هجمة الشباب على المخترة بين الحماسة وغياب الثقافة القانونية

في سابقة لافتة من نوعها، يشهد الترشّح إلى منصب المختار إقبالًا كثيفًا من قبل الشباب للفوز بذلك المركز، ويتجلّى ذلك بشكل واضح من خلال الإعلانات التي تضجّ بها مواقع التواصل الإجتماعيّ، وأيضًا تغصّ بها جدران المدن والقرى. وفي الوقت الذي تحتفظ فيه ذاكرتنا بصورة نمطيّة من أنّ المختار يكون عادة من كبار السنّ يرتدي لباسًا تقليديًّا، تبدو فئة الشباب صغار السنّ طاغية في نسبة المرشّحين.

تاريخيًّا وحتّى العام 1963، تاريخ إجراء آخر انتخابات بلديّة واختياريّة قبل الحرب، كان عدد المختارين في القرى والبلدات يقتصر على مختار واحد في كلّ قرية، إذ كانت أعداد السكّان والناخبين وأيضًا القرى صغيرة نسبيًّا، لكن بعد الحرب ومع تنظيم الانتخابات البلديّة في العام 1998، ومع النموّ الكبير الذي شهدته المناطق وازدياد عدد السكّان، ارتفع عدد المختارين بشكل كبير، وبحسب إحصاءات وزارة الداخليّة اللبنانيّة لانتخابات العام 2016، أيّ آخر انتخابات منذ تسع سنوات بلغ 2358 مختاراً موزعين على 25 قضاءً وثمانية محافظات.

محاميّة أوّل مرشّحة في برجا

للمرّة الأولى في تاريخ بلدة برجا، تترشّح المحاميّة خديجة المعوش (43 عامًا)، إلى الانتخابات الاختياريّة، وهي التي كانت عضوًا في المجلس البلديّ في برجا على مدى تسع سنوات. تقول المعوش لـ “مناطق نت”: “اتّخذت قرار الترشّح إلى المخترة، بسبب تجربة العمل البلديّ غير المنتجة، لا سيّما لناحية اتّخاذ القرارات وغلبة العمل السياسيّ على الإنمائيّ. لذلك ترشّحت إلى المخترة بحثًا عن الاستقلاليّة، سواء بالترشح أو التوقيع، مع الحرص على أنّ أيّ قرار سأتّخذه، سيكون بعد تنسيق مع المكوّنات الموجودة، علمًا أنّ المختار لديه حيثيّة قائمة بحدّ ذاتها، وهو شريك في الإدارة المحلّيّة”.

وتلفت المعوش إلى أنّ “الجميع يظنّون أنّ المختار متخصّص في معاملات إخراج القيد وورقة السكن وأن فعله تجاريّ، لكنّ هذا غير صحيح، لأنّ خدمات المختار مجّانيّة، إنّما في الأعوام الأخيرة جرى التسويق إلى أنّ المختار يتقاضى بدل أتعاب، وهي بدلات غير محدّد سقفها قانونيًّا، وهذا ما جعل عدد من المختارين يكسبون أموالًا طائلة لقاء الخدمات أو ما يسمّونها بدل أتعاب، وهذا أمر غير قانونيّ”. وتشير المعوش إلى أنّ “هدفي تغيير النظرة تجاه دور المختار، وبخاصّة لجهة العمل على مشاريع التنمية المجتمعيّة والبشريّة، والتوعية من أجل تحسين سبل العيش في منطقتي”.

وتنوّه المعوش، إلى ضرورة تعديل شروط الترشّح للمقاعد الاختياريّة، نظرًا إلى القضايا التي تتابعها كمحاميّة والتي في غالبيتها ناتجة عن تصحيح أخطاء المختارين. وتقول: “لا يكفي أن يكون المختار يجيد القراءة والكتابة وحاصل على شهادة ابتدائيّة، بل يجب أن تكون لديه مؤهّلات وخبرات تتماشى مع العصر والتكنولوجيا”.

وردًّا على سؤال يتعلّق بكثافة ترشّح الشباب إلى منصف المختار؟ تقول المعوش: “ليس خطأ أن يرتدي المختار سروالًا “جينز” وحذاءً رياضيًّا، بعيدًا من الصورة النمطيّة التي انطبعت في ذاكرتنا عن المختار وزيّه التقليديّ، فلكل جيل أسلوبه وصورته، وهذا لا يلغي افتخارنا واعتزازنا بصورة المختار التي انطبعت في أذهاننا”. وتختم المعوش حديثها عن الإقصاء السياسيّ المتعمّد بحقّ النساء في برجا. موضحة أنّ “المجلس البلديّ يتألف من 21 عضوًا، وفي اللائحة التي تُحضّر للانتخابات، لا يوجد أيّ مقعد أو كوتا نسائيّة”.

فرنجيّة: كلّ ما أعلمه أنّ المختار ينجز معاملات الناس، ويسعى إلى حلّ مشاكل أهل بلدته، وفي بعض الأحيان يرافق القوى الأمنيّة إن احتاجت الدخول إلى أحد البيوت بسبب استدعاءات أو جرائم معيّنة

أصغر مرشّح في زغرتا

في زغرتا، أعلن الشاب يعقوب فرنجيّة (28 عامًا)، ترشحّه إلى منصب مختار، يقول في حديثه لـ “مناطق نت”: “إنّ فكرة ترشّحي جاءت نتيجة عوامل ثلاثة: الأوّل هو أنّني منذ صغري أجالس الكبار وأتقرّب من الناس وأطّلع على أحوالهم، والثاني وراثيّ كون عمّي كان مختارًا سابقًا في زغرتا وكنت أراقب عمله وأتعلّم منه بعض التفاصيل، أمّا العامل الثالث فهو المحبّة التي تكنّها الناس إليّ”.

لم يطّلع الشاب فرنجيّة على تفاصيل عمل المختار قانونيًّا، يقول حول ذلك: “كلّ ما أعلمه أنّ المختار ينجز معاملات الناس، ويسعى إلى حلّ مشاكل أهل بلدته، وفي بعض الأحيان يرافق القوى الأمنيّة إن احتاجت الدخول إلى أحد البيوت بسبب استدعاءات أو جرائم معيّنة”. مشيرًا “إلى الآن لم أقرأ تفاصيل القانون، غير أنّني سأكون صلة وصل بين المجتمع والدولة وتخليص المعاملات في السرايا”.

وفي سؤال عمّا إذا كان الدافع إلى الترشح ماليًّا كون المختار تحوّل في السنوات الأخيرة إلى معقّب معاملات؟ يبتسم فرنجية ويردّ: “الله يسمع منّك، لكنّني أعلم أنّه لا يوجد تسعيرة رسميّة تلزم المختار أن يتلقّى بدل أتعاب محددة، سوى الطوابع الماليّة”.

يتحدّث فرنجيّة، وهو أصغر مرشح للمقعد الاختياريّ في المنطقة حتى الآن، عن ردود الأفعال عند إعلانه خبر ترشّحه “لم أكن أتوقّع حجم المحبّة التي تلقيتها والدعم المعنوي”. ويختم “المخترة لا صراع سياسيّ حولها، بل تتحقق أصواتها بصلة القرابة والمعرفة وحبّ الناس”.

مختار النبطية حبيب جابر في محله لصناعة الطرابيش
تاريخ المختار

يعود تاريخ المختار في لبنان إلى النصف الثاني من القرن التاسع عشر، عندما أصدرت الدولة العثمانيّة قانون الولايات سنة 1864، وبموجب هذا القانون ومن ضمن التقسيمات الإداريّة كان هناك مدير ناحية تضم قرى عديدة، ينوب في كلّ منها عن مدير الناحية أحد سكّانها يعرف باسم “المختار”، ولغويًا: الذي تمّ اختياره من قبل سكّان القرية بإشراف مسؤول حكوميّ على نحو مدير الناحية أو القائم مقام، إذ يطلب إلى سكّان القرية ترشيح أشخاص بالغين، ويقوم باختيار الأفضل منهم، وفق معايير محدّدة، من أهمّها أن يكون المختار من أصحاب الأملاك، ومن عائلة أو عشيرة كبيرة، وأن يتّصف بالحكمة والذكاء والدهاء والفطنة.

كانت شخصية “المختار” محوريّة وبخاصّة في مناطق الأرياف، إذ تجتمع فيها كثير من الصفات والخصال الحميدة، وغالبًا ما كان المخاتير من فئة كبار السنّ نسبيًّا، وكان من أهمّ وظائف المختار حلّ النزاعات بين الناس، وتمثيل البلدة أمام الجهات العليا في الدولة، وبناء علاقات متينة وصلات قويّة مع كَثير من المسؤولين، كي يتمكّن من خدمة قريته وأهلها، ناهيك باعتبار وظيفة المختار نوعًا من الوجاهة والمكانة الاجتماعيّة، وكان يعتبر من أبرز وجهاء القرية، ويعدّ بيته مفتوحًا ومقصدًا، وفي كثير من الحالات كان منصب المختار وراثيًّا للابن أو الشقيق، أو أقرب الأقربين.

دور المختار قانونيًّا

تحّدثت “مناطق نت” مع عديد من المرشحين لا سيّما ممّن يتحضّرون للترشّح أو ترشّحوا إلى منصب مختار، وأكثرهم لا يملكون معرفة دقيقة تجاه عمل المختار ووظائفه سوى أنّها لخدمة الناس.

يفنّد المحامي علي عبّاس مهمّة المختار وفقًا لقانون المختارين والمجالس الاختياريّة الصادر في العام 1947، المادّة 17 التي تنصّ على أنّ “وظائف المختارين مجّانيّة، ويكفل القانون للمختار حقّ استيفاء بعض الرسوم لقاء إنجاز المعاملات. لكنّ الاستيفاء يفترض ألّا يكون مفتوحًا، بل محدّد وفق مرسوم، ولقاء بعض الأوراق والشهادات الأصليّة والمهمّات، وهي حصرًا معاملات السفر وحصر الإرث وعقد رهن أو بيع، والتصديق القانونيّ على التوقيع، وإعطاء شهادة تختصّ بإثبات حجز الأملاك، وتسجيل قائمة جرد التركة وحصر الأملاك، وقوعات النفوس وللأفراد ضمن الأنظمة المرعيّة”.

ومن مهام المختار وفق عبّاس “مهمّات تتعلّق بالشؤون الماليّة، كمساعدة الجباة ومعاونتهم في استيفاء الضرائب وإجراء معاملات الحجز على أملاك المكلّفين ومساعدة مأموري الماليّة وإدارة حصر التبغ في القيام بوظائفهم في المنطقة، فضلًا عن مهمّات تختصّ بشؤون العدليّة والشؤون العقاريّة والزراعيّة والصحّيّة والمعارف والفنون الجميلة، مثل حضّ الأهالي على إرسال أولادهم إلى المدارس وحماية المباني الأثريّة وغيرها”. ويتابع عبّاس، “يمكن المختار أن يلعب دور ضابط عدليّ، فيقوم بإجراء محضر في حال حصول جريمة، وانتظار وصول السلطات الأمنيّة. وكذلك لا يحقّ لأيّ سلطة أمنيّة أن تدخل إلى بيت إلّا برفقة المختار”.

الشباب إلى المخترة دُر

عن هجمة الشباب على الترشّح إلى الانتخابات الاختياريّة، يُرجع عباس أسبابها، “أولًا: إلى البطالة الموجودة في البلد. وثانيًا، إلى حماسة الشباب للمشاركة في الشأن العام، ولا سيّما أننا شعب يُحبّ تحليل الأحداث، إضافة إلى أنّ التجمّعات التي حصلت في الحرب، جعلت كلّ فرد يفكّر في أنّه سيكون زعيم الشارع أو مختارًا”.

عباس: هناك مسؤولية كبيرة على المختار، ويجب أن لا تتحول إلى موضة، كون المختار يجب أن يكون على دراية وعلم بجميع سكّان منطقته أو قريته، ويتمتع بثقة كبيرة من مجتمعه

وبحسب عباس، هناك مسؤولية كبيرة على المختار، ويجب أن لا تتحول إلى موضة، كون المختار يجب أن يكون على دراية وعلم بجميع سكّان منطقته أو قريته، ويتمتع بثقة كبيرة من مجتمعه لأنه يمثل دور الدولة بكافة تفاصيلها، والمخترة ليست لعبة”.

يستفيد المختار من الصندوق التعاونيّ للمختارين في لبنان، وهو يُعنى بتقديم مختلف الخدمات الاجتماعيّة لمختاري لبنان، منها تعويض نهاية الخدمة، مساعدة الوفاة، منحة الزواج، ومنحة الولادة”. وفق عباس.

المرشحون: خدمة الناس أولويّة

يخوض الشاب داني شميساني (50 عامًا) تجربة الترشُّح إلى منصب مختار في حيّ الميدان في مدينة النبطية. عن ترشّحه يقول داني إنه نشأ في عائلة بيتها مفتوح للناس ولخدمتها. ويتابع لـ “مناطق نت”: “هدفي أن أكون في الدرجة الأولى بين الناس وبخاصّة بعد الحرب”. ويوضح “ليس شرطًا أن يكون المختار كبيرًا في السنّ، الدنيا عم تتغيّر وعلينا مواكبة الجيل الجديد”. ويعرّف شميساني، المختار بأنّه “مصلح اجتماعيّ ومن لديه مشكلة يلجأ إلى المختار، ومهمّته ليست تصديق الأوراق فقط، فأنا لا أترشّح إلى وظيفة وأسعى إلى مدخول مادّيّ، هدفي ليس مادّيًّا، بل خدمة أبناء منطقتي”.

أما الشاب عبد الرحمن العمري (35 عامًا) من بلدة برقايل العكارية، الذي أعلن أيضًا ترشحه لمقعد المختار في بلدته، يضع ترشحه بأنه لخدمة الناس. مشيرًا، “أهل قريتي هم من طلبوا مني الترشح، فأنا لدي نخوة تجاههم في الأفراح والأحزان، والذي دفعني للترشح، هو أن المختارين في منطقتي عندما ينتخبون لا نسمع صوتهم، ومنهم فقط يريدون أن يتمتعوا بحصانة”. وعند سؤال العمري، عن ما هي حصانة المختار وهل يعرف العمل الفعلي للمختار، فلم يملك إجابة واضحة، مردفًا، “بالتأكيد ليس لدي نية الكسب المالي فأنا مرتاح مادّيًّا”.

ووفقًا للقانون الانتخابات البلديّة والاختياريّة في لبنان، تتألّف المجالس الاختياريّة من مختار وعضوين على الأقلّ في القرى الآهلة بـ 500 شخص من عدد السكّان المقيمين. وإذا زاد عدد السكّان المقيمين عن 500 شخص، يكون المجلس عبارة عن مختار وستّة أعضاء. وهذا هو مبرّر إرتفاع أعداد المختارين الذي ينتج عن زيادة السكّان وليس عن عدد الناخبين.

“أُنتج هذا التقرير بالتعاون مع المنظمة الدولية للتقرير عن الديمقراطية DRI، ضمن مشروع أصوات من الميدان: دعم الصحافة المستقلة في لبنان”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى