نازحون في كنيسة نيحا البقاعية يروون لحظات بعلبك المرعبة
بعد أيام قليلة يُصبح عُمر الحرب سنة كاملة مع كل ما حملته من مآسي وأوضاع صعبة، لكن تبقى لا تُقارن بالأيام الأخيرة التي نشهد فصولها الأكثر دموية منذ نهار السبت الماضي. منطقة غربيّ بعلبك التي تضمّ أكثر من خمسٍ وعشرين بلدةً طالها التصعيد بشكل غير مسبوق، إذ عاشت بعلبك ومنطقتها وصولًا إلى الهرمل ليلة دامية لم تعرفها منذ بدء الحرب، وأسفرت عن سقوط المئات بين شهيد وجريح، ونتج عن ذلك أيضًا موجة نزوح طالت معظم البلدات والقرى أدّت إلى إفراغ تلك البلدات من ساكنيها، والذين نزحوا إلى مناطق أخرى كزحلة ودير الأحمر وطرابلس والجبل والشوف وحتى سوريا.
فبلدة دير الأحمر استقبلت وحدها حتى اليوم حوالي ألفيْ عائلة نازحة من المنطقة توزعوا على المنازل والمدارس الرسمية والكنائس. في حين أن بلدة نيحا قرب زحلة استقبلت أكثر من 600 شخص، أيضًا، توزعوا على المنازل والمدرسة الرسمية وكنيستيْها. وقد لجأ إلى كنيسة مار الياس في نيحا نازحون من بلدات شمسطار، بيت شاما، بدنايل، تمنين الفوقا، تمنين التحتا، قصرنبا، ريّاق، أبلح، نيحا وغيرها.
شهادات للحظات رعبٍ
كيف قضى سكان غربيّ بعلبك ليلتهم الأولى في ظل الغارات الإسرائيلية الوحشية غير المسبوقة، والتي لم توفّر بلدةً وقريةّ، وكيف عاشوا تلك اللحظات التي أرعبت كبيرهم قبل صغيرهم؟
“مناطق نت” زار بلدة نيحا البقاعيّة والتقى بالنّازحين الذين أجمعوا على ليالي الرعب التي عاشوها، ولم يعيشوا مثلها من قبل. يقول علي زعيتر النازح من بلدة ريّاق مع عائلته المكوّنة من زوجته وأربعة أطفال لِـ “مناطق نت”: شاهدت بأمّ عيني الصاروخ الذي سقط على منزلٍ مجاورٍ لمنزلي فصُعقتُ من المشهد وشعرت بأنّني في جهنّم، في الوقت الذي كانت فيه زوجتي وأطفالي في الداخل يصرخون مذعورين من شدّة دويّ انفجار الصّاروخ طالبين الهروب فورًا من المكان”. يضيف زعيتر: “عندها أدركت أنّ الحرب قد بدأت فلم أتأخّر عن حمل ما أحتاجه على عجلٍ وركبت السيّارة مع عائلتي وإتّجهنا أولًا إلى الطريق العام دون تحديد مكانٍ للإختباء فيه حتى تواصلت مع أحدهم ليقول لي إنّ كنيسة نيحا مفتوحة لكم. ووصلنا إلى المكان المقصود”.
لم يكن ينقصني هذا!!
أمّا الحاج شريف جانبين (80 سنة) من بلدة تمنين الفوقا فيشير لـ “مناطق نت” إلى أنّه مريض بالسكري والضغط وأنه لم يمضِ على عمليّةٍ جراحيّةٍ أجراها لرقبته ثلاثة أيام إلى جانب مرضه بالكلى حيث يحتاج إلى غسيلٍ لكليتيْه مرتيْن أسبوعيًّا في الوقت الحالي “فهل كلّ ما فيَّ لا يكفي لأتهجّر من بلدتي وبيتي وأنا في آخر عمري. وهل هذا ما كان ينقصني….”؟! ويصف ما سمعه من دويّ انفجار صاروخٍ على منزلٍ مقابلّ لمنزله بصوت “نهاية الكون”، “لأنّه يفوق التصوّر والخيال، ولا يمكن لأحدٍ أن يتحمّله.. “ويقول بأنّ ابنه الأكبر مع عائلته هو الذي حمله على وجه السّرعة إلى “هذه الكنيسة بعدما شعر بالموت الحتميّ “إذا بقينا في بلدتنا لأنّها ستُقصف مراتٍ ومراتٍ.”
ويختم “بأنّ ما يقدّمه أهالي بلدة نيحا وشبابها وشابّاتها من عونٍ ومساعدةٍ ومأكلٍ ومشربٍ وخدماتٍ طبيٍةٍ وغيرها تُشعرك بالطمأنينة والراحة حتى لكأنّك في بيتك…”
إنّه يوم القيامة!!!
وللطفل محمد. ق. (10 سنواتٍ) من بلدة تمنين التحتا وصفٌ لِما رآه وسمعه يفوق كل كلامٍ وتعبيرٍ يقول: “شعرت بأنّه يوم القيامة كما كنت أسمع لهوله. وسقطتُ للحظاتٍ على الأرض فاقدًا القدرة على الكلام بعد أن رأيت نارًا لا تُشبه أيّ نارٍ، وصوتًا هزّ الأرض والسّماء. كانت صورة الانفجار أمام عينيّ بينما كنت أمام المنزل حين سقط الصّاروخ على المنزل الذي يبعد عن منزلنا أمتارًا قليلةً.”
ويضيف لِـ “مناطق نت”: “قلبي هرب من محلّو وإجريّي ما عادوا حملوني.. شو ذنبي أنا حتى شوف هيك مشهد ويصير فيّي هيك..” ويقول لجأنا إلى هنا لأنّ أهلي خافوا عليّ أكثر ممّا خافوا من الصّاروخ، لذلك قرروا الخروج من البلدة إلى مكانٍ آمنٍ لا صواريخ فيه ولا خوف. ووجّه م.ق رسالةً باسم الطفولة لكلّ ما أسماهم “يلي بخافوا الله أن يمنعوا العدوّ من أن يؤذينا أو يرعبنا لأنّ لا ذنب لنا ولا قوة..”
كيف استقبل أهالي نيحا النازحين؟
منذ الساعات الأولى لحركة النزوح في المنطقة بسبب الحرب أعلن سكان نيحا وبلديتها فتح منازلهم وكنائسهم ومدارسهم لاستقبال النازحين الذين بدأوا بالتوافد إلى البلدة تباعًا حيث تطوّع عدد من الشباب والشّابات من البلدة لتنظيم عملية التوزيع وتقديم الاحتياجات المطلوبة من طعامٍ وشرابٍ وفرْشٍ وأغطيةٍ، ووضعوا أنفسهم بخدمة النازحين وتقديم كلّ ما يحتاجونه من رعايةٍ وإهتمام مع بقائهم متواجدين على مدار الوقت بينهم.
منذ الساعات الأولى لحركة النزوح في المنطقة بسبب الحرب أعلن سكان نيحا وبلديتها فتح منازلهم وكنائسهم ومدارسهم لاستقبال النازحين الذين بدأوا بالتوافد إلى البلدة تباعًا
واجبنا الديني والوطني
كاهن رعية النبيّ إيليا أبونا ستيفانيوس أبو فيصل يرفض التحدث عما يقوم به مع بلديّة البلدة وفريق الشّباب والشّابات فيها من تقديمات رعائيّة “لأهلنا وإخوتنا في الإنسانية والوطن” ويقول لِـ “مناطق نت”: “نحن لا نقوم إلّا بواجبنا الدينيّ والوطنيّ، وعمل الواجب والخير لا يحتاج إلى كلام او دعاية. ويضيف نعمل جاهدين لتأمين كلّ ما يلزم.”وإذا كان هناك من نقصٍ فيعود إلى العامل اللوجستي بسبب الحدث الذي أتى فجأةً ما يتطلّب منّا بعض الوقت لتأمين كل ما هو لازم وضروريّ” متمنيًّا أن تنتهي هذه المحنة في أسرع وقت.ٍ
الجدير ذكره، وبحسب مصادر أماكن استقبال النازحين في البقاع فإنّ حوالى 80 ألف مواطنٍ تركوا منازلهم في بلدات غربي بعلبك وبعض بلدات شرقيها ونزحوا إلى مدينة زحلة وبعض المناطق في محيطها.