هكذا تمرّ الحرب على جارة الليطاني “برج رحال”
في بلدة برج رحّال الجنوبيّة الواقعة على كتف الليطانيّ في قضاء صور، ما زال ع. ف. أحد أبناء البلدة، مصمّمًا على البقاء في بلدته على رغم تحذيرات عديدة أطلقها جيش الاحتلال الإسرائيلي طالبًا من الأهالي الخروج إلى ما وراء نهر الليطانيّ المحاذي للبلدة. يُبرّر ع. ف. في حديثه لـ”مناطق نت”، بقائه بعد أن أخرج عائلته إلى منطقة آمنة بـ”ضرورة الثبات في الأرض، فنحن متجذّرون بها”. متسائلًا “إذا كلنا بدنا نترك ضيعتنا مين بدّو يبقى فيها؟”.
من الصعب على الشاب ع. ف. أن يعتاد على يوميّات الحرب، فالبلدة الساحليّة التي عادةً ما تضجّ بأبنائها والتي تُشكّل معبرًا ضروريًّا للدخول إلى قضاء صور، باتت اليوم شبه خالية من أهلها. لذا، يُحاول الاعتياد على روتين آخر، فيستيقظ صباحًا ليتجوّل برفقة مجموعة من أصدقائه على أهالي البلدة الصامدين فيها لـ”نحاول تأمين ما يحتاجون إليه”. وأيضًا يُكمل الجولة منعًا “لحدوث سرقات ولا سيّما أن كثيرًا من المنازل تقع على أطراف البلدة”.
عائلات صامدة في البلدة
إضافة إلى ع. ف. هناك 114 عائلة ما زالت صامدة في البلدة، على رغم أنّ معظم هذه العائلات قامت بإرسال أبنائها إلى المناطق الآمنة. اللافت في الأمر أنّ عديدًا من هذه العائلات نزحت في بداية الحرب، لكنّها عادت إلى البلدة بسبب ظروف مراكز الإيواء والاكتظاظ فيها، وأيضًا لغلاء الإيجارات والمعيشة، وذلك بحسب رئيس البلديّة حسن حمود لـ”مناطق نت”.
قبل الحرب كانت برج رحّال المشمولة بالقرار الدوليّ 1701 تضمّ نحو سبعة آلاف لبنانيّ، بالإضافة إلى تجمّع فلسطينيّ في منطقة القاسميّة التابعة للبلدة، يقطن فيه نحو أربعة آلاف فلسطينيّ وسوريّ. تعتمد برج رحّال في اقتصادها على ثلاثة عناصر أساسيّة، يتمثّل الأوّل في موظفي القطاع العام، والثاني في الزراعة كونها تضمّ سهولًا غزيرة مشهورة بالحمضيّات والموز، وأخيرًا بفاكهة الأفوكا. والثالث في الهجرة الحديثة لأبنائها والتي بدأت منذ نحو 20 عامًا إلى القارّة الأفريقيّة.
طوال فترة الحرب التي اندلعت في الثامن من أيلول (سبتمبر) 2023 لم تشهد البلدة أيّ حركة نزوح، وذلك حتّى الـ 23 من أيلول الماضي، تاريخ توسّع رقعة الحرب، فكان نصيبها غارات عدّة استهدفت ثلاثة منازل، نجم عنها استشهاد ثلاثة شبّان وسيّدة. كذلك استشهد نحو سبعة من أبناء البلدة، إنما في مناطق أخرى. وهذا ما جعل منها إحدى أقلّ البلدات الجنوبيّة التي تعرّضت إلى الاعتداء، إذ تركّز القصف الإسرائيليّ بعد ذلك على أطرافها، حتّى إنّ الاعتداءات الإسرائيليّة عليها ما زالت أقلّ من تلك التي شهدتها في حرب 2006.
لم يكن نزوح الأهالي منظّمًا، فانتشر أهالي البلدة على طول الجغرافيا اللبنانيّة، مع توجّه عدد كبير إلى طرابلس على اعتبار أنّ بدلات الإيجار ربّما تكون أقلّ غلاءً، أمّا من اختار النزوح إلى مراكز الإيواء فكانت وجهته منطقتا صيدا وإقليم الخرّوب.
غياب المساعدات الرسميّة والأهليّة
تعجز البلديّة عن تأمين مساعدات مباشرة للعائلات الصامدة أو النازحة، “فوضع البلديّة الماليّ يجعلها في موقف تعجز عن رصد أيّ مبلغ لتغطية الأمر”، وفقًا لحمود الذي يؤكّد أن “وحدة إدارة الكوارث في اتّحاد بلديّات صور تُحاول تأمين بعض المساعدات، إلّا أنّها خجولة جدًّا وتكاد تكون شبه معدومة، واقتصرت حتّى الآن على حصّة غذائيّة واحدة لكلّ عائلة تكفي خمسة أيّام فقط”. وهذا ما يوافق عليه فاخوري الذي يُشير إلى عدم وجود “أيّ جهة رسميّة أو جمعيّة أهليّة حاولت الدخول إلى البلدة وتقديم المساعدات”.
طوال فترة الحرب التي اندلعت في الثامن من أيلول 2023 لم تشهد البلدة أيّ حركة نزوح، وذلك حتّى الـ 23 من أيلول الماضي، تاريخ توسّع رقعة الحرب، فكان نصيبها غارات عدّة استهدفت ثلاثة منازل
لذا، يتطوع أحد الشبّان كلّ بضعة أيّام للانتقال إلى صيدا من أجل تأمين المواد الغذائيّة. ويلفت حمود إلى قيام “إحدى التعاونيّات الكبيرة في البلدة، بوضعها في عهدة الشباب لأخذ ما يحتاجون منها”، موضحًا أنّ “فيها بضائع بأكثر من 70 ألف دولار أمريكي”.
ما سهّل عمليّة نقل المواد الغذائيّة هو عدم استهداف إسرائيل للطرقات والجسور بشكل مباشر، فالوصول إلى البلدة ما زال ممكنًا عن طريق القاسميّة القديم، وكذلك من جهة الأوتوستراد الذي يتمركز عليه الجيش اللبنانيّ وقوات اليونيفيل، على رغم تضرّرهما المحدود بفعل الغارات.
ويُشير حمود إلى “تواصل القوّة الكوريّة في اليونيفيل معنا للاستعلام حول أعداد الأهالي الصامدين فيها بغية تأمين بعض المستلزمات لهم”، ويشير إلى أنّ “هذه القوّة مسؤولة من الناحية المدنيّة وتقديم المساعدات والمشاريع، منذ العام 2006، عن خمس بلدات من ضمنها برج رحّال”.
من نافل القول إنّ مساعدات المغتربين لأهاليهم وأقاربهم أمر مفروغ منه، إلّا أنّ ثمة غيابًا للمبادرات الاغترابيّة الجماعيّة، باستثناء أحد الخيّرين من آل الساحلي الذي بادر إلى تقديم مبلغ 100 دولار للعائلة النازحة الصغيرة و200 دولار للعائلة الكبيرة بصرف النظر عن تواجدها في مركز إيواء أو منزل خاصّ. ويؤكّد حمود أن “لديه نيّة بتقديم هذه المساعدة مرّة أخرى”.
وضع الكهرباء والمياه والإنترنت
على الرغم من أنّ أضرار خطوط التيّار الكهربائيّ بقيت محدودة إلّا أّن البلدة تشهد انقطاعًا مستمرّا للتيّار منذ توسّع رقعة الحرب، لذا يلجأ الأهالي إلى الطاقة الشمسيّة الموجودة في بعض المنازل من أجل تشريج هواتفهم. ويرى فاخوي أنّ “ثمة تقصيرًا كبيرًا في هذا الأمر، إذ إنّنا طالبنا مرارًا بتزويد البلدة بالكهرباء الناتجة عن مشروع الليطانيّ، ومنها يتمّ تزويد مخيم القاسمية المحاذي لبلدتنا، إلّا أنّنا لم نرَ أيّ نتيجة إيجابيّة لهذا المطلب”.
أمّا على صعيد المياه، فيلفت حمود إلى أنّه “يوجد في البلدة أربع آبار للمياه تعمل على الطاقة الشمسيّة في حين جرى استهداف واحد منها، والكمّيّة التي تنتجها هذه الآبار كافية بسبب محدوديّة الأهاليّ الصامدين”. وفي ما يتعلّق بالإنترنت فإنّ “خطوط أوجيرو مقطوعة بسبب عطل في محطّة العبّاسيّة، ويعتمد الأهالي على إنترنت الهاتف بشكل كامل”.
لبرج رحّال تاريخ طويل من المواجهة مع العدوّ الإسرائيليّ، من اجتياح 1982 مرورًا بحرب تمّوز (يوليو) 2006 والحرب الحاليّة، وبناءً على هذه التجارب، يجزم حمود أنّ أبناء البلدة مطمئنّون إلى العودة إلى بلدتهم مهما كان حجم الدمار.