرفور (ورد اسم عائلة الفرفور في قرية حورتعلا) وتاج الدين، وشرف الدين وزين الدين، وبرهان الدين الحنفيّ وأخوه أحمد، ووقف مؤذّني الجامع الكبير في بعلبك، وغيرهم كثير الكثير من الكتبة وقادة العسكر والتيمارجيّة. وهكذا، سبقت السلطنة العثمانيّة بزمان الدول الرأسماليّة التي حوّلت نظام الوظيفة فيها إلى نظام تعاقديّ لا يخضع لقانون الوظيفة العامّة. وفي لبنان ألم يُطرح هذا النظام في السنوات الماضية، على الرغم من اجهاضه بفعل نضال الموظّفين العاملين، مع أنّه ما زال يطرحه بعض السياسيّين من وقتٍ إلى آخر؟
حصص أوقاف المدارس: من المدارس التي وردت في دفاتر الطابو بين سنتي 1525 و1569: مدرسة النوريّة في مدينة بعلبك نسبة إلى نور الدين الشهيد، واللولونيّة والزباديّة أو الزياديّة أو الرياديّة والكرديّة والأمينيّة والرسالة والأشرقيّة، أيضًا، في بعلبك؛ والمباركيّة في الصالحيّة دمشق الشام؛ والخاتونيّة والمنجكيّة في مصر. ويقولون لك بعض فطاحلة الثقافة والتأريخ إنّ المجتمع البعلبكيّ كان أمّيًّا بمعظمه في القرن السادس عشر! فلمن فُتحت تلك المدارس التي وصل عددها المُسجّل في دفاتر الطابو إلى ستّ مدارس في المدينة لوحدها، ما عدا الكتاتيب ومدارس تحت السنديانة التي كانت منتشرة في معظم قرى الناحية؟
ولكنّ السؤال المشروع كيف ماتت تلك المدارس طالما كانت تخصّص لها طيلة الحكم العثمانيّ عائدات سنويّة لتنمو وتزدهر باستمرار مع نموّ القرى والمزارع اقتصاديّا؟ والسؤال الأهم: هو من سرق تلك العائدات واستولى عليها واستاثر بها بعد أن تلاعب بالقوانين وأنظمة الشريعة السائدة آنذاك؟ فعلى سبيل المثال لا الحصر، كانت إبّان الحكم العثمانيّ كلّ عائدات قرية مقنّة ومزارعها الضريبيّة البالغ متوسّط قيمتها بين عامي 1525 و1569، نحو 8674 أقجة، أيّ ما يشتري نحو 70 غرارة أو 4996 مدًّا، ويكفي لتغذية حوالي 500 شخصٍ في السنة. وهذا يعني أن تلك القيمة المتوسّطة من العائدات الضريبيّة، آنذاك، كانت تكفي مصاريف وبناء أكثر من مدرسة، وأنّ العائدات الضريبيّة لمزارع: مغراق وسنيد وسبعل التحتا وتلّ الضيعة كانت أيضًا من حصّة المدرسة النوريّة، ومزارع: صبعيّة وأرض النخاليّة وبستان معدّا كانت من حصّة مدرسة أشرقيّة في بعلبك.
ملاحظة: إنّ عائدات الأوقاف العامّة للمدارس والمساجد وحصّة الولاة والزعماء والتيمارجيّة وكبار موظّفي السلطنة المدنيّة والعسكريّة لم تقتصر فقط على حصصهم في ناحية بعلبك (البقاع الشرقيّ بل خصّصت لهم حصص في عائدات النواحي العديدة على امتداد لواء الشام كالشوف وكرك والجرد وبيروت واقليم التفّاح وتبنين بني بشارة وقرنة البقاع شومر وجبل كسروان والمتن من مقاطعات لبنان الحاليّ).
حصص المساجد والجوامع والمزارات: كوقف الحرمين الشريفيّن الذي كان معفيًّا من رسوم الأعشار، والجامع الكبير في بعلبك، وجامع راس العين، وجامع أو مسجد الحنابلة، ومعلم الأيتام في بعلبك؛ وجامع برسباي، وجامع مسجد القصر في قنوات، وجامع في محلّة ميدان الحصى في الشام، ومزار النبي شعيب، والنبي شيت الذي نشأت بقربه قرية نبي شيت الحاليّة؛ والزاوية الكرديّة في بعلبك، وتربة أو ضريح الشيخ عبدالله يونان، وضريح النبي نوح في الكرك.
عائدات خصّصت كوقفيّات لبعض الأبنية: كبيمارستان/ بيمرستان (مستشفى الأمراض النفسيّة والعقليّة في بعلبك)، وعمارة السلطان سليمان خان (القانونيّ)، وعمارة وضريح مصطفى باشا في قنيطرة، والسجن العتيق في الشام المحروسة.
ومن الملاحظ، أيضًا، أنّه في إحصاءي 1525 و1535،كان ضبّاط/ نظّار بعض الأوقاف الخاصّة والمدرسيّة والخيريّة، كوقف نورالدين الشهيد على المدرسة النوريّة في بعلبك والزاوية الكرديّة ومدرستها والقاضيين إبراهيم يونس الفرفور وتاج الدين بن برهان الدين بن سراج الدين الكنانيّ وحمزة بن مقبل وجامع برسباي، يقدّمون جزءًا من حصّة أوقافهم في الديموس والخراج كهديّة للإدارة الماليّة العثمانيّة، أيّ للخاص الشاهي. بحيث بلغت في العام 1525، نحو 990 أقجة، وما يشتري نحو 10 غرارات قمح أو720 مدًّا، وفي إحصاء 1535، قرابة 1110 أقجة، أيّ ثمن 8.5 غرارات قمح أو 615 مدًّا. وهي قيمة محترمة لأنها تؤمّن الغذاء السنويّ لنحو 61-72 شخصًا.
عندما نقول حصّة أرباب الأوقاف لا يعني أنّ هؤلاء كانوا يملكون الأراضي والقرى والمزارع الوقفيّة، بل كانت الإدارة الماليّة العثمانيّة تمنح بعض كبار موظّفي السلطنة بعض عائدات الديموس مع الخراج المقطوع كرواتب وإكرامات لهم
ج- تطوّر حصّة التيمارجية: قُدّرت حصّة التيمارجيّة من الديموس المقطوع في إحصاء 1525، بقيمة 37886 أقجة (9,55 في المئة من قيمة الديموس والخراج الإجماليّة). وفي إحصاء 1535، بـ 57773 أقجة (11 في المئة)؛ لتنخفض في إحصاء 1552، إلى 240 أقجة (0,03 في المئة)؛ وفي إحصاء 1569، إلى 1200 أقجة (0,16 في المئة). ولكن لم تقتصر رواتب التيمارجيّة على مخصّصاتهم من الخراج المقطوع بل أحيانًا، كانت تُخصّص لهم رسوم عادة دورة ورسوم خلايا النحل (دفتر 430، ص43). ومن التيمارجيّة الذين استطعنا قراءة اسمائهم: الياس بكري وحسين حفار وحاج محمّد وحاج ابراهيم وعلي حمزة وحاج حسين الياس وعبدي بن حمزة واحمد طوربون/ طربين، وفهد جعفر وعلي جاويش.
ملاحظة: ليس صحيحًا أنّ التيمار هي مرتبة عسكريّة مقاطعجيّة وجبائيّة فقط، بل أصبحت مع الزمن تُمنح كراتب لموظّفي الإدارة العثمانيّة المدنيّين والعسكريّين، بدليل أنّه في سنة 1535، مُنح عُشر خراج قرية مجدلون البالغ نحو 1560 أقجة، كحصّة من راتب التيمارجي علي حمزة السنويّ، أحد كتبة دفاتر الميري والطابو (دفتر رقم 401، ص215). وخُصّصت قيمة عائدات ديموس وخراج كلّ من مزارع: العرى ودنحا ووادي بركه وفزانه والمعصران، البالغة آنذاك، مجتمعةً في السنة 3000 أقجة، كراتب للتيمارجي أحمد طوربان أو طوربن الذي كان آنذاك سرعسكر الشام (رئيس عسكر لواء الشام يساوي أمين سر اللواء حاليًّا)؛ (دفتر 401، ص 212 و214).
ح-حصّة المير ميران (أمير لواء الشام، أيّ الوالي): في إحصاء 1525، لم تُخصّص أيّة حصّة للمير ميران، بينما بلغت حصّته في إحصاء 1535، نحو 35330 أقجة (6,76 في المئة)، ثمّ ارتفعت في إحصاء 1552، إلى 36094 أقجة (5,3 في المئة)، وفي إحصاء 1569، إلى 40980 أقجة (5.52 في المئة).
خ-حصّة زعامت: لم تتمّ الإشارة إلى حصّة الزعامت إلاّ في إحصاء 1535، بحيث بلغت قيمتها السنويّة نحو 30375 أقجة (5.8 في المئة)، في حين دُمجت في إحصاءي 1552 و1569، مع حصّة المير ميران. ممّا يعني أنّ المير ميران، أيّ أمير اللواء، وفي ما بعد الوالي، كان من أرباب الزعامت كمرتبة مقاطعجيّة تأتي بعد الوزراء وكبار موظّفي السلطنة في اسطنبول.
4- كيف توزّع الخراج المقطوع بين إنتاج الحبوب (الغلّة) وكروم الأشجار المثمرة؟
من الملفت لمتصفّح دفاتر الطابو اعتماد الإدارة الماليّة العثمانيّة ابتداءً من إحصاء 1552، الفدّان الرومانيّ كوحدة قياس لتقدير مساحة الأراضي الزراعيّة في بعض قرى ناحية بعلبك الشرقيّ وليس كلّها. فعلى سبيل المثال، جاء ترتيب القرى المقدّرة أراضيها في ذلك العام كالآتي: راس 70 فدّانًا، ونحلة 50 فدّانًا، وعين 36 فدّانًا، ولفيكي 35 فدّانًا. أمّا في إحصاء 1569، فبقيت الراس الأكبر مساحةً مع 70 فدّانًا، تليها إيعاث/ايعات مع 60 فدّانًا، لتأتي بعدهما لفيكي مع 45 فدّانًا، وعين 40 فدّانًا، ثمّ عرسال 35 فدّانًا، وأخيرًا حورتعلا 15 فدّانًا. وإنْ دلّ هذا الإحصاء فإنّه يدل على تقدّم الزراعة في بعض قرى ناحية بعلبك (الشرقيّ) من خلال دخول مساحات زراعيّة جديدة في كلّ من لفيكي وعين، دون الإقلال من إمكانيّة اتّساع الرقعة الزراعيّة في بقيّة القرى، ولكن لم تُذكر المساحة فيها إمّا لغياب المقدّرين الخبراء أو لكسل الكتبة في التسجيل، والاستعجال من أمرهم. ولكن على كلّ حال فلقد كان ارتفاع قيمة العائدات الضريبيّة السنويّة من إحصاءٍ إلى إحصاءٍ يوحي بأنّ جميع القرى والمزارع نمت فيها الزراعة والصناعة الزراعيّة بشكلٍ كبير.
ملاحظة: الفدّان، كما ورد في قانون نامة لواء الشام يُطلق على الجفت (الزوج أيّ الاثنين) من البقر العمّال. وهو على أنواع وأبعاد: فهناك الفدّان الرومانيّ والفدّان الإسلاميّ، وفدّان الحراثة، وفدّان الأرض. فالفدّان الرومانيّ المعتمد آنذاك هو ما يحرثه زوج من الثيران في يومٍ كامل، أيّ في النهار والليل معًا. وفدّان الحراثة أو فدّان الأرض، أيّ الكدنة، هو نهار عملٍ لما يحرثه الفدّان حتّى وقت الظهر أو بعده بقليل فقط.
–إنتاج الحبوب، من الصعوبة بمكان معرفة كمّيّة الإنتاج الفعليّة للقمح أو الشعير والحبوب الأخرى في كلّ إحصاء اعتمدناه في هذا البحث، وذلك لأنّ الكاتب لم يعتمد، أحيانًا كثيرة، في تسجيلاته منهجًا سليمًا للفصل بين قيمة ديموس الحبوب وخراج الأشجار ورسمي حقّ المرعى وبدل مشتى الماعز والغنم. ولكن استنادًا إلى المبالغ المجبيّة كديموسٍ على الحبوب والكروم، والتقديرات العينيّة لكمّيّات الحنطة والشعير المُستوفاة كرسوم ضريبيّة سنويّة، يمكننا وبالمقارنة بين التسجيلات المتوافرة، احتساب الكمّيّة الافتراضيّة المُنتجة سنويًّا في كلّ قرية ومزرعة، وتقدير متوسّط كمّيّة الإنتاج السنويّ في كلّ إحصاء. ولكن بسبب عدم استيعاب النصّ لمثل هذه العمليّات الحسابيّة المعقَّدَة، سنكتفي بتسجيل خلاصة النتائج التي توصلّنا إلى احتسابها (كعملٍ شخصيّ)، بالكمّيّة الافتراضيّة لغلّة القمح والشعير التقريبيّة في كلّ إحصاء. ومن خلال هذا التقدير يمكننا افتراض متوسّط كمّيّة الغلّة المُنتجة سنويًّا عينًا بالغرارة قمحًا، وإعطاء أمثلة عن الكمّيّة الافتراضية للقرية الأكثر والأدنى إنتاجًا للغلّة في كلّ إحصاء اعتمدناه.
أوّلًا-متوسّط غلّة القمح الافتراضيّة بين سنة 1525 و1569:
بناءً على مقارنة كمّيّات ديموس غلّة القمح المسجّلة في قرى ومزارع بعلبك الشرقيّة، بين إحصاء وإحصاء، مع الأخذ في الاعتبار عمليّتي النموّ والتراجع، يمكننا افتراض تقدير ديموس غلّة القمح المجبيّة عينًا للعام 1525، بنحو 2100 غرارة، ثمّ ارتفعت في إحصاء 1535، إلى2410 غرارة أيّ بزيادة مقدارها 300 غرارة (14 في المئة)، وفي إحصاء 1552، إلى 2885 غرارة، بزيادة مقدارها 475 غرارة (20 في المئة تقريبًا)، وفي إحصاء 1569، وصلت القيمة العينيّة إلى نحو 3065 غرارة، أيّ بزيادة مقدارها 180 غرارة (ستّة في المئة)عن الإحصاء السابق.
وإستنادًا إلى هذا التقدير الافتراضيّ لكمّيّة غلّة القمح السنويّة العينيّة، يمكن تقدير متوسّط الكمّيّة الفعليّة الافتراضيّة لغلّة إنتاج القمح السنويّة في ناحية بعلبك الشرقيّة خلال 50 سنة إبّان الحكم العثمانيّ في القرن السادس عشر كالآتي: فإذا اعتبرنا النسبة المئويّة للديموس السنويّ مع مصاريف جبايته هو 12.5 في المئة (كمتوسّط لأقسام الربع والخمس والعشر المجبيّة على غلّة القمح والشعير والعدس والحمص والكرسنّة)، فتكون كمّيّة غلّة القمح المُنتجة في العام 1525، نحو 16800 غرارة أيّ ما يوازي نحو 21773 طنًّا، وما يكفي لتغذية حوالي 120960 شخصًا في السنة؛ وفي هذا الإحصاء كانت قريتا سرعين وعين الأكثر إنتاجًا للقمح سنويًّا بكمّيّة 960 غرارة أيّ ما يوازي 1244 طنًّا في كلّ منهما، وسلوقيّة الأقل إنتاجًا مع 40 غرارة فقط، أيّ ما يوازي نحو 52 طنًّا.
وفي سنة 1535، بلغت الكمّيّة الافتراضيّة نحو 19280 غراة، أيّ ما يوازي نحو24987 طنًّا، وما يكفي لتغذية حوالي 138816 شخصًا في السنة أيضًا. وفي هذا الإحصاء بقيت قريتا سرعين وعين في المرتبة الأولى بإنتاج كمّيّة 960 غرارة أو 1244 طنًّا، وحلّت قرية مرعبود في المرتبة الأخيرة من خلال إنتاج الكمّيّة الأدنى والبالغة 32 غرارة، أو 41 طنًّا ونصف الطنّ.
وفي إحصاء 1552، ارتفعت هذه الكمّيّة السنويّة الافتراضيّة لإنتاج القمح، إلى مقدار 23080 غرارة أيّ ما يوازي نحو 29912 طنًّا تقريبًا، وبما يكفي لتغذية حوالي 166176 شخصًا بالقمح سنويًّا. وفي هذا الإحصاء تقدّمت قرية يونين بكمّيّة إنتاجها المقدّرة بنحو 1200 غرارة أيّ نحو 1555 طنًّا، إلى المرتبة الأولى، كما تقدّمت قرية نبحا لتتشارك في المرتبة الثانية بكمّيّة إنتاجها البالغة 1244 طنًّا مع قريتي سرعين وعين. وبقيت مرعبود تحتلّ المرتبة الأخيرة بكمّيّة إنتاجها المقدّرة بنحو 41 طنًّا ونصف الطنّ.
أمّا في إحصاء 1569، فقُدّرت كمّيّة غلّة القمح الافتراضيّة المُنتجة في ناحية بعلبك (الشرقيّ) بنحو 24520 غرارة، أيّ ما يوازي نحو 31778 طنًّا، وبما يكفي لتغذية حوالي 176544 شخصًا. كما حافظت قرية يونين على كمّيّتها الأولى والأعلى في إنتاج الغلّة وبالكمّيّة نفسها في إحصاء 1552، تليها في المرتبة الثانية قرى سرعين ونحلة ونبحا، وفي المركز الأخير جاءت مرعبود ولكن مع ارتفاع كمّيّة إنتاجها إلى 48 غرارة بدلًا من 32 غرارة، أيّ إلى 62 طنًّا.
وهكذا، يكون متوسّط إنتاج أراضي قرى ومزارع ناحية بعلبك بين عامي 1525 و1569، قرابة 20920 غرارة، أو 1506240 مدًّا، أيّ ما يوازي نحو 27112 طنًّا من القمح في السنة، وبذلك يكون متوسّط عدد الأفراد الذين يمكن أنْ توفّر لهم هذه االكمّيّة التغذية السنويّة بالحنطة حوالي 150624 شخصًا. وهذا العدد يوازي تقريبًا عشرة أضعاف متوسّط سكّان ناحية بعلبك (الشرقيّ) الإجماليّ البالغ آنذاك حوالي 15380 شخصًا.
وهكذا، يكون متوسّط إنتاج أراضي قرى ومزارع ناحية بعلبك بين عامي 1525 و1569، قرابة 20920 غرارة، أو 1506240 مدًّا، أيّ ما يوازي نحو 27112 طنًّا من القمح في السنة
متوسّط غلّة الشعير والعدس
كان كاتب الدفتر طابو يسجّل عبارة ديموس الغلّة أو فقط المغّل، إذا أراد تدوين مجموع عائدات أعشار القمح والشعير والعدس والحمّص والكرسنّة والباقية (القطاني)، في القرى التي لا يفصّل قيمة أعشار وخراج كلّ صنفٍ منها على حدة. ولكن بالمقارنة بين المُسجّل تفصيليًّا في بعض السنوات يمكن الوصول إلى متوسّط كمّيّة الشعير والعدس، المفروضة نقدًا على أراضي قرى ناحية بعلبك الشرقيّة كديموس لقسمٍ من الربع أو الخمس أو العشر في كلّ من السنوات المدروسة كالآتي: في إحصاء 1525، يمكن تقدير الكمّيّة الافتراضيّة المطلوب تسديدها بنحو 860 غرارة، وفي سنة 1535، بنحو 930 غرارة، وفي سنة 1552، بنحو 1450 غرارة، وفي سنة 1569، بنحو 960 غرارة.
فيكون متوسّط الكمّيّة السنويّة المطلوب تسديد ثمنها نحو 1050 غرارة. ممّا يعني أنّ هذه الكمّيّة توازي 12,5 من كمّيّة الشعير والعدس والحمّص والكرسنّة والباقية المُنتجَة فعليًّا والتي يمكن تقديرها بنحو 8400 غرارة سنويًّا، أيّ نحو 604800 مدًّا، وبما يوازي نحو 9100 طنًّا (الغرارة تساوي 72 مدًّا، والمُدّ في الشعير في البقاع الشماليّ يساوي قديمًا كمعدلٍ وسط نحو 15 كيلوغرامًا).
– رسم فتوح البيدر: من مستلزمات زراعة الحبوب الدراسة على البيادر، لذا فرضت إدارة ماليّة السلطنة العثمانيّة في لواء الشام رسومًا على افتتاح البيادر في ناحية بعلبك الشرقيّ كعادة ورثتها من الإدارة السابقة للواء الشام، وليست كرسومٍ شرعّية دائمة. فعلى الرغم من تسجيل قيمتها ضمن الرسوم المُحصّلة في العامين 1525، و1535، والتي بلغت على التوالي نحو 3500 أقجة، أستوفت، فقط، من أهالي مقنة بقيمة 2000 أقجة، ومن أهالي طلية الشرقيّة بقيمة 1500 أقجة، لم يتمّ إدراجها في العائدات الضريبيّة لإحصاءي عامي 1552 و1569.
إنتاج الكروم
من الملاحظ أنّ أراضي ناحية بعلبك (البقاع الشرقيّ) كانت غنيّة بكروم العنب والتين والجوز والتوت والإجّاص وحتّى بالزيتون، بحيث كان خراج هذه الكروم والأشجار المثمرة يزيد قيمة ديموس الحبوب في بعض القرى، كما في قريتي يونين وفهيلي في إحصاء 1535؛ وقرى حربتا وفهيلي ومعربون ومرعبود وعرسال في الإحصاءات اللاحقة للأعوام 1552 و1569. وكان يتبع إنتاج الكروم والحبوب زراعات صيفيّة من خضار وفاكهة تُستوفى رسومها الضريبيّة تحت اسم مال صيفيّ.
(يُتبع)