نحالو غرب بعلبك: خسائرنا فادحة ولم يسأل عنّا أحد

أكثر من أن تُحصى أو تُعدّ القطاعات التي تضرّرت وتأذّت بسبب الحرب التي عصفت بلبنان طوال 14 شهرًا

أكثر من أن تُحصى أو تُعدّ القطاعات التي تضرّرت وتأذّت بسبب الحرب التي عصفت بلبنان طوال 14 شهرًا، ومنها قطاع تربية النحل الذي تشتهر به منطقة غرب بعلبك منذ زمن طويل، إذ إنّه يشكّل مورد رزق أساس لشريحة كبيرة من أبناء المنطقة الذين يعتمدون عليه في حياتهم المعيشيّة ويبيعون أنواعه في الداخل والخارج.

ويُعدّ عسل منطقة غرب بعلبك من أجود أنواع العسل اللبنانيّ وأطيبها نظرًا إلى نوعيّة المراعي الجرديّة، لا سيّما أشجار السنديان والملّول وبعض النباتات التي لا تنبت إلّا في الأماكن الجرديّة بحيث تشكّل موارد غذائيّةً وحياتيّةً للنحل الذي يحوّلها إلى أصناف متنوّعة النكهات والألوان.

دمار القطاع

وبسبب الحرب الأخيرة أصيب هذا القطاع بخسائر بالغة إن لم نقُل بدمار كبير في منطقة تمتدّ من جرود بلدة أبلح البقاعيّة حتّى جرود بلدة اليمّونة شمالًا، فهذه المساحة الجرديّة الواسعة يعتمدها النحّالون موائل لوضع قفرانهم فيها، نظرًا إلى ما تضمّه من مراعٍ خصبة بحكم وجود أشجارها وأعشابها ونباتاتها. بيد أنّها لم تسلم من صواريخ الدمار الإسرائيليّة التي دكّت جرود المنطقة مرارًا وتكرارًا مرتكبةً مجازر بحقّ الآلاف من القفران ونحلها متسببةً بخسائر فادحة لأصحابها.

خسائر فادحة في قطاع النحل غربي بعلبك

“مناطق نت” جالت على عدد من بلدات المنطقة للوقوف على واقع الكارثة وسجّلت الشهادات الآتية:

يقول محمّد صليبي من مزرعة بيت صليبي في غربيّ بعلبك إنّ خسارته في قطاع تربية النحل كارثيّة وإنّ النهوض بعد الكارثة يتطلّب أموالًا كبيرةً لا يتوافر منها قرش واحد حتّى الآن “وهذا ما يجعلني غير قادر على الاستمرار في تربية النحل إذا لم يساعدني أحد من أيّ جهة كان.”

“فقدتُ 200 قفير”

ويشير لِـ “مناطق نت” إلى أنّه كان يملك 250 قفير نحل قبل الحرب، فقد منها 200 قفير بسبب الغارات الإسرائيليّة التي تعرّضت لها بلدته إبّان الحرب ولم يبقَ منها سوى 50 قفيرًا متضرّرةً هي الأخرى وتحتاج إلى إصلاح حتّى تعود إلى عملها الطبيعيّ. ويضيف بأنّه يعمل في تربية النحل منذ وقت طويل، وهو يعتمد عليه كمصدر أساس للرزق، و”ما حلّ بي شكّل خسارةً فادحةً دمّرت حياتي المعيشيّة وجعلتني في وضع مأسويّ صعب.”

ويقدّر صليبي خسارته بنحو 30 ألف دولار “إذ تبلغ كلفة القفير الواحد مع نحله 150 دولارًا، إلى جانب الكلفة الأخرى للقفران الباقية المتضرّرة والتي تفوق الـ 2000 دولار. فضلًا عن خسارة الموسم من العسل والذي يفوق الـ 30 ألف دولار.

ويؤكّد أنّه تُرِك وحيدًا في هذه الكارثة و”لم يلتفت إليّ أحد من الجهات المعنيّة. ما حدا سألني سؤال عن يلي صار فيني”. ويلفت إلى أنّ بلدته بيت صليبي “تُعدّ من البلدات الأولى في منطقة غرب بعلبك في تربية النحل وإنتاج العسل الجرديّ بحكم طبيعتها الجبليّة ومراعيها المتعدّدة الأشجار والنباتات”.

كان يملك صليبي 250 قفير نحل قبل الحرب، فقد منها 200 قفير بسبب الغارات الإسرائيليّة التي تعرّضت لها بلدته إبّان الحرب ولم يبقَ منها سوى 50 قفيرًا متضرّرةً هي الأخرى

ويختم بمطالبة وزارة الزراعة المعنيّة بقطاع تربية النحل “أن تقوم بواجباتها تجاه ما حلّ بأصحاب هذا القطاع من أضرار جسيمة وخسائر فادحة لا يستطيع المزارع تحمّلها، والتعويض العادل علينا كي لا نقع في الحاجة والعوز ونخسر هذا القطاع المنتج والمطلوب في منطقتنا والخارج.”

من جهته يؤكّد حمزة مشيك من بلدة حدث بعلبك وهو مربّي نحل أنّه خسر بسبب الحرب 20 قفيرًا من قفرانه الـ 30 التي كانت كل ما يملكه من رزق، وكان يعتمد عليها في معيشته “وكانت مستورة والحمدلله، إلّا أنّني اليوم، وبعد انتهاء الحرب ودخول فصل الشتاء البارد لم أستطع العمل في مهنة أخرى بانتظار الأيّام المقبلة لعلّها تحمل شيئًا من الفرج المادّيّ”.

أحتاج كي أقف على رجليّ

ويشير لـ “مناطق نت” إلى أنّ خسارته تفوق الثلاثة آلاف دولار بين تخريب القفران ونفق نحلها “وما هو موجود يحتاج إلى إعادة تأهيل ولن يكون بالمستوى المطلوب في الإنتاج، لكونه بأعداد قليلة لن ينفع الإهتمام بها”.

ويضيف بأنّه “في حاجة ضروريّة وملحّة للمساعدة في التعويض عن خسارتي كي أقف على رجليّ، وأنا بمفردي لن يكون لي القدرة على ذلك لا سيّما وأنّ الظروف المادّيّة صعبة للغاية”. ويلفت إلى أنّه تواصل مع معنيّين بملفّ التعويضات على أضرار الحرب في “حزب الله” ووزارة الزراعة منذ شهر، “ووعدوا بالحضور لمعاينة الأضرار على الأرض، وحتّى اليوم لم أرَ منهم أحدًا.”

ويرى مشيك أنّ التعويض الماليّ عن أضرار الحرب في قطاع تربية النحل حقّ وواجب. “مثله مثل التعويض على المنازل المدمّرة. فمصدر الرزق هو الحياة بالنسبة للمواطن. وبدونه لا حياة ولا عيش لأطفال وعائلات. وحرماننا من حقّنا في ذلك هو موت لنا”. مطالبًا “الجهات الحزبيّة والرسميّة تحمّل مسؤوليّاتها في هذا المجال والإسراع في مسح الأضرار ودفع التعويضات المترتّبة على ذلك، رأفةً بنا وبعائلاتنا التي لم يعد لها حول ولا قوّة.”

أمّا محمّد سويدان من بلدة كفردان في غربيّ بعلبك والذي كان يملك 70 قفيرًا من النحل قبل الحرب وأصبحت بعدها 10 قفران، فيقول إنّه خسر أعدادًا لا تحصى من النحل المؤصّل “منها نفق في قفرانه ومنها هرب بسبب الأصوات القويّة التي كانت تحدثها الصواريخ التي كانت تتساقط في المنطقة.”

“دافع دمّ قلبي عليها”

يشرح سويدان لِـ “مناطق نت” معاناته بالقول: “اشتريت قفراني مع نحلها منذ سنتين بـ 10 آلاف دولار بعد أن بعت أشياء كثيرةً كي أوفّر المبلغ المطلوب، على اعتبار أنّ هذا العمل منتج ويؤمّن لي ولعائلتي المردود الماليّ الجيّد في ظلّ غياب الأعمال الأخرى، يعني أنا دافع دمّ قلبي عليها”. ويتابع: “بين ليلة وضحاها أصبت بنكبة كبيرة، لم تقتصر على خسارة القفران والنحل فحسب وهي خسارة جسيمة، بل على الإنتاج من العسل الذي كنت أنتظره بفارغ الصبر والبالغ نحو 300 كيلوغرام، أيّ ما يوازي ستّة آلاف دولار كنت أعوّل عليها في تسديد ديوني وتأمين مصاريفي البيتيّة”.

وحول موضوع التعويضات على الأضرار التي لحقت به جرّاء الحرب يقول سويدان: “إنسَ أمرها، فلقد مرّ وقت طويل على انتهاء الحرب ولم نرَ أو نسمع أحدًا من المعنيّين الذين وعدونا بالتعويض حتّى الآن. وكلّ ما يُتداول بين الناس جملة “ما تحملوا همّ” والهمّ ذبحنا وقضى على أرزاقنا وحياتنا وهم غير مهتمّين أو شاعرين بنا.”

يضيف: “طلبوا إلينا تعبئة استمارة خاصّة بمعلومات عنّا من قبل وزارة الزراعة ككشف ورقيّ على أن تُتبع بمسح ميدانيّ تمهيدًا لدفع التعويضات، ونسمع بعدها أنّ وزارة الزراعة معنيّة بتحديد الخسائر، أمّا التعويض الماليّ فهو من مسؤوليّة حزب الله من خلال ميزانيّته الخاصّة أو عبر جهات تقدّمها له، ولكن حتّى الآن لا شيء نهائيًّا”. وينهي سويدان حديثة بِعبارة: “إذا لم يخافوا الله فينا فنحن ما إلنا إلّا هو”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى