8 سنوات على الإخبار المقدم إلى النيابة العامة المالية.. أين مسلات صور الجنائزية الـ 66
مطلع شباط الحالي، أعاد متحف “نابو” الخاص في منطقة الهري في الشمال 337 قطعة أثرية مسروقة إلى دولة العراق. وسبق ذلك بوقت قصير تسليم سوريا خمس قطع أثرية من المتحف نفسه، حيث وصف صاحبه جواد عدرا هذا العمل بأنه من ضمن جهود متحف “نابو” لتحقيق الغاية من تأسيسه، ألا وهي الحفاظ على تراث بلاد الشام وبلاد الرافدين، وإحياء حضارتهم. فيما قال السفير العراقي حيدر البراك أنَّ “الموضوع جرى بشكلٍ ودّي، وانتهى اليوم عبر تسوية سلمية ورضائية، بعيدًا عن التشنج واللجوء إلى القضاء.
أعاد هذان الحدثان إلى الواجهة مجددًا قضية حوالي سبعين قطعة أثرية مسلة جنائزية “شاهد” تعود إلى العهد الفينيقي، كانت سُرقت أثناء عمليات تنقيب غير شرعية، في محيط موقع آثار البص إلى الشرق من مدينة صور. وقد حصلت تلك السرقات بين العامين 2011 و2013 وكان تم الكشف عنها بشكل تفصيلي في كتاب للخبيرين كابي أبو سمرا وأندريه لوميير، يتضمن معلومات وصوَرًا عن تلك المسلات المحفور عليها كتابات باللغة الفينيقية، مرتبطة بمدافن لأشخاص من الحقبة الفينيقية، التي تعود لأكثر من ثلاثة آلاف عام.
ولم يستبعد الخبيران في كتابهما الذي صدر في العام 2013 تحت عنوان “مسلات جنائزية فينيقية جديدة” أن تكون عمليات التنقيب والسرقة مستمرة في باحات بعض المنازل المجاورة لموقع آثار البص. وهذه المجموعة التي تُعد الأكبر في التاريخ بعدد المسلات، وثقها الكاتبان بأنها «مجموعة خاصة تعود لـ ج.ع».
صمت وزارة الثقافة
وفي وقت لم تتحرك فيه وزارة الثقافة والمديرية العامة للآثار، رغم معرفتهما بهذه السرقات الكبيرة والهائلة، تقدمت “جمعية الجنوبيون الخضر” بشخص رئيسها الدكتور هشام يونس في العام 2014 بشكوى أمام المدعي العام المالي القاضي علي ابراهيم، ضد «مجهولين»، مرفقة بمعلومات ومعطيات تفصيلية حول هذه المسلات التي تم الاستيلاء عليها، وهي تشكل إرثاً ثقافياً وتاريخياً مهمين ونادرين.
على الرغم من مرور ثماني سنوات على الدعوى المقدمة من الجنوبيون الخضر، إلى المدعي العام المالي القاضي علي إبراهيم، فان أي تطور لم يحصل في هذه القضية، خصوصًا وأن كل الشركاء في هذه العملية معروفون.
ويقول خبراء في الآثار إطلعوا على المعلومات الواردة في متن الكتاب لـ “مناطق نت” إن المسلات الجنائزية المذكورة التي سرقت غير مسجّلة في سجلات وزارة الثقافة، لافتين إلى أن هذه المجموعة النادرة جدًا، لناحية الكتابات الفينيقية المحفورة، تعود إلى آلاف السنين، ويجب استعادتها بأي طريقة، والعمل في التدقيق في الكتابات الفينيقية التي تعتبر إرثاً ثقافياً وإنسانياً وحضاريًا، وتساهم في المزيد من المعلومات عن الحضارة الفينيقية التي احتضنتها مدينة صور المسيجة بالآثار من حقبات فينيقية ورومانية وبيزنطية وإسلامية وغيرها.
ويؤكد الدكتور هشام يونس لـ “مناطق نت” أنه على الرغم من مرور ثماني سنوات على الدعوى المقدمة من الجنوبيون الخضر، إلى المدعي العام المالي القاضي علي إبراهيم، فان أي تطور لم يحصل في هذه القضية، خصوصًا وأن كل الشركاء في هذه العملية معروفون. وكل ما حصل كان صدور قرار قضائي يمنع إخراج هذه المسلات من لبنان.
أهم الاكتشافات الأثرية
وسأل يونس، بعد إعادة المسروقات إلى العراق وسوريا، أين أصبحت قضية المسلات الفينيقية الـ 66 التي سُرقت بالقرب من موقع آثار البص شرق صور، معروفة المكان والاستحواذ، والتي كانت موضع إخبار قدمناه إلى النيابة العامة المالية في أيلول العام 2014 . فهذه السرقة الثقافية موثقة في كتاب صدر العام 2013 ويذكر فيه أن المسلات استخرجت من منطقة موقع البص الأثري خلال أعمال تنقيب سرية (حسب ما ذكر الكتاب) الذي أعده الخبيران كابي أبو سمرا وأندريه لوميير، متناولًا توثيقًا لـ 66 مسلة جنائزية فينقية، ويشير الكاتبان بوضوح وجلاء إلى مجموعة المسلات الستة وستون باعتبارها مجموعة “خاصة” تعود للسيد جواد عدرا صاحب متحف نابو، والذي لا يزال يحتفظ بها، وهي تعد إحدى أهم الاكتشافات الأثرية الفينيقية من المدونات على الإطلاق، بحيث أنها تتجاوز عددًا وأهمية كل ما اكتشف لتاريخ اليوم وفق الكاتبين ومختصون في علم الآثار.
وتشدد نيللي عبود مديرة المختبر الثقافي والباحثة في مجال المتاحف لـ “مناطق نت” على أهمية هذا الملف الذي تتابعه منذ العام 2019 ، بعد إدخال متحف “نابو” ضمن فعاليات ليلة المتاحف، وقد رفعت حينها كتاب استنكار إلى وزارة الثقافة، وطالبت بعدم إعطاء شرعية لهذا المتحف والتحقق من مصدر مجموعاته.
المسلات الستة وستون تعد إحدى أهم الاكتشافات الأثرية الفينيقية من المدونات على الإطلاق، بحيث أنها تتجاوز عددًا وأهمية كل ما اكتشف لتاريخ اليوم
وأضافت بعد تسليم قطع أثرية إلى العراق وسوريا من قبل المتحف ذاته، المطلوب معرفة مصير مجموعة البص – صور، ولا سيما المسلات، التي بقيت معروضة إلى وقت قريب، ثم رفعت من المتحف، مطالبة وزارة الثقافة والمديرية العامة للآثار مصادرة هذه القطع. وهناك سابقة قانونية في هذا السياق.
وتلفت مصادر في المديرية العامة للآثار في لبنان لـ “مناطق نت” أن هناك مساع متواصلة لاستعادة هذه المسلات من متحف “نابو”، دون أن تُفصح عن تفاصيل أخرى.
يُذكر أن أهمية المسلات الجنائزية الفينيقية. وتعبر عن تقليد فينيقي قديم مرتبط بمفهوم الموت والحياة الأخرى لدى الفينيقيين، هو مفهوم غير واضح لعدم توفر المعطيات الكاملة، ويمكن أن توفره المخطوطات الواضحة على المسلات الـ 66 وهو غير متاح في المسلات الأخرى الموجودة في المتحف الوطني ومتحف بيت الدين.