هل تطيح الحرب جنوباً بالانتخابات البلديّة والاختياريّة؟
لا شيء يوحي بأنّ الانتخابات البلديّة والاختياريّة التي تمّ تأجيلها مرتين، بأنّها ستجري في 31 أيار 2024. تتعدّد أسباب عدم رغبة السلطة اللبنانيّة في إجراء الانتخابات، منها الادّعاءات الاقتصاديّة والأمنيّة ومنها الخفي وغير المعلن، وهذا ما أوحت به المناقشات النيابيّة للموازنة التي امتدّت ثلاثة أيّام متتالية في 24 و25 و26 كانون الثاني/يناير الجاري، حيث مرّ مرور الكرام لحظ الاعتمادات الماليّة اللازمة لإجراء الانتخابات البلديّة والاختياريّة، بمبلغ ألف مليار ليرة لبنانيّة، أيّ قرابة 11 مليون دولار أميركيّ.
بالمقابل حظي إقرار المادّة 38 من الموازنة المتعلّقة باحتساب الرسوم البلديّة، بالضجّة الإعلاميّة، والتي تضع حدًّا للفوضى السائدة في جباية الرسوم البلديّة، فحدّدت الرسم على البناء السكنيّ بعشرة أضعاف، وعلى التجاريّ عشرين ضعفًا. أيّ ضرب الرسم الذي كان يُدفع قبل أزمة 2019، بأضعاف عديدة حسب نوع الوحدة السكنيّة.
المُلفت كان التعديلات التي طرأت على رسوم الترشّح للانتخابات البلديّة والنيابيّة، حيث تمّ رفع الرسوم البلديّة من 500 ألف ليرة لبنانيّة إلى عشرة ملايين ليرة، أيّ بمعدّل 20 ضعفًا، الأمر الذي سيشّكل عائقًا ماليًّا أمام الفئات المحدودة الدخل والتي تودّ الترشُّح للانتخابات البلديّة، وهو أسلوب تعتمده السلطة بغية حصر الترشُّح بفئة اقتصاديّة مُعيّنة، أيّ فئة الميسورين، ومحاولة إقصاء الفئات الاجتماعيّة الأخرى.
أمّا في ما يخصّ رسوم الترشُّح إلى الانتخابات النيابيّة فقد تمّ رفعها من ثمانية ملايين لير لبنانيّة إلى مائتي مليون ليرة، في حين أنّ المُطالبات كانت برفع الرسم من ثمانية ملايين إلى 600 مليون ليرة لبنانيّة، لكنها لاقت اعتراضًا نيابيًّا، وجرى تخفيض الرسوم.
بلديات مأزومة
منذ الانهيار الاقتصاديّ في العام 2019 والبلديّات مأزومة وبأغلبها مشلولة، وهناك أكثر من 12 بالمئة منها مستقيلة وغير قادرة على القيام بمهامها الرئيسيّة. لكن يبقى التحدّي الأكبر ما ستواجهه بلديّات الحافّة الحدوديّة في الجنوب من أعباء ضخمة، جرّاء ما لحق بها من دمار وخسائر بفعل الاعتداءات الإسرائيليّة والتي طالت كلّ شيء، البشر والحجر والشجر، الأمر الذي سيحول دون قيامها بواجباتها على الصعيد المادّيّ والاجتماعيّ تجاه أبناء هذه البلدات. وهذا يتطلّب جهودًا كبيرة بين الدولة والوزارات المعنيّة والبلديّات.
كلّ هذا لن تتّضح معالمه قبل وقف إطلاق النار وعودة الهدوء، ومباشرة الدولة بوضع آليّة للإعمار ودفع التعويضات. فهل ستكون البلديّات في الجنوب قادرة على القيام بواجباتها، والشروع في التحضير للانتخابات المرتقبة في أيّار المقبل؟
تأجيل ثالث؟
يشير الأستاذ الجامعيّ في معهد العلوم الاجتماعيّة في الجامعة اليسوعيّة وسام اللحام في حديثه لـ”مناطق نت”، إلى “أنّ حجّة تهرّب السلطة من إجراء الانتخابات البلديّة والسعي إلى تأجيلها، هو الوضع الأمنيّ المتوتّر على الحدود الجنوبيّة مع فلسطين المحتلّة، واستحالة إجراء الانتخابات في المناطق الواقعة جنوب الليطانيّ. هذه الحجة ستحاول السلطة التمسّك بها، لكنّها ليست واقعيّة”.
ويضيف: “جرت الانتخابات النيابيّة والبلديّة والاختياريّة في كلّ لبنان، في فترات الاحتلال الإسرائيليّ للجنوب. ففي الأعوام 1992 و1996 جرت الانتخابات النيابيّة، وفي العام 1998 جرت الانتخابات البلديّة والاختياريّة”. إذن، يعتبر اللحام “الحلّ عبر تأجيل الانتخابات في عدد من القرى الحدوديّة بسبب الوضع الأمنيّ، وليس في كلّ لبنان”.
ومن الحلول المطروحة أيضًا “خلق مراكز اقتراع لأهالي القرى الجنوبيّة، في أماكن أخرى نزحوا إليها، أو أيّ مراكز يمكن أن تستحدثها وزارة الداخلية”. كما يمكن إصدار قرار استثنائيّ بتعيين المخاتير في المناطق الجنوبيّة من الوزارة، وهذا ما يستبعده اللحام.
وزارة الداخليّة جاهزة؟
توحي النقاشات الجانبيّة بين النوّاب، بوجود نوايا للتوجّه إلى طلب تأجيل الانتخابات البلديّة بسبب الأوضاع الجنوبيّة. في حين يقول مصدر في وزارة الداخلية لـ”مناطق نت”: “إنّ وزارة الداخليّة جاهزة لإجراء الانتخابات البلديّة في أقسامها كافّة، وليس هناك أيّ سبب يمنع إجراءها. وفي الأوّل من شباط المقبل (2024) سيجري الإعلان عن قوائم الناخبين”. وبحسب المصدر، من المتوقّع أن تُجرى الانتخابات في منتصف أيّار المقبل، بعد انتهاء فترة الأعياد عند الطوائف المسيحيّة.
في هذا الإطار تُكمل وزارة الداخليّة عملها مع المنظّمات الدوليّة في ما يتعلّق بالانتخابات البلديّة. هذا ما تؤكّده ميريام جبيلي مديرة شركة MEEM Creative hub للإعلانات في حديثها لـ”مناطق نت” فتقول: “في الشركة بدأنا العمل على تصميم وإطلاق حملات إعلانيّة للتشجيع على الترشّح والمشاركة في الانتخابات البلديّة. وهذه الحملات بتمويل من برنامج الأمم المتّحدة الإنمائيّ UNDP، وبالشراكة مع وزارة الداخلية”. وتتابع جبيلي، “هناك أيضًا حملة إعلانيّة تُجهّز، محصورة في تشجيع النساء على الترشّح”.
ميريام جبيلي: بدأنا العمل على إطلاق حملات إعلانيّة للتشجيع على الترشّح والمشاركة في الانتخابات البلديّة، وهذه الحملات بتمويل من برنامج الأمم المتّحدة الإنمائيّ UNDP، وبالشراكة مع وزارة الداخلية، وهناك أيضًا حملة إعلانيّة تُجهّز، محصورة في تشجيع النساء على الترشّح.
استنفار هيئات المجتمع المدنيّ
وحدها هيئات المجتمع المدنيّ تتحضّر للانتخابات البلديّة والاختياريّة، ما يوحي بإنّ الانتخابات ستحصل غدًا. وثمّة نشاطات وتدريبات عدة، تقوم بها بعض المنظّمات المدنيّة، سواء عبر تدريب مرشحين/ات، وإثقالهم في الخبرة القانونيّة، أو امدادهم بمهارات القيادة وإنشاء الحملات الانتخابيّة وفنّ الخطابة، وغيرها من الأمور. أبرزهم جمعيّتا FIFTY FIFTY، التي تُعنى بالعمل النسائيّ، والمنظّمة الدوليّة للتقرير عن الديمقراطيّة DRI.
يقول مدير DRI الدكتور أندريه سليمان لـ”مناطق نت”: “لا يمكن التكهّن أو التنبّوء حول إجراء الانتخابات في موعدها، بسبب الظرف الأمنيّ القاهر في الجنوب الذي سيُجيّر سياسيًّا لتأجيل الانتخابات البلديّة، وهذا أمر إشكاليّ، فالانتخابات التي تأجّلت مرّات عدّة كانت من دون سبب سياسيّ مقنع، وسيكون الوضع الجنوب سببًا جدّيًّا لتأجيل جديد”.
ويشير الدكتور سليمان إلى “أنّ الحلّ المنطقيّ الذي يمكن أن تلجأ إليه الدولة ولا تتذرّع بالحرب في الجنوب، هو إقرار اقتراح “الميغا سنتر”، الذي يجيز إنشاء مراكز تصويت بعيدًا عن مراكز قيد النفوس، أيّ مسقط الرأس، ما يتيح للمهجّرين من القرى الحدوديّة الانتخاب عن بعد”.
يصف البعض، لا سيّما بعض الأحزاب السياسيّة، عمل المجتمع المدنيّ وتحضيراته للانتخابات البلديّة، بأنّه سعي المنظّمات إلى لعب دور كبير في استغناء البلديّات عن مرجعيّاتها السياسيّة، وخلق بديل مادّيّ لها عبر الاعتماد على المنظّمات والجهات المانحة، في تأمين تمويل بعض المشاريع الإنمائّية والخدماتيّة.
هذا الأمر ينفيه سليمان، ويقول: “البلديّات لديها استقلال إداريّ وماليّ، وهي سيّدة نفسها بالقانون والممارسة، والبلديّات يجب ألّا تتّكل على أيّ طرف، أو أيّ زعيم، ولا مرجعيّة سياسيّة، ولا حتّى هيئات المجتمع المدنيّ”. ويتابع: “نحن كجمعيّات ندعم العمل المؤسّساتيّ الذي ليس بديلًا عن الدولة وعن القطاع العام، ولا يمكن استبدال القطاع العام بالـNGO، التي تؤدّي دورًا داعمًا ومساعدًا لتعزيز وتقوية مؤسّسات الدولة، ونهوض البلديّات لإنعاش المجتمعات المحلّيّة”.
أندريه سليمان: الحلّ المنطقيّ الذي يمكن أن تلجأ إليه الدولة ولا تتذرّع بالحرب في الجنوب، هو إقرار اقتراح “الميغا سنتر”، الذي يجيز إنشاء مراكز تصويت بعيدًا عن مراكز قيد النفوس، أيّ مسقط الرأس، ما يتيح للمهجّرين من القرى الحدوديّة الانتخاب عن بعد”.
“يتمحور عمل هيئات المجتمع المدنيّ حول المشاركة السياسيّة العادلة والفاعلة والالتزام بالقوانين والدستور، والحياة الديمقراطيّة، وتشجيع الشباب على الانخراط في العمل السياسيّ. ما يعني ضخًّا جديدًا للقدرات الكفوءة علميًّا وتكنولوجيًّا في المقرّات والمؤسّسات المحلّيّة” وفق سليمان.
الكوتا النسائيّة في البلديّات
بالرغم من الأوضاع الصعبة التي يمرّ بها البلد على مختلف الصعد، إلّا أنّ الاهتمام بالاستحقاق البلديّ بدأت تظهر ملامحه. ففي منطقة شبعا تنشط ابنة البلدة دانا قيدوح، في التحضير لخوض غمار الترشّح للانتخابات البلديّة والاختياريّة. وتقول قيدوح في لقاء مع “مناطق نت”: “إنّني تشجّعت للترشّح، بعد الخرق النيابيّ الذي حصل في الدائرة الثالثة في الجنوب خلال الانتخابات الماضيّة. وهذا يقتضي أن نتابع المسيرة في التجهيز لإحداث خروٍق في المجالس البلديّة والاختياريّة في المناطق”.
في هذا الإطار تسعى قيدوح، إلى تشكيل لائحة مستقلّة ستعلن عنها فور إعلان وزارة الداخليّة فتح باب الترشيحات، ومن خلالها تجهد “في الاستعانة بالقدرات الكفوءة والشابّة، وأيضًا الفئة العمريّة الكبيرة نظرًا لما يمثّل ذلك من ضرورة للتنوّع الفكريّ في البلدة”. وتشدّد قيدوح على “أن يكون العنصر النسائيّ مستحوذًا على حصّة وازنة في المجلس البلديّ المقبل، إذ وبالرغم من أنّ عدد أعضاء المجلس البلديّ في شبعا 18 عضوًا، إلّا أنّ العنصر النسائيّ غير ممثّل فيه على الإطلاق، وهذا معيب”. ووفق قيدوح “يجب ألّا يتكرّر مجدّدًا في الدورة المقبلة”. وأملت في “إقرار قانون الكوتا النسائيّة في الانتخابات البلديّة قبيل موعد الانتخاب، وهذا من شأنه أن يفرض النساء بقوة على المجالس البلديّة.
وفي معرض حديثها عن أفكارها المتعدّدة تجاه العمل البلديّ الذي تطمح له في شبعا تقول قيدوح: “أوّله محاولة إلغاء فكرة الناس عن منطقة شبعا وحصرها بالأخبار السياسيّة. وثانيها ضرورة خلق دورة اقتصاديّة منتجة ومتكاملة، تعتمد على الإكتفاء الذاتيّ عبر مشاريع زراعيّة وسياحيّة”. وتتحدّث عن حال “التململ الموجود لقاء التمديد المتكرّر للمجالس البلديّة، لا سيّما أنّها تفتقد بمعظمها إلى العنصر الشاب”.
يشار إلى أن دانا قيدوح، واحدة من الوجوه الشابّة التي درّبتها منظّمة FIFTY FIFTY، مع مئات النساء في المناطق اللبنانيّة كافّة. فالجمعيّة كثّفت أعمالها في السنتين الأخيرتين مع النساء، وقدّمت لهنّ برنامجًا يلبّي حاجاتهنّ وطوّرت مهارتهنّ، وقدّمت المساعدة لمواكبة تحضيراتهنّ على صعيد القوانين، وكلّ ما يجب أن يعرفنه في مجال العمل البلديّ.
بالرغم من الأوضاع الصعبة التي يمرّ بها البلد على مختلف الصعد، إلّا أنّ الاهتمام بالاستحقاق البلديّ بدأت تظهر ملامحه. ففي منطقة شبعا تنشط ابنة البلدة دانا قيدوح، في التحضير لخوض غمار الترشّح للانتخابات البلديّة والاختياريّة.
تقول رئيسة الجمعيّة جويل أبي فرحات لـ”مناطق نت”: “إنّ نسبة السيّدات في المجالس البلديّة والاختياريّة تبلغ خمسة بالمئة، وهذه الأرقام دفعت الجمعيّة إلى العمل مع الرجال في البلديّات، لخلق نوع من التوعية على أهمّيّة وجود النساء في المجالس، ودورهنّ وقدراتهنّ التي يستطعن تقديمها. ومن خلال شبكة التدريبات من الجنوب إلى الشمال، تطرح الجمعيّة أسماء بعض النساء وتضيء عليها، في خلال اجتماعاتها مع رؤساء البلديّات في المناطق”.
وتعوّل أبي فرحات على “هذا العمل الذي يعتمد على إنشاء الحملات والمناصرة التي تحتاجها النساء، خصوصًا أنّ قانون البلديّات لم يقرّ حتّى الساعة الكوتا النسائيّة في المجالس البلديّة”. وتشير إلى أنّ عملهم الموازي “هو مع المرجعيّات التشريعيّة في المجلس النيابيّ، بغية الضغط على السلطات التشريعيّة لإقرار قانون الكوتا النسائيّة للبلديات، الذي وصل إلى اللجان النيابيّة كي تقرّه، وهناك أمل بإقراره قبل الانتخابات المرتقبة”.