90,000 نازح على أبواب الصيام.. أوضاع صعبة ومبادرات متواضعة
تحت شجرة تساقطت أوراقها، تتسلل من بين أفنانها شمس آذار، جلست مجموعة من النساء النازحات، في أحد مراكز الإيواء في مدينة صور، وقد يمّمن وجوههنّ شطر جنوب الجنوب، ينتظرن توقّف الحرب الإسرائيليّة والعودة إلى قراهنّ وبلداتهنّ.
برغم صعوبة الوضع الحياتيّ، في مراكز الإيواء، هنّ لا يتأفّفن حتّى لا تُخدش المقاومة برأيهنّ، “التي ستكفل عودة كلّ النازحين، بفضل دماء الشهداء والجرحى وأنقاض المنازل” تقول إحداهن .
تسعون ألفًا عدد النازحين جرّاء هذه الحرب التي لم تنتهِ، سيصوم معظم أبناء البلدات والقرى الحدوديّة، بعيدًا عن دورهم وبيوتهم وأرزاقهم وطقوسهم الرمضانيّة القرويّة، التي اعتادوا عليها وتوارثوها عن آبائهم وأجدادهم، لناحية الإفطارات الرمضانيّة العائليّة وتناول فطور “السحور”.
تسعون ألفًا عدد النازحين جرّاء هذه الحرب التي لم تنتهِ، سيصوم معظم أبناء البلدات والقرى الحدوديّة، بعيدًا عن دورهم وبيوتهم وأرزاقهم وطقوسهم الرمضانيّة القرويّة.
مبادرات لتخفيف هم النزوح
كثيرون من هؤلاء النازحين، الموزعين على خمسة مراكز إيواء في صور (حيث سجّل عدد من الولادات الحديثة)، وفي عموم مناطق الجنوب والجبل وبيروت، يحاولون التخفيف من وطأة النزوح، فيما يعتبره آخرون، في داخل صدورهم، أنّه يساوي الموت، بسبب انسلاخهم قسرًا عن بلداتهم وقراهم، إذ كانوا يلتحفون سماءها في البرد والشمس .
تتعدّد المبادرات تجاه النازحين بعدما فقد الآلاف منهم بيوتهم، إذ سوّتها طائرات جيش الإحتلال الإسرائيلي بالأرض، ولسان حالهم يردّد عبارات “حسبي الله ونعم الوكيل” و”الله بيعوّض”، و”المهمّ نرجع على ضيَعنا ونجلس على ترابها وحجارها”. من تلك المبادرات دعم مادي من قبل حزب الله، عبارة عن مبلغ مئة دولار شهريًّا لكلّ عائلة نازحة، على امتداد أماكن النزوح، تضاف إليها حصص غذائيّة شهريّة، والمساهمة في دفع بدلات إيجار للعائلات النازحة، قيمتها ألف دولار عن كلّ ثلاثة أشهر، وبدلات كاملة للذين دُمرت منازلهم بالكامل، أو أصبحت غير صالحة للسكن، تحت عنوان “بدل إيواء”.
كذلك يقوم مجلس الجنوب بتأمين سلّة غذائيّة شهريًّا، ومادّة المازوت لمراكز الإيواء وغيرها من الاحتياجات، إلى جانب مساهمات منظمة “اليونيسيف” وجمعيّات دوليّة ومحلّيّة أخرى، في محاولة للتخفيف من معاناة النازحين.
“نحنّ إلى حواكيرنا”
نزحت فاطمة عبدالله، مع عائلتها المؤلّفة من زوجها وأولادها الثلاثة، من بلدة عيترون، إلى منطقة صور، ومضى على نزوحهم خمسة أشهر كاملة.
تقول فاطمة بصوت متهدّج: “نزحنا من عيترون مع الأيّام الاولى للعدوان الإسرائيلي، لأنّ مقوّمات العيش صارت صعبة ومستحيلة في البلدة”، مؤكّدة لـ”مناطق نت” أن “مشاكل النزوح لا تعدّ أو تحصى، بالدرجة الأولى هو ابتعادنا مرغمين عن منازلنا وحواكيرنا، التي كنا نزرعها ونستلذ بطعم ما تنتجه من خضار، إضافة إلى مشاكل السكن، حيث لا نملك الادوات المطبخيّة الكافية للطبخ”. وتأمل أن تنتهي الحرب “كي نعود إلى بلدتنا وبيوتنا”.
وعن ظروف صوم شهر رمضان في ظلّ النزوح المستمرّ، تقول فاطمة: “أكان في شهر رمضان الفضيل أو غيره، إنّ الصعوبات واحدة، وهذا الشهر هو شهر مبارك وكريم”.
“ليس لنا إلّا الصبر”
نزح ابن بلدة الضهيرة، المختار فادي السويد، عن الضهيرة، مع القسم الأكبر من أهلها، لكنّه لم ينقطع عن تفقّدها وزيارتها، وحتى عن زراعة مشاتل التبغ، على أمل أن يزرعها قريبًا. يؤكّد السويد، “أنّ النازحين من قريتنا، قرية المواجهة، هم كغيرهم من النازحين من أهلنا في الجنوب، ولهم أسوة بهم في السرّاء والضرّاء”.
ويشير السويد، إلى أنّ اعدادًا كبيرة من أهالي البلدة، متواجدون في مركز إيواء في محيط البرج الشمالي قرب صور، “نواصل متابعة أوضاعهم وتأمين ما تيسّر لمساعدتهم عبر جهات عديدة، تزوّد النازحين البعيدين عن بيوتهم وزرعهم ومواشيهم”.
فادي السويد: إنّ اعدادًا كبيرة من أهالي البلدة، متواجدون في مركز إيواء في محيط البرج الشمالي قرب صور، نواصل متابعة أوضاعهم وتأمين ما تيسّر لمساعدتهم عبر جهات عديدة، تزوّد النازحين البعيدين عن بيوتهم وزرعهم ومواشيهم.
ويضيف لـ”مناطق نت”: “ليس لنا إلّا الصبر في هذه الظروف، سواء في هذا الشهر المبارك، أو في غيره من الشهور، التي مرّت وقد تمرّ على أهلنا، الذين لم يبخلوا في بذل أرواحهم دفاعًا عن الجنوب”، متمنّيًا على “كلّ المؤسّسات الرسميّة والجمعيّات، مد يد العون إلى جميع النازحين، خصوصًا في هذا الشهر، شهر الصيام، نظرًا لمتطلّباته المعيشيّة الكبيرة”.
احتياجات ملحّة لجميع النازحين
لجأ مصطفى السيّد برفقة ما يزيد على عشرة أفراد من عائلته ووالدته، من بلدته بيت ليف، إلى منطقة صور، وتحديدًا إلى أحد مركزي إيواء في المدينة .
يعاني السيّد كغيره من النازحين في مركز الإيواء، الذي لم يعدّ أصلًا لمثل هذه الحالات، ولم يبنَ لاستقبال عائلات نازحة، لإنّه معهد فنّيّ رسميّ.
يقول السيّد: “هناك احتياجات ملحّة في هذه الفترة، خصوصًا للأطفال والأولاد، وعلى رأسها حليب الاطفال والحفاضات وغيرهما من الاحتياجات الضروريّة”، مضيفًا: “نأمل تأمين هذه المتطلبات لجميع النازحين، وتحديدًا في مراكز الإيواء، مع حلول شهر رمضان المبارك”.
ويضيف لـ” مناطق نت “أن إدارة الكوارث في إتّحاد بلديّات صور، لم تقصّر معنا منذ نزوحنا إلى هذا المكان، وهي تسعى وتعمل جاهدة لتأمين احتياجاتنا، عبر مؤسّسات حكوميّة ومنظّمات وجمعيّات”.
الأولويّة للعودة
ويتابع مصطفى السيّد “إنّ الأولويّة عند جميع النازحين هي العودة إلى بيوتهم وأرزاقهم وجنى أعمارهم”.
إلى جانب حصول النازحين في مراكز الإيواء على ثلاث وجبات طعام يوميّة من مؤسّسات إغاثيّة، يحظى النازحون برعايات صحّيّة وعمليّات دعم نفسيّ خصوصًا للأطفال، تتولّاها جمعيّات محلّيّة ودوليّة .
يؤكّد عضو الهيئة الإداريّة في “مؤسّسة عامل الدولية” الدكتور درويش شغري، الذي يعاين المرضى في مراكز الإيواء والبلدات التي لا يوجد فيها مستوصفات صحّيّة، “أنّ المؤسّسة لديها عيادة نقّالة، وتعاين فرقها بين 30 إلى 40 حالة يوميًّا، وتقديم الأدوية اللازمة مجّانًا إضافة إلى تحاليل مخبريّة، إلى جانب وجود قابلة قانونيّة ومرشدة اجتماعيّة”.