هل تُقرع أجراس المدارس في القرى الحدوديّة هذا العام؟

من بين أهوال الدمار والركام في القرى الحدوديّة، وعلى أبواب العام الدراسيّ، يبرز التعليم كأحد القطاعات الأساسيّة التي استهدفتها الحرب، وهو كما يُقال أهم ركائز المجتمع. فللعام الثالث على التوالي، يعيش طلاب الجنوب عمومًا والقرى الحدوديّة خصوصًا، عامًا دراسيّا صعبًا، فبالرغم من قرار وقف إطلاق النار الذي يصفه الجميع بالهشّ، تستمرّ الخروق اليوميّة منذ إعلانه في الـ 27 من تشرين الثاني (نوڤمبر) العام الماضي، غارات واستهدافات.
بين الركام تتوزّع المدارس الرسميّة والخاصّة في القرى الحدوديّة، وسط أزمات ونكبات متلاحقة. فيما تسابق البلديّات واتّحاداتها الزمن لتأمين حلول تضمن حقّ آلاف التلامذة الجنوبيّين في التعلّم. لذا يبرز سؤال: كيف سيكون شكل الدراسة في تلك القرى؟ وكيف ستتعامل تلك المدارس مع هذا الاستحقاق؟
ميس الجبل: مجمّع كرفانات
في بلدة ميس الجبل (قضاء مرجعيون)، دُمّرت معظم مباني المدارس الرسميّة في البلدة بشكل كامل، ومع غياب الحلول المركزيّة من الدولة، تحرّكت البلديّة بالتعاون مع “مجلس الجنوب” و”إتّحاد بلديّات جبل عامل” وعدد من المتبرّعين، لإنشاء مجمّع تربويّ موقّت، يضمّ 30 غرفة متنقّلة تشمل المرحلتين الابتدائيّة والثانويّة والمعهد الفنّيّ.

يقول المربّي فرج بدران، مدير ثانويّة “المربّي محمّد فلحة الرسميّة” في ميس الجبل أنّ هذا الخيار كان الأفضل من بين جملة خيارات واقتراحات، فالأمور تيسّرت بوجود قطعة أرض قدّمتها البلديّة، وتعاون الاتّحاد لتأمين الغرف الجاهزة التي تبرعت بها عشيرة الساعدي في العراق”.
يتابع بدران لـ “مناطق نت”: “جُهِّز المشروع بالطاقة الشمسيّة والمرافق الصحّيّة، وتكفّلت البلديّة برسوم التسجيل والقرطاسيّة والكتب، إضافة إلى تقديمات مرتبطة بالنقل”. ويضيف “نسعى اليوم إلى تأمين مقاعد الصفوف، ومن أجل ذلك رفعنا طلبًا إلى الوزيرة حول المستلزمات التي نحتاجها، إذ لدينا حاليًّا نحو 120 تلميذًا مسجّلين في المجمّع”.
عن التحدّيات يوضح بدران أنّها تتعلّق “بإعادة التعمير النهائيّ، عودة العائلات، وتوفير الكادر التعليميّ، إذ يضطرّ بعض المعلّمين إلى الحضور يوميًّا من النبطيّة، فضلًا عن التحدّيات الأمنيّة”. ويردف: “أخذنا موافقة اللجنة الخماسيّة (الميكانيزم) قبل البدء بأيّ عمل، وجميع الأشغال تتمّ تحت إشراف قوّات ‘اليونيفيل‘. وما يسري اليوم على مناطق الحافّة الأماميّة يسري على كلّ لبنان من حيث الأمن والأمان”.
أمّا عن التلامذة النازحين، فيقول بدران: “تسجّلوا في أماكن نزوحهم وتمّ استقبالهم في المدارس الرسميّة هناك. سنرفع تقريرًا إلى وزيرة التربية ريما كرامي يطالب بدعم مادّيّ استثنائيّ لمعلّمي وأساتذة المناطق الحدوديّة، ويشمل بدلات النقل، خصوصًا أنّ كثيرين أصبحوا نازحين ويتحمّلون أعباء إضافيّة كالإيجار والتنقّل”.
المربّي فرج بدران: أخذنا موافقة اللجنة الخماسيّة (الميكانيزم) قبل البدء بأيّ عمل، وجميع الأشغال تتمّ تحت إشراف قوّات “اليونيفيل”.
مدرسة حولا بمبنى رعاية المسنّين
في حولا، وبعد تدمير المدرسة الرسميّة، بادرت البلديّة إلى استخدام مبنى كان مخصّصًا لرعاية المسنّين وتحويله إلى مدرسة بديلة. تقول المديرة عتاب قاسم: “حوّلنا ستّ غرف وقاعة إلى غرفتين للروضات وملعب شتويّ، مع إضافة أربع غرف جاهزة قدّمتها عشيرة الساعدي عبر جمعيّة ‘وتعاونوا‘. ثمّة أكثر من 50 تلميذًا التحقوا بالمدرسة البديلة، لكن لتعذّر انتقال بعض الأساتذة اضطررنا إلى إقفال بعض الصفوف”.
وتتابع قاسم لـ”مناطق نت”: “إنّ حوالي 150 تلميذًا لم يلتحقوا بالمدرسة البديلة، فتسجّلوا في شقرا ومجدل سلم وغيرها من القرى المحيطة”. وتشير إلى أنّ “التحديات كبيرة، لذلك نتواصل مع جمعيّات وجهات داعمة لتأمين وسائل تربويّة وتجهيزات أخرى”. وتختم: “البلديّة تعمل جاهدة وستساهم بما بين 50 و60 في المئة من بدل النقل والتسجيل”.
عودة خجولة إلى بعض القرى
يقول مازن شيت، ابن بلدة كفركلا لـ “مناطق نت”: “إنّ مدارس كفركلا تعرّضت لأضرار جسيمة وخضعت لترميم سريع، غير أنّ معظم الأهالي ما زالوا نازحين، ما انعكس على نسبة التسجيل فكانت منخفضة، إذ إنّ كثيرًا من التلامذة تسجّلوا بمدارس النبطية ومناطق أخرى”.
حال قرية عديسة مشابه، إذ لم يعد من أهلها سوى 13 عائلة تقطن في الحيّ السفليّ. وتوضح الدكتورة خلود حاموش من حملة “راجعين يا عديسة” أنّ “أبناء هذه العائلات سيلتحقون بمدرسة الطيبة، بينما توزّع تلامذة العديسة النازحون في مختلف المناطق اللبنانيّة”. وتضيف: “نطرق جميع الأبواب لدعم الأهالي والتلامذة وتأمين احتياجاتهم الكبيرة”

عيتا الشعب وراميا: فصول موقّتة
يؤكّد مدير “متوسّطة عيتا الشعب الرسميّة”، مرتضى طحيني، أنّ المدرسة انتقلت موقتًا إلى مبنى “مدرسة الشهيد مرشد النحّاس” في بدياس (قضاء صور) بفضل مساعٍ من النائب أشرف بيضون. ويتابع طحيني لـ “مناطق نت”: “تسجّل 130 طالبًا، وتأمّنت لهم كلفة النقل عبر مموّل من البلدة، ونعمل الآن على تأمين الكتب والقرطاسيّة بالتعاون مع وزارة التربية”.
أمّا “ثانويّة عيتا الشعب الرسميّة” و”مدرسة راميا الرسميّة”، فقد انتقلتا إلى مبنى “جامعة المدينة” في البرج الشماليّ قرب صور. وتكفّلت البلديّة بتغطية 40 دولارًا من رسوم تسجيل كلّ طالب. بينما سينتقل “معهد عيتا الفنّيّ” إلى مبنى “معهد شهداء قانا”.
الناقورة: عام دراسيّ باللحم الحيّ
تقول ليال يوسف، مديرة “متوسّطة الناقورة الرسميّة” إنّ مجلس الجنوب أعاد ترميم المبنى، ولأنّ عديد التلامذة قليل (58 فقط) تمكّنا من الانطلاق بما تبقّى من تجهيزات ومقاعد أصلحناها. بعض الغرف مقبولة للتعليم والمرافق الصحّيّة تمّت صيانتها جزئيًّا، لكن قاعة المعلوماتيّة والمختبر والمكتبة دُمّرت، والملاعب جُرِفت”.
تتابع يوسف لـ “مناطق نت”: “من خلال تبرّعات المغتربين والجمعيّات، قدّمت البلديّة الصيانة والطاقة الشمسيّة والمياه، كذلك غطّت بدل نقل 50 دولارًا شهريًّا عن 14 تلميذًا وعدد من الأساتذة”.
وتشير يوسف إلى أنّ التلامذة العائدين “فضّلوا العودة إلى مدرستهم بدل البقاء في مدارس صور، لعدم تأقلمهم هناك، ما انعكس ضعفًا في تحصيلهم خلال العامين الماضيين، فالاحتياجات كبيرة جدًّا، لكنّنا بدأنا بما تيسّر ونبذل قصارى جهدنا لاحتضان أولادنا”.

عيترون تحتضن بليدا
بدوره يوضح رئيس بلديّة عيترون سليم مراد أنّ “ثمّة تجربة فريدة في موضوع المدارس قمنا بها، إذ أعدنا خلال فصل الصيف تأهيل 180 طالبًا عبر برنامج مكثّف، كما نفّذنا دورة تدريب للمعلّمين بالتعاون مع الجامعة اللبنانيّة على نفقة البلديّة”.
يتابع مراد لـ “مناطق نت”: “بدأنا بترميم مدرسة ‘سعيد مواسي المتوسّطة‘، التي استقبلت تلامذة عيترون وبليدا، وكذلك ثانوية ‘الشهيد حسين عواضة‘ (ثانوية عيترون الرسميّة سابقًا) التي أطلقنا اسم مديرها الشهيد حسين عواضة عليها”.
أضاف: “بما أنّ التعليم الثانويّ غير مدعوم بالتسجيل الرسميّ، تكفّلت البلديّة بتسديد عشرة ملايين ليرة عن كلّ طالب، وتدرس إمكانيّة دعم الطلاب الذين يتابعون دراستهم في صور والنبطية، خصوصًا في موضوع النقل”.
ويختم: “نعطي الأولويّة للتعليم لأنّه شكل من أشكال الصمود، فوجود الطالب في عيترون بمواجهة الموقع المحتلّ هو تحدٍّ تربويّ ووطنيّ”.
مروحين وكفرشوبا والخيام
في مروحين، انتقلت الثانوية موقّتًا إلى “ثانوية صور المختلطة الرسميّة”. يوضح مديرها مصطفى الراعي لـ “مناطق نت” أنّ “عدد الطلاب بقي منخفضًا (57 فقط)، فيما التحق بعض النازحين بالمدرسة منذ عامين”.
بحسب تقارير “البنك الدوليّ” بالتعاون مع “المجلس الوطني للبحوث العلميّة”، بلغت خسائر القطاع التعليميّ في الجنوب نحو 151 مليون دولار
في كفرشوبا، أعاد “مجلس الجنوب” ترميم مدرستين، ما سهّل عودة نحو 250 تلميذًا. أمّا في الخيام، فأعيد ترميم المدرسة الرسميّة بسرعة لتغدو “بقعة ضوء” وسط الدمار. ومع ذلك، يخشى الأهالي من تجدّد التصعيد، ما دفع ببعضهم إلى إبقاء أبنائهم في مدارس أماكن النزوح.
أرقام ودلالات
بحسب تقارير “البنك الدوليّ” بالتعاون مع “المجلس الوطني للبحوث العلميّة”، بلغت خسائر القطاع التعليميّ في الجنوب نحو 151 مليون دولار، فيما تُقدَّر الحاجة بـ 554 مليون دولار لإعادة الإعمار والتأهيل على مراحل قد تمتدّ حتّى العام 2030.
لكن خلف هذه الأرقام قصصًا يوميّة لمعلّمين وتلامذة يقطعون عشرات الكيلومترات للوصول إلى صفوفهم، وأطفال يدرسون في كرفانات أو قاعات طوارئ، فقط ليحافظوا على حقّهم الطبيعيّ في التعلّم.
التعليم في الجنوب انتظار طويل
لم تنتهِ الحرب فعليًّا، فوقف إطلاق النار المزعوم، والنزوح والتدمير وتجريف القرى، كلّها عوامل تجعل من التعليم في الجنوب شاهدًا حيًّا على آثار لا تُعالج بقرارات سريعة، بل تحتاج إلى خطط طويلة الأمد تعيد الثقة إلى الأهالي والطلّاب والتلامذة.
وإلى أن يحين ذلك، يبقى التعليم في الجنوب اللبنانيّ رهينة حلول موقّتة، وإرادة بلدات تصرّ على إبقاء أبواب مدارسها مفتوحة على رغم الركام والتهديدات، في مواجهة آلة قتل ما زالت تطال المدنيّين يوميًّا، ومنهم تلامذة المدارس، على نحو ما حصل أخيرًا في بنت جبيل.