البحث عن طفل غاليانو ومؤتمر الطفولة في عمان

قمر غصن – عمان

“أتناول العشاء مع نيكول وأدوم. تتحدث نيكول عن نحات من معارفها، موهوب جدا ومشهور. يشتغل النحات في مرسم شاسع، ويحيط به أطفال. فكل أطفال الحي أصدقاء له.
في أحد الأيام كلفته المحافظة بنحت حصان كبير ليوضع في إحدى ساحات المدينة. وأحضرت شاحنة كتلة الغرانيت الضخمة إلى المرسم وشرع النحات في نحته بالمطرقة والأزميل، معتليا سلما. وكان الأطفال ينظرون إليه وهو يعمل.
ثم ذهب الأطفال في عطلة، بعضهم إلى الجبال، وبعضهم إلى البحر. وعند عودتهم، أراهم النحات الحصان الذي انتهى من نحته. فسأله أحد الأطفال بعينين مفتوحتين على أشدهما:
– لكن.. كيف عرفت أن داخل تلك الصخرة كان يوجد حصان؟”.

عندما كنتُ في عمان أحضر “المؤتمر الدولي للطفل” تذكرت هذه الرائعة التي كتبها الروائي والشاعر الأرغواني إدواردو غاليانو، ليس ما يهمني، دهشة الطفل على ألقها الباهر، إنما الأهم عندي، هو دهشتي أو دهشتنا بالسؤال البريء، السؤال الذي يعيد ترتيب أشياء الوجود إلى بساطتها الأولى، بفلسفة مصنوعة من كلمات معدودة وأفكار صغيرة.

أول ما يتبادر إلى الذهن، أننا تحت أعين أطفالنا، لديهم كاميرا خارقة تلتقط فينا مشاهد أبعد من مجال رؤيتنا، ولديهم أيضا نظام خاص لتفسيرنا، وأفكار استثنائية لفهمنا، ما بين الطفولة وما بعدها، هناك علاقة معقدة، يتم فيها اختصار الحاضر ومن ثم تخزينه إلى مستقبل.

الحديث عن الطفل، ليس حديثا عن كائنات صغيرة، يمكن التلاعب بها أو إلهاؤها، إنما هو استشراف يتجاوز بأبعاده كل هذا، هو إعادة تأهيل الانسانية وتجديد انتاج شروط وجودها واستمرارها بطريقة تحفظ البشرية وتساعدها على ممارسة حياتها في ظروف سليمة وهانئة.

طفل غاليانو، ذكّرني بالطفل العربي، والسؤال، ما الذي يراه هذا الطفل فينا؟ كيف يفسّر أفعالنا وأعمالنا، ما هي الاشياء التي يحار فيها فينا، هل تسيطر عليه مشاهدنا ونحن ننحت الصخر تماثيل، أو نرسم، أو نرقص أو نغني أو ننشد أشعارا، هل تركنا له مثل هذه المساحات، ليسألنا، مثل ذاك الطفل.

لا نحتاج إلى ارقام من إحصاءات المنظمات الدولية، لنطل على كآبة مشهد الطفولة في بلداننا العربية، يكفي ما نعلمه من تدني مستويات المعيشية للأسر في جميع البلدان العربية، وضريبة الفقر يقتطع معظمها مباشرة من ترفيه الطفل وتعليمه وعصر حقوقه، ويكفي أيضا ما نعلمه من تخلف تشريعاتنا وقوانينا عن حماية هذا الكائن والدفاع عن حقوقه، وكذلك انصراف مجتمعاتنا ودولنا إلى مشاكل أخرى وتلهيها في صراعات سياسية وعسكرية تلتهم وقتها مكرسة جهودها في أمور بعيدة كل البعد عن هموم الطفولة وأحوالها.

لكن مع هذا لا بد من أن نذكر بشرائع ومواثيق دولية هي حق لأطفالنا على دولنا ومجتمعاتنا:

“تنص إتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل أنّ مصلحة الطفل هي فوق كل اعتبار، وذات أولوية وأفضلية في جميع الظروف ومهما كانت مصالح الآخرين، يحق للطفل التمتع بطفولة سعيدة ينعم فيها، ويكون محمياً من جميع الجهات ولديه المقوّمات التي تؤمّن له حياة سعيده، ولكل طفل بلا استثناء الحق في أن يتمتع بكامل حقوقه دون أي تفريق أو تمييز بسبب اللون أو الجنس أو الدين، أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الثروة أو النسب أو أي وضع آخر يكون له أو لأسرته.

“يجب أن يتمتع الطفل بحماية خاصة وأن تُمنح له الفرص والتسهيلات اللازمة لنموه الجسمي والعقلي والخلقي والروحي والاجتماعي نمواً طبيعياً سليماً في جو من الحرية والكرامة. للطفل الحق في اسم وجنسية وهوية للحصول على الحماية القانونية.

“يجب أن يتمتع الطفل بالحماية من جميع صور الإهمال والقسوة والاستغلال ولا يجوز استخدام الطفل قبل بلوغه سن الرشد ويحظر في جميع الأحوال حمله على العمل أو تركه يعمل في أية مهنة أو صنعة تؤذي صحته أو تعليمه أو تعرقل نموه الجسمي أو العقلي أو الخلقي”.

السؤال: أين الطفل العربي من هذا؟ ولماذا يصم العالم آذانه ويغمض عيونه لما يحصل لاطفال العالم العربي؟

المنظمون

كان المؤتمر الذي دُعيت إليه، انعقد انطلاقاً  وإيماناً بحق الطفل العربي في الحياة وتحت شعار “حقي”، وعُقد في العاصمة الأردنية عمان، تحت عنوان “المؤتمر الدولي للطفل” بنسخته الأولى، وقام بتنظيمه مركز البادية الجنوبي للتدريب والعمل والتوعية، وبالتعاون مع مركز «راجع» للعمل الوطني. المؤتمر كان برعاية وزارة الداخلية الأردنية وشاركت فيه خمس عشرة دولة عربية.

كان المؤتمر مناسبة للإطلالة على حال الطفولة في بلداننا، وقد أكدت كلمة المنظمين أن المؤتمر هو امتداد لمنظومة العمل الفكري والإنساني التي ترتكز على حقوق الطفل، وتحدثوا عن واقع الطفل العربي في ظل النزاع والصراع الدائر في العديد من البلدان العربية.

بعد كلمة المنظمين توالت كلمات الوفود حيث تحدث الوفد العراقي عن واقع الطفولة المتردي في العراق، وافتقار الطفل العراقي إلى أبسط حقوقه وأكد أن العراق يمرض ولا يموت وأنهم من الداعمين للمؤتمر وكل ما يحمله من تطوير لواقع الطفل، وسجل الوفد الفلسطيني حضوراً قوياً من الاراضي الفلسطنية كافة وأعرب عن شكره للمجهود الذي قام به منظمو المؤتمر لحضورهم هذا الحدث، وتطرق الوفد إلى موضوع الاعتقالات والاضطهادات التي تُمارس بحق الطفل الفلسطيني من قبل العدو، وأشار إلى وجود أعداد كبيرة من الأطفال داخل السجون الاسرائيلية.

من جهته أطلق الوفد الكويتي مبادرة سميت بمبادرة “عون” لدعم أطفال فلسطين وأطفال غزة على وجه التحديد في الظروف التي يفرضها العدوان عليهم.

المؤتمر الذي استمر لثلاثة أيام تخللته مداخلة لوالد الأسيرة  (حاليا المحررة) عهد التميمي الذي شكر الوفود على دعمهم لقضية ابنته.

اختتم المؤتمر بمجموعة من التوصيات التي تقدّم بها المشاركون في المؤتمر واختتم بزيارة إلى مخيم غزة للاجئين، حيث عاينت الوفود وضع الأطفال في المخيمات الذين كانت مشاركتهم في المؤتمر من خلال رسم لوحة “المحبة والسلام” بمبادرة من الوفد السعودي.

يبقى “المؤتمر الدولي للطفل” الذي انعقد في عمان بمثابة علامة مضيئة في واقع الطفولة المظلم الذي يعيشه قسم كبير من أطفال العالم العربي، وهو يشكل نموذجاً يحتذى في تسليط الضوء على قضايا الطفولة، لكنها تبقى عاجزة عن فعل أي شيء عندما تلامس تلك الأرقام المخيفة التي تتحدث عنها تقارير الأمم المتحدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى