نازحو القرى المتداخلة مع سوريا منقسمون بين العودة ومخاوفها

لا تزال تداعيات سقوط النظام في سوريّا مستمرّة لا سيّما على القرى اللبنانيّة الحدوديّة المتداخلة في الأراضي السوريّة، والتي شهدت حالات نزوح كثيرة إلى مناطق بعلبك الهرمل بفعل الخوف من المجهول وإنذارات الإخلاء، متزامنة مع توتّرات أمنيّة. هذه القرى هي: زيتا ومطربا وحاويك والسمائيّات وبلوزة والصفصافة والجنطليّة وسقرجا والفاضلّية وأكوم والمصريّة والبجاجيّة والنهريّة وربلة حيث نزح قسم كبير من أهالي هذه القرى إلى الأراضي اللبنانيّة، وتحديدًا إلى مناطق بعلبك الهرمل.

تتميّز هذه القرى بتنوّع مكوّناتها الطائفيّة وبعلاقاتها المتينة مع الداخل السوريّ الذي يشكّل عمقًا ووجهة لأهالي تلك القرى، مع أنّ أبناءها يقترعون في بلدات الهرمل. لذلك وبعد حال النزوح التي شهدتها المنطقة انقسم أبناء تلك القرى بين عائد إلى منزله بناءً على تطمينات تلقّاها واقتنع بها، وبين غير مقتنع بتلك التطمينات، فآثر البقاء نازحًا في القرى والبلدات البقاعيّة.

النزوح من القرى

ووفق أحد فعاليّات المنطقة (رفض ذكر اسمه)، فإنّ نسبة العودة تفاوتت بين قرية وأخرى، وفيما عاد سكّان قرى بأكملها إلى منازلهم، فإنّ قرى أخرى فرغت بالمقابل من سكّانها. وبحسب المصدر فإنّ نسبة النزوح من القرى وهي تقريبيّة شملت البلدات الآتية: نزح حوالي 95 في المئة من أهالي زيتا، و40 في المئة من أهالي حاويك، ومن 60 إلى 70 في المئة من أهالي السمائيّات الشرقيّة، وهي معظمها قرى شيعيّة، بينما سجّلت قرى مثل بلوزة والسمائيّات الغربيّة وسقرجا والمصريّة والبجاجيّة والنهريّة وأكوم نزوحًا بما يقارب الـ 15 في المئة، وهذه القرى هي قرى سنّيّة.

نزح حوالي 95 في المئة من أهالي زيتا، و40 في المئة من أهالي حاويك، ومن 60 إلى 70 في المئة من أهالي السمائيّات الشرقيّة، وهي معظمها قرى شيعيّة

أمّا في ما يتعلّق ببلدة ربلة التي يتشكّل أبناؤها من السوريّين واللبنانيّين، وهي بلدة مسيحيّة سكّانها من الموارنة من آل الأحمر، وغيرهم من العائلات سجلّاتهم في الشواغير، فقد عادوا إلى ربلة في اليوم الثاني لنزوحهم عنها.

تستحوذ بلدة زيتا على النسبة الأكبر من أرقام النزوح، وربّما يعود ذلك إلى موقعها في واجهة هذه القرى. ويصف أحد النازحين من زيتا بعد أن غادرها إلى الأراضي اللبنانيّة في الثامن من كانون الأول (ديسمبر) الماضي على أثر سقوط النظام لـ “مناطق نت” المشهد على المعبر الحدوديّ في الهرمل “بيوم الحشر لشدّة ازدحام الناس، فهو المعبر الوحيد الآمن الذي سلكه اللبنانيّون والسوريّون المغادرون إلى الأراضي اللبنانيّة”.

بيوت حرقت ونهبت

يُجمع أهالي هذه البلدات أنّ عصابات السرقة َوالنهب، هم الذين استغلّوا غياب الأهالي عن بيوتهم، ليعبثوا بها سرقة ونهبًا وتكسيرًا وحرقًا. يستبعد النازح من زيتا (الذي آثر عدم ذكر اسمه) “أن يحصل ما حصل لبيوتهم لو أنّهم بقيوا فيها ولم يغادروها، فهذه العصابات وهي من البدو السوريّين في القرى المجاورة استغلّوا غيابهم ودخلوا إلى بيوتهم وفعلوا فعلتهم”.

يصف النازح حال بيوتهم قائلًا: “لم يبقَ سوى الجدران حيث سُرقت الشبابيك والأبواب وألواح الطاقة الشمسيّة والأثاث وكلّ ما صادفه هؤلاء اللصوص، كذلك قطعوا كابلات الكهرباء وسحبوها من الجدران وسرقوها”. لافتًا إلى أّن “كثيرًا من أهالي البلدة والبلدات المجاورة تسرّعوا في ترك منازلهم”، موضحًا “أنّ الخطر كان فقط على الشباب المنتسبين إلى حزب الله وهؤلاء وحدهم كان يفترض مغادرتهم، بينما لم يكن ليتعرّض أحد لبقيّة الأهالي، وبالتالي كنا استطعنا الحفاظ على منازلنا”. ويشير إلى أن المساجد نفسها لم تسلم من عصابات النهب، فقد سرقت جميع مقتنياتها، وحرقت الرايات والأعلام السوداء”.

الخراب في بلدة زيتا التي نزح عنها معظم أهلها

بدوره يشير أحد سكّان بلدة المصريّة لـ “مناطق نت” إلى أنّ مزرعته التي يبلغ عمرها أكثر من 15 عامًا تعرّضت للسرقة، وهي امتداد لحوادث تحصل في معظم القرى نتيجة الفوضى وعدم استقرار الأوضاع، وتأتي حادثة حوش السيّد علي القرية الحدوديّة التي تقع نحو 70 في المئة من أراضيها في لبنان، وقرابة الـ 30 في المئة منها في سوريّا، ضمن تلك الأحداث، حيث تعرّضت لمحاولات من بعض العصابات للسرقة.

معاناة النزوح

تركوا منازلهم في القرى المذكورة وتشرّدوا باحثين عن منازل تؤيهم في أصقاع البقاع، إذ إنّ إيجاد منازل في هذه الظروف أمر بالغ الصعوبة لا سيّما بعد دمار عديد من المنازل والمباني جرّاء الحرب الإسرائيليّة الأخيرة وما تعرّضت له مناطق واسعة في بعلبك الهرمل للتدمير جرّاء الغارات المتكرّرة، لذلك لا يزال النازحون يتنقّلون من مكان إلى آخر في حالة من التشرّد والضياع.

وما يزيد النازحين معاناة أنّهم تركوا أملاكهم وأرزاقهم وَمزروعاتهم ومصادر عيشهم، إذ إنّ معظم أهالي القرى الحدوديّة هم مزارعون وتعتبر الزراعة مصدر رزقهم الوحيد، وهم اليوم في لبنان بلا عمل، وبلا إنتاج.

تقول نسرين السحمراني من بلدة زيتا والتي نزحت مع أفراد أسرتها إلى الهرمل لـ “مناطق نت”: “تركنا بيوتنا بدافع الخوف في اليوم الأوّل لسقوط النظام، وعندما حاولنا العودة وجدناها قد سرقت ونهبت وحُرقت، لم يتركوا شيئًا فيها، لا أثاث ولا أبواب ولا شبابيك وحتّى الحمّامات والمراحيض سرقت ولم يبقَ فيها شيء”. وتضيف السحمراني: “لا إمكانيّة للعودة إذ نتعرّض للتهديدات من بعض العائلات المحميّة والمدعومة”، مؤكّدة أنّ “من بقي هناك معرّض للخطر ومسجون داخل منزله لا يستطيع الخروج، ويشاهد اللصوص والعصابات تسرق أمام عينيه ولا يجرؤ على مواجهتها”.

وما يزيد النازحين معاناة أنّهم تركوا أملاكهم وأرزاقهم وَمزروعاتهم ومصادر عيشهم، إذ إنّ معظم أهالي القرى الحدوديّة هم مزارعون وتعتبر الزراعة مصدر رزقهم الوحيد، وهم اليوم في لبنان بلا عمل، وبلا إنتاج.

تتابع بغصّة: “بيوتنا هناك هي ثلاثة بيوت حرقت. تركنا أرضنا ومزروعاتنا وراءنا ولا يمكننا أن نعود، لا ندري ماذا نفعل، ومتى وكيف نعود؟”.

“لا نعرف مصير بيوتنا”

من ناحيتها تتحدّث نازحة أخرى من آل الهقّ من بلدة الجنطليّة لـ “مناطق نت” فتشير إلى أنّها نزحت مع عائلتها المؤلّفة من ستّة أفراد، وأنّهم مذ نزحوا لا يعرفون شيئًا عن بيوتهم، وماذا حلّ بها بعد مغادرتهم. مؤكّدة أنّها حاولت العودة ولكنّها عندما وصلت إلى الحدود رأت “استبدال بعض الرايات بأعلام الثورة”، فعادت دون أن تطمئن على البيوت وما حلّ بها، معتبرة أنّ العودة غير ممكنة في هذه الظروف في ظلّ الخوف وعدم الأمان.

خوف مسيطر

شكّلت القرى الحدوديّة قبل سقوط النظام بيئة حاضنة داعمة لحزب الله، سواء القرى الشيعيّة أو السنّيّة. وفي هذا الإطار يتحدّث أحد النازحين من زيتا لـ “مناطق نت” عن أنّ “هذه القرى لطالما كانت آمنة حتّى خلال الحرب في سوريّا. لافتًا إلى التعايش والتزاوج بين هذه القرى والقرى المجاورة التي تتداخل بعضها ببعض، فالبجاجيّة تكاد لا تبعد 100 متر عن زيتا”.

بدوره يتمنّى أحد سكّان قرية المصريّة لـ “مناطق نت” أن “يعود أهالي البلدات والقرى المجاورة، فلا خوف عليهم” مشيرًا إلى أنّ “البيئة في هذه القرى الحدوديّة كلّها لم تكن مناهضة لحزب الله أبدًا، وكانت تعيش سويّة بعيدًا من هذا الفرز الديموغرافيّ الطائفيّ”.

“لا عودة في ظلّ هذه الظروف”. هي العبارة التي تتردّد على ألسنة النازحين وهم يصارعون الخوف والقلق، وإذا ما فكروا في العودة فلا بيوت يعودون إليها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى