نكسة الموسم السياحيّ في منطقتي جزّين وإقليم التفّاح
لم تنفع الفيديوهات الترويجيّة التي نشرتها بلديّة جزّين على وسائل التواصل الاجتماعيّ، تُعرّف بالمنطقة وبمميّزاتها السياحيّة والطبيعيّة من جذب السيّاح وتغيير الواقع، فبقيت كلمة “نكسة” هي الأدقّ في توصيف الواقع السياحيّ في منطقتي جزّين وإقليم التفّاح جنوبيّ لبنان، فمن عروس الشلّال إلى منطقة الضباب والمغيب الساحر في إقليم التفّاح حالٌ يرثى لها، فنادق مهجورة ومطاعم ومقاهٍ خالية من روّادها ومصطافيها.
يُعدّ نهار الأحد مؤشّرًا للحركة السياحيّة في المناطق اللبنانيّة، ومنها جزّين التي بدت الحركة فيها معدومة. تقول سوزان التي تعمل في فندق في بلدة عازور القريبة من المدينة لــ”مناطق نت”: “هذه أسوأ سنة تمرّ علينا، إذ ليس هناك من حجوزات، سواء من المغتربين أو من أهالي المنطقة، وهي بالعادة في مثل هذه الأيّام من السنة تكون مفوّلة (ملآى) حتى نهاية آب/ أغسطس”. تتابع سوزان: “لليوم لم نشهد أيّ حجوزات، ولم تنفع الحسومات التي قمنا بها لجذب السيّاح، والتي خفّضناها من 120 دولارًا أميركيّا لليلة، إلى 85 دولارًا، ومع ذلك الصورة لم تتبدّل، فجميع السيّاح توجّهوا إلى قرى الشوف والجبل”.
عن الخسائر تقول سوزان إنّها تُقدّر بحوالي 70 بالمئة، فضلًا عن الكادر الكبير الذي يعمل عادة في فصل الصيف وخسر فرص عمله المعتادة، “فما زلنا مُستمرّين بثمانية موظّفين فقط، لأوتيل ضخم يضمّ مسبحًا ومطعمًا”.
السياحة في خبر كان
الحديث عن السياحة في جزّين لا يقتصر على المدينة فحسب، بل على قرى القضاء التي يبلغ عديدها 56 بلدة، وتُعدّ بأغلبها مناطق سياحيّة تتميّز بمناخها ومناظرها الطبيعيّة وصناعاتها الحرفيّة، كما تضمّ أكبر غابة للصنوبر المثمر في حوض البحر المتوسّط في بلدة بكاسين، التي تمّ إدراجها في العام 2022 في خريطة السياحة العالميّة ضمن لائحة “أفضل القرى السياحيّة في العالم التابعة للأمم المتّحدة”.
كل هذه القرى تأثّرت بالاعتداءات الإسرائيليّة بشكل كبير، سواء لناحية حركة أبنائها اليوميّة، أو لناحية الحياة السياحيّة التي يتعيّشون منها في الموسم الصيفيّ، وتشكّل ركيزة أساسيّة من ركائز الاقتصاد المحلّيّ.
يوصّف الجزّينيّ فادي عون صاحب مطاعم في بلدة جزّين، الواقع السياحيّ “بالدمار والتعبان”. يدعونا لكي نحصي عدد الطاولات المشغولة في المطعم، فإذ هي طاولة واحدة تضمّ عائلة أتت لتناول طعام الغداء لا غير. يستعرض عون في حديثه لـ”مناطق نت” قائلًا: “خلال فترة الأعياد لم نرَ أيًّا من الزوّار المعتادين، وفي شهر أيار حيث تنشط الرحلات المدرسيّة والداخليّة لم نشاهد حافلة واحدة زارت المنطقة”.
يكمل عون: “حتّى أبناء المدينة القاطنين خارجها لم يأتوا للاصطياف في البلدة كالمعتاد. وقد توقّف مطبخ المطعم عن تحضير الأكل اليوميّ، وبتنا نعتمد على الطلبيّات المسبقة لتحضير الأكل، وإلى الآن لم نستعن بالكادر العامل الذي نستدعيه عادة في فصل الصيف، ويبلغ عديده أكثر من 20 عاملًا، نعمل فقط بخمسة موظّفين، ومنهم من يعمل نهار الأحد فقط”.
يجيب عون على استفسارنا من أنّ جزّين تعدّ من البلدات الآمنة ولم تطالها أيّ ضربة إسرائيليّة فيقول: “الإعلام ينشر المعلومات عن الجنوب بشكل عام، وجزّين منطقة تقع من ضمنه، والاستهداف الإسرائيليّ الذي يطال من وقت إلى آخر منطقة الريحان ومرتفعاتها، يشير الإعلام بأنّها بالقرب من جزّين، وهذا الأمر يُخيف الناس من التردّد إليها، وكذلك السيّاح”.
كل هذه القرى تأثّرت بالاعتداءات الإسرائيليّة بشكل كبير، سواء لناحية حركة أبنائها اليوميّة، أو لناحية الحياة السياحيّة التي يتعيّشون منها في الموسم الصيفيّ، وتشكّل ركيزة أساسيّة من ركائز الاقتصاد المحلّيّ.
مهرجانات ستغيب هذا العام
لا تحيد إيملي مزهر، وهي نادلة تعمل في مطعم في جزّين التقتها “مناطق نت” عمّا صرّح به فادي عون فتقول: “كنت أعمل صيفًا وشتًاء في المطعم، اليوم يقتصر عملي فقط على يوم الأحد، لقد عملنا فقط لمدّة يومين في عيد الأضحى، ومنذ ذلك الوقت لا حركة ولا بركة في المنطقة، وأهل جزّين القاطنون خارجها يقصدون البلدة فقط في مناسبات معيّنة. فيما يبدو أنّ المهرجان السنويّ الذي يقام سنويًّا في جزّين سيغيب هذا العام”.
يتحدّث نائب رئيس بلديّة جزّين سامر عون عن وضع وأحوال قرى قضاء جزّين، فيقول لـ”مناطق نت”: “المنطقة كباقي مناطق الجنوب تشهد انحسارًا للوفود السياحيّة، سواء كانت داخليّة أو المصطافين الذين اعتادوا المجيء لتمضية فصل الصيف في البلدة. وبطبيعة الحال الوضع ينعكس سلبًا، على حركة المطاعم والمقاهي والفنادق التي كانت تشهد ازدهارًا من منتصف حزيران إلى منتصف تشرين الأوّل. فهذه الأشهر كانت تؤمّن ادّخارًا استثماريًّا للمؤسّسات كي تصمد في فصل الشتاء حيث تخفّ فيها الحركة والسياحة بسبب برودة الطقس”.
إحصائيًّا لا تتعدّى الحركة السياحيّة في المنطقة هذا العام نسبة 15 و25 بالمئة على ما كانت عليه العام الماضي، حيث كانت تصل نسب الحجوزات إلى 100 بالمئة وفق عون.
يردف عون: “نحاول التخفيف من هول الأخبار التي تتحدّث عن التصعيد، وأيضًا من الخروقات المتكرّرة لجدار الصوت فوق المناطق الجنوبيّة والذي يُرعب الجنوبيّين”. لكن وبحسب عون “كلّ ما بيطلع جدار صوت يلّي حاجز بالمنطقة بيهرب، والمنطقة تتأثّر بشكل كبير بالعمليّات الأمنيّة والعسكريّة”. ويختم عون: “لدينا كلّ المقوّمات السياحيّة في المنطقة، ونشجّع بعضنا البعض على الصمود، ونعدّ ذلك ردَّ فعل مقاوم صحيح بوجه أنواع العدوان الذي يستهدف المنطقة، منها تدمير المؤسّسات السياحيّة التي حافظت على نفسها في أسوأ الظروف”.
حملات ترويجيّة لا تكفي
تنشط الشابّة والصحافيّة شيرين حنّا، في الترويج للموسم السياحيّ والإنمائيّ لقرى قضاء جزّين عبر حملات إعلاميّة على موقعها الإلكترونيّ “جزّين تحكي” للنهوض بالموسم السياحيّ. تعرض لـ”مناطق نت”، بأنّ الحال يختلف بين قرية وأخرى، “فبعض البلدات كلبعا وروم بدأت بهما المهرجانات والفعاليّات الرياضيّة، في حين تأثّرت جزّين كثيرًا بالوضع الأمنيّ السائد جنوبًا، والناس تتخوّف من القدوم إليها بسبب الغارات الإسرائيليّة التي تستهدف محيطها، وجدار الصوت الذي يرعب الأطفال والسكّان”. وتضيف، “جزّين لا تعتمد فقط على السياحة، بل أيضًا على الإنتاج الحرفيّ والمؤونة والمنتجات المحلّيّة الزراعيّة، وكلّها تعرّضت إلى نكسة”.
من جزّين مرورًا بزحلتي بين جزّين وإقليم التفّاح، الواقع نفسه، فصاحب استراحة في البلدة علي غملوش، وكانت إستراحته خالية من الروّاد، يقول لـ”مناطق نت”: “هناك جمود كبير في الحركة، وطوال الوقت نسمع صوت الغارات، والمسيّرات فوق المنطقة لا تهدأ”. يتابع غملوش “استراحتي تطلّ على مشهد خلاب للغروب، وعلى الرغم من ذلك لا تزال فارغة، كلّ كم يوم ليقطع زبون، ومن الممكن أن أُقفلُها كوني أتكلّف عليها وأدفع رسومًا بلديّة تقارب الـ50 مليون ليرة، من دون أيّ مدخول يُذكر”.
سكون جباع وعين بوسوار
بلدتا جباع وعين بوسوار في إقليم التفّاح بات التوجّه إليهما مخاطرة وفق ابن بلدة عين بوسوار، عدنان جزّيني صاحب أحد المطاعم الشهيرة في البلدة. يقول لـ”مناطق نت”: “إنّ اعتمادنا على السياحة الداخليّة، لكن حتّى هذه غابت، فأبناء المنطقة القاطنون خارجها، يتردّدون إليها في المناسبات الضروريّة، والعمل انخفض إلى نحو خمسة بالمئة مقارنة بما كنّا عليه”. ويتابع: “نفتح صيفًا شتًاء، وتعبنا على مصلحتنا ولا زلنا مستمرّين وصامدين، وإذا أغلقنا المصلحة ستخرب، فنحن نُعيل بعض العائلات، ونتّكل على بعض الزبائن المعتادين على لقمتنا وجوّنا، وخسارتنا كبيرة، لكنّنا نأمل بتغيّر الأحوال”.
استثمارات سياحيّة مهدّدة
شكّلت منطقة إقليم التفّاح بما تتمتّع به من موقع جغرافيّ مميّز وطبيعة جميلة خلّابة، وجهة للمستثمرين في القطاع السياحيّ، حيث شهدت المنطقة بعد حرب تمّوز/ يوليو العام 2006 ونتيجة الاستقرار الأمنيّ الطويل، كثيرًا من المشاريع السياحيّة، تركّزت في قرى كفرفيلا وعين وقانا وجباع وعين بوسوار وعربصاليم.
هذه المشاريع تنوّعت بين شاليهات ومطاعم متنوّعة، وفنادق لها زوّارها السنويّين، تحديدًا من المغتربين والمصطافين ومحبّي التخييم في الطبيعة، حيث أتت الأحداث كصفعة مدويّة لتلك المؤسّسات التي أصبحت تشكّل حيّزًا مهمًّا في الاقتصاد المحلّيّ، فأدّت إلى إغلاق عديد من المطاعم، خصوصًا المحاذية لمعلم مليتا السياحيّ، وأيضًا أدّت إلى تراجع كبير بعدد الحجوزات للبيوت المفروشة الجاهزة التي كانت مُخصّصة للمصطافين.
قريبًا من الإقفال
من جهته يصف ابن بلدة عربصاليم المُغترب علي نور الدين الذي يملك فُندقًا في بلدة جباع، الوضع السياحيّ “بالتعيس” والحجوزات بالصفر. يقول لـ”مناطق نت”: “أقفلت مطعم الفندق، وأقوم أنا وزوجتي بتسيير العمل في حال تلقّينا أيّ حجز”. يضيف: “لا يمكننا التكلّف على نشر أيّ نوع من أنواع الدعاية لجذب السيّاح، فالعالم خائفة من تطوّر الأمور، وفي أيّ لحظة من الممكن أن نغلق أبوابنـا، وإلى اليوم أصرف من المُدّخرات الماليّة التي أعمل بها في الخارج”.
“باتت المنطقة كمدينة أشباح، وهذا يزداد مع كلّ غارة على مرتفعات جبل صافي، صحيح أنّ البلدة لم تتعرّض لأيّ قصف، إلّا أنّ الوضع الأمنيّ مقلق، والعالم غير مضطرّة للعيش بخوف وسماع الغارات والتحليق المستمرّ للطائرات الحربيّة” يختم نور الدين.
يقول ابن بلدة جباع، الشاب بلال وهبي، لـ”مناطق نت”: “في الأعوام الماضية كنّا نصل الليل بالنهار كي نلبّي طلبات الزبائن، أمّا اليوم فأفتح مطعمي عند الساعة الثانية عشرة ظهرًا لفترة بعد الظهر، ولا نشهد أيّ حركة إلّا نادرًا. فجباع التي كانت مصيفًا، ولا يوجد فيها غرفة خالية للإيجار، وشاليهاتها ممتلئة (مفوّلة) وكنا نعتمد على زبائنها لتقديم وجبات الطعام التي كانت تصل إلى 50 وجبة في النهار باتت خالية. فلا أحد يتجرّأ على القدوم إلى هنا، سواء من صيدا أو بيروت أو النبطية، في حين بات أبناء المنطقة يتوجّهون إلى مناطق أخرى أكثر أمانًا”.
“يُنشر هذا التقرير/التحقيق/ التحقيق المصوّر بالتعاون مع المنظمة الدولية للتقرير عن الديمقراطية DRI، ضمن مشروع الأصوات المستقلّة: دعم صناعة المحتوى المبتكر والمتمحور حول المواطنين والمواطنات في الإعلام اللبناني“.