مركز المطالعة في صور يفتقد التمويل ووزارة الثقافة

في معرض حديثه عن الكتابة والقراءة وصف الروائيّ والطبيب النفسيّ الألمانيّ ألفريد دوبلن علاقته بالقراءة على الشكل الآتي: “أنا أقرأ مثلما يقرأ اللهب الخشب”، معادلة تتقاطع مع معادلة الشاعر والناقد الأرجنتينيّ خورخي لويس بورخيس الذي تهيّأ الفردوس على شكل مكتبة، وكلا المعادلتين الأدبيّتين تحيلاننا إلى موقعنا كبشر أوّلًا على خارطة القراءة واقتناء الكتب عمومًا وموقعنا كلبنانيّين خصوصًا، وسط أزمات متتالية بدأت اقتصاديًّا في تشرين الأوّل (أكتوبر) 2019 وتطوّرت لتصبح عسكريّة أمنيّة بدءًا من تشرين الأوّل 2023 وصولًا إلى حرب اسرائيل السابعة على لبنان في أيلول (سبتمبر) 2024.

ولأنّ صور المدينة الجنوبيّة المصنّفة كواحدة من أهمّ المدن السياحيّة على خارطة التراث والسياحة العالميّين نالت نصيبًا كبيرًا من العدوان الإسرائيليّ على مرافقها السياحيّة والمدنيّة والتجاريّة والثقافيّة، كان لا بدّ من تسليط الضوء على “مركز المطالعة والتنشيط الثقافيّ” وهو واحد من أهمّ المرافق الثقافيّة في المدينة وآخر البقع الثقافيّة التي تتيح لعامّة الناس والمهتمّين بالكتب وعوالمها التردّد باستمرار وممارسة النشاطات المتنوّعة بصيغة مجّانيّة.

حكاية المركز والصعوبات

يروي أمين مركز المطالعة والتنشيط الثقافيّ في مدينة صور الدكتور إسماعيل شرف الدين لـ” مناطق نت” حكاية تأسيس المركز في لبنان وفروعه وبداية تنفيذ الفكرة في مدينة صور، “ففي أواخر العام 2000 اجتمع ممثّلو الوكالة الدوليّة الفرنكوفونيّة بممثلّي وزارة الثقافة اللبنانيّة، ووضعوا خطّة هدفها فتح مراكز مطالعة في لبنان لتتحوّل الخطّة لاحقًا إلى اتفاقيّة بين الطرفيْن”.

أمين مركز المطالعة والتنشيط الثقافيّ في مدينة صور الدكتور إسماعيل شرف الدين

ويضيف شرف الدين أنّ “العام 2006 شهد انضمام بلديّة صور إلى الاتفاقيّة كطرف ثالث وذلك في عهد وزير الثقافة آنذاك طارق متري، تزامن ذلك مع بدء مشروع الإرث الثقافيّ في المدينة وترميم قصر المملوك الذي يعرف الآن باسم بيت المدينة ليتمّ بعدها اختيار جزء من القصر ومحيطه كمكان مناسب لافتتاح المكتبة فحدث في تشرين الثاني (نوفمبر) العام 2007 برعاية الوزير طارق متري وحضور مدير عام وزارة الثقافة آنذاك عمر حلبلب”.

أمّا في ما يتعلّق بتجهيزات المكتبة يشير شرف الدين إلى أنّ “الطرف الأساسيّ هو جمعيّة فرنسيّة تحمل اسم “provence alpes cote d’azur cobiac” تنضوي تحت لوائها مؤسّسات مركز المطالعة والتنشيط الثقافيّCLAC “. ويؤكّد شرف الدين “أنّ المكتبة مفتوحة لجميع الناس دون تمييز دينيّ أو عرقيّ أو عنصريّ أو جنسيّ وتستهدف بنشاطاتها جميع الفئات العمريّة بدءًا من السنّ الذي يراوح بين أربعة أو خمسة أعوام وما فوق، وأنّ جميع الخدمات التي يقدّمها المركز مجّانيّة”.

الحاجة إلى مركز أوسع

يشير شرف الدين إلى أنّ “المركز منذ دخول لبنان في عمق الأزمة الاقتصاديّة العام 2019 أصابته حال من الجمود، إذ إنّ تدهور الأحوال المعيشيّة والاقتصاديّة للبنانيّين وللصوريّين تحديدًا حالت دون الاهتمام بالقراءة مقارنة مع الأعوام السابقة”. ويضيف أنّ “المركز بات بحاجة إلى كثير من الاهتمام والدعم خصوصًا وسط عجز بلديّة صور، كباقي البلديّات، عن تقديم الدعم المادّي للمركز، بالاضافة إلى غياب دور وزارة الثقافة في الأعوام الأخيرة”.

شرف الدين: المكتبة بحاجة إلى تزويد دوريّ بالاصدارات الحديثة، وتخصيص تمويل رسميّ خصوصًا بعد غياب المقدّم من قبل قوّات الطوارىء الدوليّة

ويرى الدكتور اسماعيل شرف الدين أنّ “المكتبة بحاجة إلى تزويد دوريّ بالاصدارات الحديثة، وتخصيص تمويل رسميّ خصوصًا بعد غياب المقدّم من قبل قوّات الطوارىء الدوليّة، دون أن ننسى تبرّعات المتردّدين على المكتبة وبعض الكتّاب مثل الروائي اللبنانيّ الفرونكوفونيّ شريف مجدلاني وعائلة الكاتب والمسرحيّ الراحل غازي قهوجي التي تبرعت بمكتبة الراحل كاملة، ووفقًا لشرف الدين فإنّ المكتبة بحاجة إلى مقرّ أكبر من ناحية المساحة بهدف تكثيف النشاطات وزيادة عدد الإصدارات لا سيّما وأنّ الإقبال على القراءة بدأ يتراجع تدريجًا على الصعيد العالميّ بسبب غزو التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعيّ”.

آخر معقل للقرّاء بصُور

تخبر زينب حايك من صور (70 عامًا) “مناطق نت” عن تجربتها مع المكتبة التي بدأت منذ افتتاحها العام 2007، فبعد احالتها إلى التقاعد من قبل إحدى المؤسّسات الحكوميّة اللبنانيّة، كانت تتردّد باستمرار إلى المركز عصرًا لقراءة الكتب، وخلال فترة عملها الروتينيّ في إحدى المؤسّسات الحكوميّة كانت ترى في مركز المطالعة والتنشيط الثقافيّ متنفّسًا لها، “فالمركز الذي يحتوي على عدد ضخم من الكتب العربيّة والفرنسيّة والانجليزيّة يشكّل عالمًا قائمًا بحدّ ذاته يمكّن المرء الهرب من المشكلات اليوميّة والتحدّيات الصعبة التي يعيشها المواطن اللبناني”. وتضيف بأسى أنّ “المركز حاليًّا أصبح كالعجوز الذي يفقد من صلابة مناعته وسط تراجع الإقبال عليه، وشحّ النشاطات الثقافيّة مقارنة بالأعوام السابقة، وغياب الإصدارات الحديثة”.

مركز المطالعة والتنشيط الثقافي في صُور

في المقابل، تروي حنان صالح (25 سنة – من سكان صور حي الرمل) لـ “مناطق نت” عن المواعيد التي تضربها لأصدقائها في المكتبة، إذ تتّفق مع صديقتيها المقرّبتين على اللقاء كلّ يوم بعد انتهاء دوام العمل، بعد أن يجمعن على اختيار كتاب لقراءته ومناقشته خلال الشهر، وتشير عبير إلى أنّ “أمين المكتبة يحترم وبشدّة نظام المكتبة ويحرص على الحفاظ على قواعد الجلوس والاستفادة من الصرح الثقافيّ” الذي يعدّ وفقًا لعبير وصديقتيها آخر معقل للقرّاء.

أمّا هيثم قصير من سكان صور (21 سنة) فيقول لـ “مناطق نت”: “إنّ مركز المطالعة والتنشيط الثقافيّ هو ما حفّزني على الانخراط في عالم القراءة، فبعدما كان تجوالي في السنة الجامعيّة الأولى يصادف أن أعبر من أمام المركز، شدني الفضول للدخول ووجدت عالمي. وبعد أن كنت أتردّد على المركز لاتمام واجباتي الجامعيّة أو البحث عن مناخ لدراسة مقرّرات الهندسة وإنجاز الأوراق البحثيّة المطلوبة اعتمادًا على عدد من المراجع الموجودة في المكتبة، تحوّلت علاقتي بالمركز إلى علاقة فرد ببيته، إذ بدأت أقرأ كتبًا في السياسة والعلوم والفلسفة وأجري في بعض الأحيان مناقشات مع أمين المكتبة الذي بات لا يتردّد عن نصحي وتقديم مقترحات لي بعد أن صارت بيننا صداقة”.

يمرّ مركز المطالعة والتنشيط الثقافيّ في مدينة صور بسلسلة تحدّيات تفرضها العوامل الخارجيّة والمتغيّرات المحلّيّة في لبنان والعالميّة، ليكون كلام الدكتور اسماعيل شرف الدين وبعض المتردّدين إلى المكتبة بمثابة إخبار ثقافيّ إلى وزارة الثقافة اللبنانيّة كي تهتمّ بهذا الصرح عبر توفير الدعم والظروف المناسبة للتنشيط الثقافيّ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى