من يقصي المرأة والشباب عن بلديّات بعلبك الهرمل؟

بعد مرور تسع سنوات على آخر انتخابات بلديّة واختيارية العام2016 ، ها هي عجلتها تعود إلى الدوران من جديد، ينطلق قطارها مطلع شهر أيّار (مايو) المقبل، ترتفع الشعارات والبرامج، لكن ثمّة واقع مرير، بل ربّما يزداد سوءًا وقتامة، ولا سيّما في ما يتعلّق بتمثيل النساء والشباب، وسط تغييب تامّ، وإقصاءٍ متعمَّد عن المشاركة الفاعلة ترشيحًا واقتراعًا.
يندر من أصل 63 بلديّة في محافظة بعلبك الهرمل (12 منها منحلَّة)، وجود عنصر نسائيّ أو شبابيّ في أيّ منها، فقط، حصلت سابقة خلال انتخابات العام 2016، في بلدة عرسال، تمَثّلت بوصول السيدة ريما كرنبي إلى المجلس البلديّ، وحيازتها المركز الأوّل بين الفائزين، ومن ثمّ جرى انتخابها نائبةً للرئيس مدّة ثلاث سنوات. أمّا البلديّات الأخرى فشهدت غالبيّتها غياب عنصريّ المرأة والشباب.
تغيير يلامس بعلبك المدينة؟
وتتحضّر القوى السياسيّة في المحافظة الأكبر في لبنان، بمختلف أطيافها وتلاوينها، كي تخوض الانتخابات المقبلة وفق أجنداتها وأهدافها الخاصّة، إذ تسعى جميعها إلى تحقيق الربح السياسيّ، إن كان عبر التزكية المسقَطَة، أو عبر معاركٍ انتخابّية؛ لكنّ الغريب أن تتقاطع كلّ هذه القوى وتتّفق بسحر ساحرٍ على إهمال تمثيل النساء والشباب في البلديّات، وعدم منحه أدنى أهمّيّة.

كأنّ مدينة الشمس بعلبك يتيمة بلا بلديّة، تفتقد لأدنى مقَوِّمات المدن السياحيّة، ومجد تاريخها وعراقتها بات في كتب التاريخ فقط. اليوم، وعشيّة أيّام قاياة من فتح باب الترشيح في البقاع الشماليّ، يراهن كثيرون على تغيير المشهد القائم، وقلبِه لصالح التمثيل الوازن نحو النساء والشباب، على رغم المعارضة الضمنيّة للقوى السياسيّة الحزبيّة.
فقد أطلق تحالف المجتمع المدنيّ وقوى التغيير، معركة تثبيت الحرّيّة والديمقراطيّة، رافضين التزكية التي تسقط بالباراشوت (مظلّة هبوط)، بحسب مرشّحهم محمود الجمّال الذي أوضح أنّ “التزكية لم يعد لها وجود، سنفرض معركة انتخابيّة حرَّة ديمقراطيّة نزيهة، يقول فيها المواطن كلمته، ويختار ممثّليه”. يتابع الجمّال لـ “مناطق نت”: “إنَّ لائحة قوى التغيير ستكون مكتملة، وسيشكّل الشباب والنساء ركنًّا أساسيًّا فيها، إلى مرشّحين من ذوي الخبرة، وأصحاب الكفّ النظيف”.
ويلفت الجمّال إلى “ضرورة تواجد عنصر الشباب في البلديّة المقبلة، فهم حمَلَة الفكر التطويريّ الحداثويّ، يُعيدون إلى المدينة بريقها، مهرجاناتها الفنّيّة، حيويّتها الاجتماعيّة، ويضعون خطط تنميتها الفاعلة، بعيدًا من المصالح الحزبيّة المُسقَطة على المدينة من خارجها، وبعيدًا من عصبيّة العائلات والحسابات الشخصيّة الضيّقة”.
ترشيح المرأة ليس ترفًا
تتعالى الأصوات وترتفع، من المنظّمات الحقوقّية والجمعيّات النسويّة، إلى قوى المجتمع المدنيّ، والناشطات، كلّها تنادي بضرورة مشاركة النساء في الحياة السياسيّة وصناعة القرار، بخاصّة في البلديّات كإدارة محلّيّة.
صلح: يبقى الأهمّ أن تؤمن المرأة البعلبكية بنفسها عندما تقرّر أنّ صوتها له وزن، وأنّها قادرة أن تكون وبجدارة بين صنّاع القرار، من هنا تبدأ معركتها الحقيقيّة
إنّ مشاركة المرأة الفاعلة في الانتخابات المقبلة، بحسب الباحثة الاجتماعيّة والناشطة السياسيّة ديما حسين صلح، “أكثر من ضروريّة”. تقول لـ “مناطق نت”: “إنّ ترشيح المرأة في الانتخابات البلديّة والاختياريّة المقبلة ليس ترفًا ولا خيارًا هامشيًّا، بل ضرورة لإحداث تغيير حقيقيّ في بنية القرار المحلّيّ، فالمرأة أثبتت حضورها في جميع المجالات، من التربية إلى العمل الاجتماعيّ والسياسيّ، فلماذا يُستثنى صوتها من طاولة القرار؟ في مدينة مثل بعلبك، حيث التحدّيات الإنمائيّة والاجتماعيّة معقّدة، لذا لا يمكن تجاوز نصف المجتمع إذا أردنا بناء مستقبل متوازن. إنّ تمثيل المرأة ضرورة وطنيّة، وليس مجرّد استحقاق شكليّ”.
وردًّا على سؤال حول “الكوتا” النسائيّة في البلديّات، هل هي ضرورة أم لا؟ تجيب صلح: “نعم وبكلّ وضوح، الكوتا النسائيّة اليوم هي أداة مرحليّة لضمان الحدّ الأدنى من التمثيل العادل للنساء، في ظلّ ثقافة سياسيّة ما زالت تهمّش المرأة وتقصيها. في بعلبك، كما في كثير من المناطق اللبنانيّة، ما زالت العوائق الذهنيّة والاجتماعيّة تمنع النساء من الوصول إلى مواقع القرار، على رغم كفاءتهنّ. الكوتا ليست استثناءً، بل خطوة إصلاحيّة موّقتة تهدف إلى تصحيح خلل بنيويّ عمره عقود. عندما تُكسر الحواجز وتُعطى المرأة الفرصة، ستكون نتائج المجالس أكثر عدالة وفعاليّة”.
العشائرية والخطاب الدينيّ
أمّا حول الواقع الحاليّ للمرأة في بعلبك المدينة، ترى صلح “التحدّي مضاعفًا، فالمرأة البعلبكيّة تعيش ضمن بيئة يغلب عليها الطابع العشائريّ، حيث العمل في الشأن العام، وبخاصّة السياسيّ، حكرًا على الرجال. لذلك فإنّ تمكين المرأة هنا يتطلّب أوّلًا كسر الحواجز الذهنيّة داخل المجتمع نفسه، من خلال التوعية، وتعزيز دور التعليم، وتمكين الفتيات منذ الصغر كيّ يكنّ صاحبات رأي ومسؤوليّة”.
تتابع صلح: “نحتاج إلى تغيير في بنية الخطاب الدينيّ والسياسيّ في المنطقة، بحيث لا يُستخدم كأداة لتكريس الإقصاء، بل كمساحة لفتح الأبواب أمام مشاركة النساء. الدعم العائليّ والعشائريّ بعلبك ما زال أساسيًّا، ولذلك فإنّ أيّ مرشحة تحتاج إلى احتضان اجتماعيّ واضح ودعم سياسيّ فعليّ”. و”يبقى الأهمّ أن تؤمن المرأة البعلبكية بنفسها. عندما تقرّر أنّ صوتها له وزن، وأنّها قادرة أن تكون وبجدارة بين صنّاع القرار، من هنا تبدأ معركتها الحقيقيّة” تختم صلح.

من جهتها وصفت ريما كرنبي، نائبة رئيس بلديّة عرسال السابقة، في حديث لـ “مناطق نت” تجربتها بالناجحة جدًّا، فأشارت إلى أنَّ “دخول البلديّة فتح لها أفاقًا كثيرة للحركة والنشاط، باتت قدرتها على العمل أكبر وأكثر سهولة”. ولفتت إلى “الدعم الكبير الذي لاقته من الجميع، من جميع أطياف المجتمع”. أمّا بعض الإشكالات والمناكفات التي حصلت داخل البلديّة، فوضعتها كرنبي في “خانة الغيرة وشخصنة الأمور، وهو أمر طبيعيّ”، لافتةً إلى تواصلها مع سيّدات كثيرات أبدين رغبتهنّ في خوض غمار الانتخابات القادمة والوصول إلى البلديّة، وهي ستبادر إلى إعادة الترشيح في حال أحجمت السيّدات عن ذلك.
الشباب وشجاعة القرار
من يعرف أعداد المتخرّجين اللبنانيين في الجامعات والمعاهد وفي الإغتراب، ثمّ يفتّش في مراكز القرار والسلطة، يصاب بالذهول، على رغم أنَّ خطابات المسؤولين توحي بأنّ سهرهم دائم على مصالح الشباب.
بادر مهنّد محي الدين البالغ 35 عامًا، ابن بلدة الفاكهة– الجديدة، رفقة عدد من شبّان بلدته، إلى إطلاق تجربة جديدة في العمل البلديّ، مغايرة للتجارب السابقة التي كانت تنتهي بفرط عقد البلديّة أكثر من مرّة.
يصف مهنّد في حديث لـ “مناطق نت” تشكيل لائحتهم “بالثورة الكاملة على تجاذبات الماضي” ويقول: “مللنا ترداد شعارات العيش المشترك، والعمل عكسها في الواقع، بلدتنا تضمّ أخوين توأمين لا ينفصلان، واحد مسيحيّ وآخر مسلم، هي شراكة جميلة صنعها الله، ليست من انتاج اللوائح الانتخابيّة، تنتهي بعد ظهور النتائج لتبدأ معركة الرئاسة، من يحقّ له ومن لا يحقّ ونعود إلى بلديّة منحلَّة من جديد”.
يؤكّد محي الدين أنّ لائحتهم (قيد التشكيل): “شبابيّة بامتياز، نسعى من خلالها إلى تقديم نموذج يجمع بين العلم والمعرفة والخبرة، لائحة تضمّ مختلف مكوّنات البلدة، والرئاسة مداورة ومناصفة بين الأخوين المسلم والمسيحيّ، وفي حال نجاحها لن أبقى دقيقة واحدة بعد ثلاث سنوات، سأبادر إلى الاستقالة وانتخاب شريكي، وسأعمل إلى جانبه حتّى الدقيقة الأخيرة” أمّا في خصوص ترشيح السيدات فيؤكّد محي الدين :” لن ننتظر مبادرتهنّ إلى الترشّح، بادرنا إلى تشجيعهنّ في الترشيح، فبنات بلدتنا تفوّقّنَ على أبنائها في العلم والمعرفة، ومن واجبهنَّ المشاركة في الحياة السياسيّة وصناعة القرار، ندعوهنَّ للميدان والتأثير الإيجابيّ لأجل بلدتنا”.
محي الدين: لائحتنا شبابيّة بامتياز، نسعى من خلالها إلى تقديم نموذج يجمع بين العلم والمعرفة والخبرة، وفي حال نجاحها لن أبقى دقيقة واحدة بعد ثلاث سنوات، سأبادر إلى الاستقالة وانتخاب شريكي
“عودة الطبّاخين القدامى”
من جهته يرى عضو لجنة التخطيط الاستراتيجيّ في كشَّاف لبنان، الناشط الشبابيّ محمّد الحجيريّ، ابن بلدة عرسال، يرى أنَّ “فشل البلديّات السابقة، رسّخ لديَّ قناعة، بأنّ الوسيلة الوحيدة للمحاسبة الفعليّة، هي صندوقة الاقتراع، آلية الانتخاب الصحيحة هي الطريق الوحيد لوصول من يعمل لأجل المصلحة العامّة بصدق وضمير، لكنّ هذا مرهون بالاختيار السليم”.
ويتابع الحجيريّ في حديث لـ “مناطق نت”: “عند كلّ استحقاق ومحطة انتخابيّة، نرى ونسمع موشّحات جلد المجلس السابق، يبدأ النقيق واكتشاف المشاكل والتقصير، نخترع مؤامرات، نلعن الظروف السياسيّة الصعبة المحيطة بنا، ثمَّ نبدأ برسم أجمل صورة للمجلس القادم، قطار التنمية السريع، سيعبر بنا إلى بلديّة المؤسّسة الناجحة، الفاعلة إداريًّا وتنظيميًّا، ثمَّ يعود “الطباخون” إلى طبخهم المكرّر منذ 27 سنة، بذات الوصفة، وصفة “الديوك” التي تحفظ هيبة العائلة وسمعتها، طبعا يستثنون في طبخهم جيل الشباب، كما يستثنون المرأة، فالشباب عودهم طري! بلا خبرة، والمرأة لها بيتها بحسب زعمهم”.
إنّ نجاح مشاركة الشباب في العمل البلديّ، مضمون بحسب محمّد الذي أشار إلى أنّ “في بلدتنا كثير من الكفاءات العلميّة والعمليّة الشابّة، وكثير من العقول المثقّفة، قادرة على اعتماد منهجيّات علميّة تستطيع استيلاد مشاريع حيويّة ضروريّة، والأهمّ إدارتها بطريقة شفّافة واضحة، تعود بالفائدة على الجميع”.
“مللنا ثقافة الديوك”
يعتذر الحجيري على “صراحتي، لكنّ الحقائق يجب أن تُقال كما هي، وبدون مجاملة أو مواربة لأنني مثل كلّ فردٍ من هذه البلدة، أحلم بمجلس بلديّ متخصّص في إدارة شؤون الناس، بعيدًا من منطق الوجاهة، والتحاصص العائليّ السلبيّ. لقد سقط منطق “الديوك” إلى غير رجعة، ولتتسابق العائلات إلى ترشيح الكفاءات، ورفد البلديّة بالقادرين على النجاح في العمل العامّ، نعرفهم جميعًا. من جهتي سأشارك بالتأكيد، وسأعمل مع أصدقائي على مساندة القادرين على لملمة جراح البلدة والبلديّة، فالناس أصابها الملل من الوعود والخيبات، وبخاصة من ثقافة الديوك”.
يختصر حلم محمّد المفعم بالحركة والحيويّة، أحلام جميع الشباب اللبنانيّ “أطمحُ مثل كلّ شابّة وشاب، بأن يشفى بلدنا من سرطان الفساد والهدر، سياسيًّا واقتصاديًّا، وأن نخلع نظّارة الماضي في رؤيتنا للمستقبل، فهذه الأرض تستحقّ، ونستحقّ نحن أن نحيا في وطننا مثلما نحلم، مواطنين متساوين في كلّ شيء، من الفرص المتكافئة إلى طاولة المساءلة والمحاسبة”.
إنّ تمثيل الشباب والنساء في البلديّات في محافظة بعلبك الهرمل من القضايا المهمّة، فهي تساعد على التوجّه نحو تعزيز الديمقراطيّة المحلّيّة، وتكرّس الشفافيّة، وتطلق عجلة التنمية المستدامة. لذلك فإنّ إحداث مشاركة الشباب والنساء تتطلّب جهودًا مستمرّة من المجتمع المدنيّ والسلطات المحلّيّة، تتعزّز من خلال تطوير السياسات الداعمة والبرامج التوعويّة، الهادفة إلى توفير بيئة ملائمة تشجّع على المشاركة الفاعلة.
“أُنتج هذا التقرير بالتعاون مع المنظمة الدولية للتقرير عن الديمقراطية DRI، ضمن مشروع أصوات من الميدان: دعم الصحافة المستقلة في لبنان”.