وحدها ربّت وعلّمت..من “الصاج” لمشروع “بيت المونة”!!
إيمان العبد
روائح البهارات والكمون واكليل الجبل والصعتر وغيرها من المنتجات البلدية العابقة في المكان هي أول ما يستقبلك لدى دخولك محل «بيت المونة» الكائن في قرية بليدا الجنوبية الحدودية لصاحبته نجوى غازي (أم قاسم). كل شيء هنا يقول لك إنّ تعباً وجهداً ومثابرة أثمرت هذا المحل الجميل والمتواضع الذي تفوح منه رائحة الأرض المجبولة بعرق الجبين. مراطبين المربيات والمكدوس واللبنة البلدية وأكياس الزهورات والعدس والسماق والكشك وغيرها الكثير من أنواع المونة البلدية مرصوفة بعناية على الرفوف، كلها تدلك إلى لمسة الأنوثة المضافة إليها لتصبح مع أم قاسم منتجات معروضة للبيع في “بيت المونة”.
بين بيت المونة وبين أم قاسم طريق واحد عبدته نجوى غازي بالإرادة الصلبة والتعب والمثابرة واستحقت عن جدارة تلك المقولة التي تقول «المرأة قوتها تكمن بإصرارها».
حكاية كفاح أم قاسم لم تبدأ البارحة أو قبل أشهر أو حتى سنوات، بل بدأت قبل ١٧ عاماً وبالتحديد لحظة انفصالها عن زوجها في العام ٢٠٠٢ حينها لم تكن أم قاسم لوحدها وهذه سهلة وبالمستطاع، بل كان معها في رحلة التعب تلك ثلاثة أطفال أكبرهم قاسم الذي لم يكن قد بلغ الـ 11 عاماً، أخذت على عاتقها تربيتهم والسير بهم إلى بر الأمان. في تلك اللحظة أولى الكلمات التي سمعتها أم قاسم من أقاربها مراراً وتكررت على مسامعها مرات ومرات هي ”كيف ستستطيعين القيام بإعالة ثلاثة أولاد وحدك”. لكن تلك الكلمات لم تشكل عند أم قاسم سوى حافز لكي تستمر وتنهض بأولادها.
هاجسي الأول تقول أم قاسم كان متابعة تعليم أولادي ومدرستهم لذلك عملت طوال سبع سنوات في المدارس براتب زهيد لقاء تعليمهم.
بالرغم من افتتاحه قبل عام فقط، إلا أن «بيت المونة» الذي تملكه وتديره أم قاسم اليوم كان مشروعاً يراودها وتخطط له منذ العام 2007. والفكرة تقول أم قاسم بدأت عندما شاركت في بلدتها بدورة تدريبية للنساء عن تحضير المونة، حينها لمعت في بالها، لكن الظروف الصعبة أخرت مشروعها سنوات طويلة. قبل «بيت المونة» تقول أم قاسم وبعد عملها في المدرسة لمدة ٧ سنوات بدأت مشوارها في الخبز. حملت «صاجها» وشوال الطحين، استأجرت محل على الطريق العام في القرية وابتدأت العمل به.
لم تكتف أم قاسم بالخبز سبيلاً وحيداً لإعالة أولادها، فنهارها الذي كانت تبدأه بالعجين كانت تنهيه بالعمل في حقول الزيتون والدخان من خلال الأراضي التي كانت تضمنها وتعمل بها. رحلة كفاح أم قاسم أثمرت بعد ثلاث سنوات منزلاً اشترته لكي يأويها مع أبنائها. اشترته بالتقسيط واستمرت بدفع أقساطه لمدة ثماني سنوات. وفور انتهائها من تقسيط المنزل قررت أن تحقق طموحها وتنفذ فكرتها الأولى “بيت المونة” فلجأت إلى اقتراض مبلغ زهيد من البنك قدره 1500 دولار فقط افتتحت به محلها وبامكانيات بسيطة.
تقول أم قاسم ضاحكة «طاولة هذا المحل هي في الأصل خزانة من بيتي وكذلك الرفوف». رغم كدح السنوات تروي أم قاسم بابتسامة عريضة لا تفارق وجهها تفاصيل ومراحل تطور مهنتها وعبارة «من الفجر الى النجر» التي ترددها باستمرار تنطبق على أيام أم قاسم التي تمضيها دون تلكؤ منذ 19 عاماً، وهي مستمرة حتى الآن، فنهارها الذي لا يزال يبدأ بالخبز حتى الثانية بعد الظهر، تخرج بعده أم قاسم لقطاف النعنع والصعتر والزهورات وغيره من خيرات الأرض التي تزرعها. تجففها وتحضرها في بيتها ومن ثم تقوم بترتيبها في محلها «بيت المونة» في اليوم الثاني لتصبح جاهزة للبيع.
بالرغم من أن أولادها كبروا وتعلموا وتزوجوا إلا أن أم قاسم لا زالت تعمل ولسان حالها يقول « كان لدي ثلاثة أولاد والآن لدي أحد عشر «قاصدة بذلك أحفادها».
تحضر أم قاسم اليوم لمعرض المونة في بلدة عيترون لتعرض فيه منتجاتها وشغل يديها، كما أنها شاركت سابقاً في معرض للمنتوجات البلدية في بيروت السنة الفائتة، وحسب قولها فإن إتحاد بلديات جبل عامل نوّه بعملها وجودة منتجاتها.
تختم أم قاسم عن مشاريعها المستقبلية بالقول: «أسعى لإنشاء تعاونية زراعية للنساء، فعدد النساء اللواتي يعملن بالزراعة في القرية كثيرات وإنشاء تعاونية زراعية يسهل عملهن ويؤمن تمويل لهذه المشاريع الزراعية الصغيرة ينعش القطاع الزراعي في البلدة.