هذه جرائدكم الورقية..أنقذوها على حسابكم
حسين حمية
إقفال أي مصلحة يعتاش منها الناس هو أمر محزن ومؤسف، وكيف، إذا كانت هذه المصلحة هي مؤسسة إعلامية من وزن “دار الصياد”، وهنا، ليس مُصاب الحاضر بخسارة مؤسسة، إنما قاطرة مملوءة بزمن وأحداث وتواريخ انفكت منه. وكما موت الأفراد، كذلك موت المؤسسات ولو أنه اشد وقعا، إنما هي تُرثى بصنائعها وجمائلها وكثير منها تشرّبه واقعنا بعد أن استلبه منها، وهذا مقتضى الأحوال.
قيل في “دار الصياد”، وبالكاد أوفاها من يدينون لها بشهرتهم ومكانتهم ودورهم ما لها في ذمتهم من حقوق وديون، وحتى لو قلنا معهم فيها، لن تبرأ هذه الذمم ولن تطفأ هذه الديون، لكن ما يستوقفنا، أن بعض مما قيل، لم يكن للتعزية أو للتهوين من فقدان صرح إعلامي وثقافي وفكري، إنما بدافع الانتهازية، لقد وقع على كم هائل من مشاعر اشتعلت بموت “دار الصيّاد”، وهنا كان صيده، وعمل على استعارها، لتأتي الفرصة على طبق من عاطفة، فهذه لحظة الاستثمار على المأساة، وهو على فكرة من أنجح الاستثمارات.
“أنقذوا الصحافة الورقية”، “الصحافة الورقية هي اصول وطنية”، “يجب أن تتدخل الدولة لدعم الصحافة الورقية اسوة بدول كبرى تدعمها”، “تعرّض هذه الصحافة لأي عطب يعني تعرض كل الإعلام لعطب”، “الصحافة الورقية هي الخزّان الاستراتيجي لكل الإعلام”، هذه عيّنة بسيطة من الردح الذي يتم استخدامه لإجبار الشعب على مد يديه إلى جيبه ليخرج ما تبقى لديه من نقود لدفعها لفاتورة جديدة شأنها شأن فواتير المولدات والماء والهاتف والتعليم الخاص وغيرها.
لن ندخل في تقييم وطنية الصحافة الورقية، ولن نستعير طرفة أحد الرؤساء اللبنانيين عندما رحب بوفد صحافي لبناني كان يزوره بالقول” أهلا بكم في وطنكم الثاني لبنان” تعبيرا عن لاوطنية هذه الصحافة وارتهانها لدول خارجية، كما لن نتوقف عند احتكار بضع صحف لبنانية لمهنة الصحافة ككل، بمنع إصدار امتيازات جديدة أو وضع اسعار فلكية تتجاوز المليون دولار ثمنا للامتياز، وفي هذا صحافتنا الورقية ليست على اسوة واحدة مع صحافة الدول الكبرى حتى ندعمها كما في تلك الدول.
من حق وزير الإعلام ملحم الرياشي أن يترك بصمة في وزارة الإعلام ولو كانت من ضمن مشروع ترشيح رئاسي لرئيس حزبه سمير جعجع تقرّب هذا الأخير من العاملين في الصحافة الورقية بما فيهم جريدة “الأخبار” أو “البناء”، لكن لا يجب أن تكون هذه البصمة على حساب الشعب أو وسائل الإعلام الأخرى غير الورقية، وأيضا من الخطأ أن تكون تصحيحا ارتجاليا لمشكلة أعمق يقع فيها الإعلام الورقي.
وإذا كان الترويج للحلول يقوم على الطلب من دولتنا أن تتشبه بالدول الأخرى، يجوز السؤال، هل تشبه الصحافة الورقية عندنا الصحف الورقية في الدول الأخرى؟ أضف، من قال أن الدول الكبرى اختارت حلا واحدا لإنقاذ صحفها الورقية من خلال مساعدات من المال العام وعلى حساب الشعب، هذا ليس صحيحا.
لقد تمت مقاربة مشكلة الإعلام الورقي في كثير من الدول بدراسات وابحاث وضعها خبراء، وليس باتفاق وزير الإعلام مع واحد أو اثنين من رؤساء التحرير، وليس أيضا على طريقة الاستثمار على العاطفة أو إعادة بيع أمجاد الماضي ل” دار الصياد” أو غيرها. الإعلام الورقي في اي مكان من هذا العالم، يعاني من منافسة الإعلام الرقمي، وهذه المنافسة أدت إلى تراجعه أو نقصان مداخيله، لكن هناك نماذج ناجحة عن تجاوز هذه المشكلة تقوم على بعد واحد هو جودة الأخبار والتحقيقات، لاستعادة ثقة القارىء.
وفي كثير من الدول طالبت الجرائد قراءها بدفع التبرعات للاستمرار، لكن لم تطالب كل الشعب، مع أنها أكثر شعبية من صحافتنا الورقية التي هي بالحقيقة صحافة حزبية وفئوية. وعليه الحل، فليتبرع أنصار حزب الله لجريدة “الأخبار”، والقوميون السوريون لجريدتهم، وأنصار الياس المر ل” الجمهورية” وكذلك تيار المستقبل ل” الشرق” والمستقبل”، والعنصريون المسيحيون ل”النهار”.