“بعلبك مدينتي” تفرض معركة في مدينة الشمس وترفض التزكية

بعد ثلاث سنوات من التمديد والتأجيل، والهروب من إجراء الانتخابات البلديّة والاختياريّة، ينتظر أهل مدينة الشمس بعلبك وقوى التغيير فيها، يوم الـ 18 من أيَّار (مايو) المقبل، لخوض معركة ديمقراطيّة، تُنتج بلديّة تعمل للمدينة وأهلها. فالفشل البلديّ المزمن والعدوان الإسرائيليّ الذي طاول المدينة، تركاها في حال بائسة تنذر بانفجار اجتماعيّ آتٍ لا محالة.
التزكية لتفادي المعركة
حاول الثنائيّ الشيعيّ “حزب الله” و”حركة أمل ” بكلّ الوسائل، تشكيل لائحة توافقيّة موسَّعة تنجح بالتزكية، بالتناغم مع حلفائه “البعثيّين” و”القوميّين السوريّين” و”الأحباش”، تزكية يكرَّس فيها ما يعتمده الثنائيّ عادةً، فيعطي الرئاسة مداورةً كلّ ثلاث سنوات لشخصٍ يختاره من العائلات الشيعيّة الكبرى (الطفيليّ ومرتضى هذه المرة)، ويعطي نائب الرئيس هديّةً للأحباش (آل الرفاعيّ) وسط ضياع كبير وتشرذم في الصوت السنّيّ واختفاءٍ شبه كاملٍ للصوت المسيحيّ، وهكذا، يكون القرار للثنائيّ وحده في المجلس البلديّ.
الانتخاب حقّ دستوريّ
رفضت قوى التغيير التزكية الفوقيّة المعلّبة التي يعمل “الثنائيّ” عليها في بعلبك، عملت على تسريع خطواتها بهدف تشكيل لائحة تفرض الانتخابات وتمنع اختزال المدينة، إذ من المتوقّع أن تكون ولادة اللائحة “بعلبك مدينتي” على قاب قوسين من الإعلان، وهي تعكس من خلال أعضائها الـ 21، مختلف أطياف المدينة وتنوّعها بالإضافة إلى عدد من النساء.
رفضت قوى التغيير التزكية الفوقيّة المعلّبة التي يعمل “الثنائيّ” عليها في بعلبك، عملت على تسريع خطواتها بهدف تشكيل لائحة تفرض الانتخابات وتمنع اختزال المدينة
يؤكّد أحد أركان لائحة “بعلبك مدينتي” المهندس محمود الجمَّال في حديث لـ “مناطق نت” أنَّ “الانتخاب حقّ يكفله الدستور والقانون، ومن الطبيعيّ أن تحصل معركة انتخابيّة، فعدم حصولها هو عكس ذلك. وحدها صنادق الاقتراع تسمح للناخبين بإيصال مرشّحيهم، بينما التزكية تُوصِل الأزلام والمحاسيب ممّن يضعون مصلحة أحزابهم قبل مصلحة المدينة”.
أيّ بعلبك نريد؟
بعلبك للبعلبكيّين، لأبنائها الذين يحملونها في ضمائرهم. اليوم مدينتهم تناديهم كي ينتشلوها من واقعها المؤلم ويصنعوا غدها المشرق.
يشرح ابن المدينة، الناشط في الشأنين العامّ والبلديّ، أستاذ العلوم التربويّة في الجامعة اللبنانيّة عماد سماحة في حديث لـ “مناطق نت” واقع المدينة، ويرسم لها خارطة طريق إنقاذيّة.
ويرى أنّ “هيمنة منظومة الأحزاب الطائفيّة والسياسيّة على الوطن، التي بدأت منذ اتّفاق الطائف، استأثرت بالبلاد والعباد، استباحت السيادة والأنظمة، نهبت وهدرت أموال الدولة حتّى وقوع الانهيار الشامل العام 2019. هذه الهيمنة طالت معظم بلديّات لبنان، ومنها بلديّات قرى وبلدات محافظة بعلبك- الهرمل التي يتجاوز عددها الـ 60، استأثر ثنائيّ “أمل” و”حزب الله” بمعظمها سياسيًّا، لم تقم بواجبها الإنمائيّ لإزالة الحرمان المزمن، وما انتجته السياسات الرسميّة الفاشلة المتَّبعة منذ عقود”.
مدينة الشمس بعلبك، بحسب الدكتور سماحة، “تعاني من حرمان الخدمات الحيويّة وغياب فرص العمل وتغييب للقانون، ما ينعكس سلبًا على المستوى المعيشيّ لأبنائها. هذه مسؤوليّة البلديّة باعتبارها السلطة المحلّيّة، لكنّ حزب الله المتحكَّم بها منذ ثلاثة عقود، لم يساعد في إخراج المدينة من بؤسها، بل كرَّس ذلك عبر سياساته الاقصائيّة، وعبر استخدام رئاسة البلديّة جوائز ترضية للعائلات البعلبكيّة المحسوبة عليه، هذه السياسة أدّت إلى الفشل في مختلف المجالات، فبلديّة تعجز عن منع ظاهرة الكلاب الشاردة، كيف ستنجح في تشجيع الاستثمارات وجذبها؟ وكيف ستساهم في حل أزمة الكهرباء ومياه الشفَة؟ كيف ستضع خططًا تطويريّة للأراضي الزراعيّة الشاسعة غير المفرزة؟”.
ويواصل سماحة تساؤله عن مستقبل المدينة “أيِّ بعلبك نريد؟ أيِّ بلديّة نريد؟ كيف ننتج مجلسًا بلديًّا مؤهّلًا لمواكبة الحداثة، يبتكر مشاريع ويجذب المستثمرين ويمارس الشفافيّة؟ كيف نأتي بفريق يعمل على التوأمة مع بلديّات خارج لبنان؟”. كلّ هذه ضرورات بحسب سماحة “تتطلّب تحديث القوانين، بدءًا من قانون الانتخاب وإدخال النسبيّة إليه، إلى اعتماد اللامركزيّة الإداريّة والماليّة، وكذلك تعزيز صلاحيّات المجلس البلديّ، وتقليص الصلاحيّات المطلقة لرئيس البلديّة، إضافة إلى تخفيف وصاية المحافظ والقائمقام”.
فشل العمل البلديّ
فشل العمل البلديّ في بعلبك ليس بحاجة إلى دليل لإثباته، فهو بادٍ للعيان في كلّ مظاهر الحياة في المدينة؛ من خلال شكاوى المواطنين وتذمّرهم، من غياب خطة السير، مرورًا بعدم إزالة النفايات، وصولًا للتفلّت الأمنيّ.
وبحسب سماحة فإنّ “الفشل في ذلك يعود إلى أسباب عدّة منها: القانون الانتخابيّ الأكثريّ المعمول به، والذي يقلّص فعاليّة البلديّة، من خلال وضع نصف الكتلة الناخبة خارجها”. ويضيف “هذا القانون يساير العائلات على حساب الكفاءة والتنمية وتحقيق الأهداف المرجوّة”.
من الأسباب أيضًا وفق سماحة “العامل الحزبيّ، إذ إنّ المجلس البلديّ، كما هو حال بلديّات بعلبك وقراها، خاضع لسيطرة المسؤول الحزبيّ، ما يجعل سير شؤون البلديّة رهن موافقته المسبقة”. من العوامل أيضًا بحسب سماحة “ما هو متعلّق بدور الصندوق البلديّ المستقلّ، الذي يُفترَض به رفد البلديّات بمستحقّاتها، لكنّ نهجه الاستنسابيّ الحزبيّ يمنع ذلك”.
بعلبك الثقافة والفنّ
للثقافة والفنّ في بعلبك موقع متقدّم، فمهرجانات بعلبك الدوليّة كانت حدثًا ينتظره كلّ العرب، لكن تراجع دورها وتأثيرها بفعل الحروب والأحداث الأمنيّة.
يصف سماحة هذه المهرجانات بـ “المنارة العالميّة، حيث استضافت معابد بعلبك وهياكلها أشهر الفرق محلّيًّا وعالميًّا، من الرحابنة وفيروز، صباح ووديع الصافي، نصري شمس الدين وفليمون وهبي، زكي ناصيف وفرقة كركلّا وروميو لحّود، أيضًا حفلات كوكب الشرق أمّ كلثوم، وفرق باليه عالميّة، كفرقة موريس بيجار، وراقص البولشوي العالميّ نورييف، مجنون إلسا الشاعر أراغون، وليس آخرهم الفنان إبراهيم معلوف”.
قبل عامين اقترح سماحة على الفنّان ملحم زين باسم مجلس بعلبك الثقافيّ، أن يساهم في إضاءة قلعة بعلبك على الطاقة الشمسيّة على نفقته، وافق زين وطلب من البلديّة تقديم مشروع مدروس لتنفيذه، ولم يحصل إلى الآن.
تسعى قوى التغيير في بعلبك، عبر لائحة “بعلبك مدينتي”، إلى تقديم نموذج جديد في الشأن العام، يضمن مشاركة المرأة والشباب في السلطة وصناعة القرار
“نعم بعلبك بحاجة إلى الفرح والاحتفالات، بحاجة إلى كرمس دائم، وهو ما سنحاول تحقيقه مع فاعليّات بعلبك كافة”. يقول سماحة قبل أن يختم بقول للمسرحيّ الراحل سعدالله ونُّوس: “إنّنا محكومون بالأمل”، ومن الطبيعيّ أن نأمل بالجديد، بالتجديد عبر شباب وشابّات بعلبك من أصحاب الكفاءات العلميّة، وما يمتلكونه من قدرات ومبادرات وأفكار حديثة، من أجل الدفع بمدينتنا، إلى مصاف المدن الحديثة، أليست هي مدينة الشمس؟”.
مشاركة النساء ضرورة
تسعى قوى التغيير في بعلبك، عبر لائحة “بعلبك مدينتي”، إلى تقديم نموذج جديد في الشأن العام، يضمن مشاركة المرأة والشباب في السلطة وصناعة القرار، بناءً على الكفاءة والجدارة، لذلك ضمَّت اللائحة عناصر شبابيّة ونسائيّة مميزة.
تقول السيّدة ربيعة طه عضو لائحة “بعلبك مدينتي” في حديث لـ “مناطق نت” حول ترشيحها: “ليس هدفًا شخصيًّا أو طمعًا بمركز هنا ومنصب هناك. إنّ ترشيحي نابع من إرادة انمائيّة، إيمانًا منّي بأنّ مدينة بعلبك هي مسؤوليّة كلّ شخص ينتمي إليها، والانتماء بنظري ليس قلمَ نفوس وأوراقًا ثبوتيّة ورقمَ سجّل، إنّما انتماء حقيقيّ لكلّ زاوية فيها وحجر، وانتماء روحيّ لأهل بعلبك، يضع على عاتقي مسؤوليّة التنمية، لذلك قرّرت الترشيح كي أقوم بواجبي تجاه مدينتي، وأمارس حقّي الطبيعي الذي يحميه الدستور اللبنانيّ.”
تشكيل لائحة “بعلبك مدينتي” بوجه قوى الأمر الواقع، هو بحدّ ذاته إنجاز ديمقراطيّ مهمّ، وخطوة أساسيّة في طريق إعادة الهويّة الفرديّة للمواطن
طه تؤكد “أهمّيّة الفوز ضمن عمليّة انتخابيّة ديمقراطيّة حرّة، كلائحة لها برنامجها الانتخابيّ، نعمل على نشره للرأي العام عبر صفحاتنا، وكوني امرأة وأمّ لابنتين يهمّني جدًّا أن أوفر لهما ما لم نجده نحن، فالمرأة البعلبكيّة هي امرأة شجاعة وقويّة ومتطوّرة جدًّا، لكنّ الظروف لم تسمح بخوض معاركها، اجتماعيًّا وإنمائيًّا وسياسيًّا، لذا سأعمل على خلق الفرصة للنساء، من خلال التلاقي مع المناطق الأخرى ثقافيًّا واجتماعيًّا وإنمائيًّا”.
وتضيف: “سأعمل قدر المستطاع على تأمين فرص العمل لسيدات المنازل ليَكُنَّ قادرات على مواجهة الصعاب، كذلك سأعمل على إشراك النساء في العمل البلديّ، عبر مشاريع صغيرة مستدامة، إيمانًا منّي بأنَّ المرأة قادرة على التغيير وصناعة الأفضل. وسأعمل على خلق مساحات ترفيهيّة وتربويّة للأطفال تساعد الطفل على اكتشاف هواياته بطريقة إيجابيّة مبدعة خلّاقة”.
تفخر المرشّحة طه بالمرأة البعلبكيّة قائلة: “أتوجّه لكِ بكلّ الاحترام والفخر، سيّدتي أنت قادرة، ومثقّفة ووطنيّة، كوني دائمًا في المقدّمة، ثقي بنفسك أكثر، كوني شجاعة أكثر، فأنت قادرة على تغيير المعادلة إيجابًا نحو الأفضل”.
أمَّا شابات بعلبك وشبابها، تحمّلهم طه مسؤوليّة الحفاظ على المدينة، وتعدهم بأنّهم سيكونون جزءًا من المجلس في حال فوز لائحة “بعلبك مدينتي” وفي مقدّمة صفوف العاملين لأجل المدينة.
بعيدًا من حسابات الربح والخسارة، ومن يصل إلى المجلس البلديّ، فإنّ تشكيل لائحة “بعلبك مدينتي” بوجه قوى الأمر الواقع، هو بحدّ ذاته إنجاز ديمقراطيّ مهمّ، وخطوة أساسيّة في طريق إعادة الهويّة الفرديّة للمواطن كمواطن مسؤول، يعرف حقوقه وواجباته القانونيّة، وليس مجرّد رقم.