نازحو الشريط الحدودي ما زال جرحهم نازفًا والعودة مؤجّلة

يختلف وضع نازحي الشريط الحدوديّ عن بقيّة النازحين، فبالإضافة إلى عشرات الشهداء الذين ما زالوا تحت الانقاض أو مفقودي الأثر، هناك مثلهم ممّن لا يُعرف مصيرهم حتى الآن، إلى جانب عشرات الراحلين من قرى الجنوب دفنوا ودائع خارج قرى الشريط، لذا ستكون الأولويّة بعد العودة المنتظرة للبحث عن جثامين الشهداء وتشييعهم ودفنهم في قراهم، وكذلك استعادة الجثامين الودائع بغية مواراة كلّ متوفّ في قريته، وهذا أمامه عقبات أقلّها عدم وجود طرقات مؤهّلة للسير عليها.

يضاف إلى ذلك كلّه أنّ أبناء الحافّة الحدوديّة والقرى التي يقيّد العدوّ العودة إليها بالتهديد والوعيد وإطلاق النار على كلّ من يحاول الدخول إليها، لن يتمكنوا من العودة قبل شهرين إلى قراهم هذه، وذلك بحسب الاتّفاق الذي أعطى لإسرائيل مهلة ستّين يومًا للانسحاب من الثغور التي توغلوا فيها، ناهيك بمشكلة النازحين إلى أماكن مختلفة منذ أكثر من سنة ويحاول أصحابها استردادها بغية منحها إلى أقارب لهم فقدوا بيوتهم في خلال العدوان. أمّا أماكن نزوحهم الأخير، فسيسلّمونها إلى أصحابها بحكم انتهاء الحرب، بحسب ما هو معلن.

نازحون في مهبّ الانتظار

هكذا وقع نازحو الشريط في حيرة من أمرهم، مع حلول فصل الشتاء والصقيع، وبدء العام الدراسيّ. وصار قسم كبير منهم بحكم المتروك في الشارع، لا مراكز إيواء، ولا مساعدات، ولا أيّ اهتمام بأوضاع هؤلاء الشائك والخاص، إذ إن عودة سكّان التخوم مع فلسطين المحتلة عمليًّا غير مسموحة قبل شهرين، هذا في حال طبّق الاتّفاق من جميع الأطراف على نحو ما هو مُقرّر، مع العلم أنّ عودتهم الفعليّة لن تبدأ قبل سنة على الأقل، قبل فتح الطرقات وتأهيلها وإصلاح شبكات المياه والكهرباء والإنترنت ومحطّات الهاتف ومختلف البُنى التحتية وعديد مؤسّسات الدولة وبقيّة المرافق العامّة والخاصّة مثل المستشفيات والمدارس والصيدليّات ومحطّات الوقود وما شابه ذلك من مرافق، وكذلك قبل رفع الأنقاض والردم.

نازحو الشريط الحدودي إلى أين؟
بعيدًا من التعويض البيروقراطي

يجب أن يتناغم كلّ ذلك، مع المسارعة إلى إتمام الكشف الهندسيّ على حجم الأضرار والدمار وتصنيفها وبدء دفع التعويضات بشكل فوريّ وتجاوز بعض الروتين الإداريّ و”البيروقراطيّ”، وكذلك مع شروط تحديد آليّة التعويض وحجم المبالغ التي يجب أن تدفع لكلّ متضرّر وعدالتها، وكيفيّة تسعير وتصنيف نوع الضرر سواء في حال الترميم أو الهدم الجزئيّ أو الكلي، سواء بتقييم أولويّة الأمتار أو كمقطوعة للوحدة السكنيّة، وهذا ما لم تتّضح صورته حتّى الآن، إذ يؤكّد المعنيّون بملف التعويضات أنّ الأولوية لرفع الأنقاض وفتح الطرقات.

أمّا استعادة المنطقة لعافيتها وعودتها إلى حالها الطبيعيّة فدونها سنوات وسنوات، لأنّ الإعمار سيأخذ وقتًا طويلًا نظرًا إلى حجم الدمار الهائل وانتشاره ونوعيّته وكلفة إعادة بنائه العالية، وبخاصّة في بعض القرى التي تعتبر منكوبة ومُسحت عن بكرة أبيها أو دُمّرت كلّيًا أو بنسبة عالية مثل كفركلا والخيام وبليدا وحولا وميس الجبل ومحيبيب ومركبا وعيترون ويارون وعيتا الشعب والبستان والضهيرة وغيرها.

مشاكل عقارية منتظرة

تلقي الضائقة الماليّة التي يعيشها معظم اللبنانيّين والجنوبيّين بخاصّة، ظلالها تحديدًا على سكّان القرى الحدوديّة الذين استنزفت قدراتهم المادّيّة خلال سنة وشهر من التهجير وتعطّل الأشغال وخسارة بيوتهم وأعمالهم وارزاقهم ومواسمهم، تضاف إليها عقبات كثيرة أمام الإعمار، منها ضياع الحدود بين العقارات بسبب عمليّات الجرف العشوائيّ التي قام بها العدو فضيّع معالم القرى والبيوت والعقارات والطرقات.

هذا الواقع الجديد يتطلّب خرائط إظهار حدود لكلّ عقار وتوقيعها على الأرض، وهذه مشكلة ستكون أشدّ صعوبة في القرى غير الممسوحة من قِبل الدولة، أيّ تلك التي ليس فيها سندات ملكيّة أو خرائط لدى الدولة أو أرقام عقارات، وما زالت تعتمد على “العلم والخبر” مثل بلدتيّ حولا وبليدا وقرى أخرى ممّا سيؤدّي بطبيعة الحال إلى مشاكل بين المواطنين على حدود العقارات.

تضاف إليها عقبات كثيرة أمام الإعمار، منها ضياع الحدود بين العقارات بسبب عمليّات الجرف العشوائيّ التي قام بها العدو فضيّع معالم القرى والبيوت والعقارات والطرقات، وهذا يتطلّب خرائط إظهار حدود لكلّ عقار

وتبرز هناك عقبة تتعلّق بمدى حماسة أبناء الجنوب نحو إعادة إعمار بيوتهم واستعدادهم لذلك من جديد، إذ لم يمضِ عقد ونصف عقد من الزمن بعدما أعادوا بناءها في أعقاب حرب تموز (يوليو) 2006، وبخاصّة المغتربين الذين رحل بعضهم ومنهم من تقدّم بالعمر ولم تعد له القدرة ولا الحماسة لتحمّل أعباء ومتاعب البناء من جديد. أمّا الجيل الشاب من المغتربين فهو أصلًا شبه مقطوع الصلة المادّيّة والعاطفيّة مع وطنه الأمّ؛ ناهيك بأصحاب المؤسّسات التجارية الذين نُكِبوا بتدمير أملاكهم بما فيها من بضائع خصوصًا في بلدات ذات وزن اقتصاديّ وتجاريّ كبير في المنطقة مثل ميس الجبل وعديسة والخيام وكفركلا وبنت جبيل وعيترون.

خارج التعويض

يشار هنا إلى أنّ كثيرًا من أصحاب الرساميل والمؤسّسات نقلوا مؤسّساتهم إلى أماكن خارج المنطقة الحدودية أكثر أمنًا واستقرارًا، وبعضهم نقلها إلى خارج البلاد وآثر السفر على نحو ما فعل عديد من التجّار العاديين، لا سيّما أنّ التعويض على المؤسّسات يتمّ في ملحق بعد المنازل وهذا يعني تأخّرًا في الدفع. وبحسب التجارب السابقة لا إنصاف في تعويض المؤسّسات خصوصًا لناحية البضائع والمحتويات التي لم يجرِ التعويض عليها بعد حرب تمّوز 2006، وحتى في أعقاب حروب سابقة.

تضاف إلى ذلك، الأضرار التي لحقت بالمزروعات وبخاصة التبغ والزيتون والقمح وغيرها من المحاصيل الزراعيّة التي يعتمد عليها أبناء المنطقة وجرت العادة في الحروب السابقة ألّا يجري التعويض عليها، مع العلم أنّ المزارعين والفلّاحين ومالكي الماشية هم عصب الاستقرار في الأرض، وهم من يحيونها وبدونهم تفتقد هذه القرى إلى جوّها الريفيّ وموادّها الغذائيّة الطبيعيّة واكتفائها الغذائي، خصوصًا أنّ كثيرًا من المزارعين والرعاة توفّيوا او استشهدوا في الحرب، والجيل الجديد لا يُحبّذ هذه المهن، ويبقى السؤال: من سيفلح الأرض ويزرعها ويجني محاصيلها، ومن سيرعى الماشية ويهتمّ بهذا القطاع الأساسيّ؟

تردّد في العودة؟

ثمّة كثيرون من أبناء تلك القرى ستتراجع علاقاتهم بقراهم ومساقط رؤوسهم مع تدمير بيوت أجدادهم وأهاليهم التي كانت رمز حبّهم لقراهم وتمسّكهم بها .

كيف السبيل إلى إعمار قرى دُمّرت وضاعت معالمها؟

يشار إلى أنّ عددًا كبيرًا من أبناء المنطقة الحدودية قاموا بتسجيل أولادهم في مدارس بمناطق نزوحهم يحاولون الاستقرار في هذه المرحلة التي تعتريها جملة من الخروق الأمنية التي تنفذها إسرائيل هنا وهناك، وخصوصاً في القرى والبلدات المحاذية للحدود إذ تمنع الأهالي من العودة إليها، حتّى لو أنّها خارج سيطرتها الكلّيّة خصوصًا بعد ما حصل خلال الأسبوع الأوّل من وقف إطلاق النار من منع عودة الأهالي وإطلاق الرصاص على من دخل منهم إلى قريته، ممّا أدخل القلق في نفوس الأهالي من أن تصبح قراهم منطقة عازلة ومهجورة بحكم الأمر الواقع .

يجب ألّا يغيب عن بال المعنيّين في البلدات والقرى، أنّه في حال التفاؤل بإقرار التعويضات، فكيف ستتحقّق عملية الإعمار؟ ومن سيقوم بها؟ هل هي شركات أو حرفيّون أو أيد عاملة تستطيع تلبية الطلب الكثيف على موادّ البناء أو العمّال؟ وهل من ضمانة لعدم ارتفاع أسعار مواد البناء وأجور الحرفيّين والعمّال في ظلّ ارتفاع الحاجة إليها؟

يبقى الأهم، بعد كلّ ذلك، وهذه المعاناة المتعدّدة الأوجه، ما هو مصير نازحي الشريط الحدوديّ؟ وما هي خطّة الدولة لإيوائهم ومساعدتهم قبل العودة وخلال العودة والإعمار الطويل الأمد؟ إضافة إلى خطّة عودتهم نحو قراهم وموضوع التعويضات والإعمار وتقديم المساعدات والمعونات، ما هي الخطّة لاستعادة الحياة الطبيعيّة بعد العودة؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى