عودة محدودة لأبناء علما الشعب ومعدومة في مروحين وراميا

يسكن الصمت بيوت بلدات وقرى القطاع الغربيّ عند الحدود اللبنانية الجنوبيّة، ومؤسّساتها وزرعها، وحتّى أنّ الطيور غابت عن سمائها. لا مكان للحياة فيها، عيون جنود الاحتلال تترصّد حقولها وكلّ ما يتحرّك فوق الأرض. في هذه القرى الغارقة في الألم، ينغّص الإحتلال محاولات العودة، فيقصف البيوت الجاهزة التي كانت الوسيلة الأفضل لموطئ أقدام الأهالي المتشوّقين والمشدودين إلى فضاءات قراهم وأكتاف بيوتهم يتّكئون ولو على ركامها.
“خسرنا كلّ شي” بهذه العبارة تختصر زينب عيسى حال بلدتها راميا في قضاء صور، التي اختفت معالمها. وبلدة راميا كجاراتها، مروحين، عيتا الشعب، الضهيرة، البستان وعلما الشعب وغيرها، لم يبقَ فيها سوى 14 منزلًا نجت من التدمير الكامل لكنّها بحاجة إلى ترميم، هي ما بقي من أصل نحو 600 منزل.
تؤكّد عيسى لـ “مناطق نت” أنّ “راميا لم تعد قابلة للعيش، فكلّ شيء مدمّر حتّى إنّ تربتها زرعها العدوّ بالألغام والذخائر غير المنفجرة”. وتضيف “بالنسبة إلينا كانت راميا الروح التي نتنفّس منها، وكانت فيها زراعة التبغ ومحاصيل الزيتون شرياني حياة، ومن خلالهما تعلّم المئات من أبنائها وحازوا شهادات جامعيّة عالية”.
وقوف على الأطلال
يعاند أهالي بلدة راميا لأجل العودة ولو بشكل متقطّع، لتفقّد بيوتهم المدمّرة، والوقوف على أطلالها والتمسّك بزراعة التبغ في أراضيهم الواقعة قبالة مواقع الاحتلال الإسرائيليذ في “جبل بلاط” والتلال الفلسطينيّة المجاورة.

يقول رئيس بلديّة راميا علي مرعي إنّ 200 عائلة ما زالت مهجرة في ضواحي صور وبيروت. ويؤكّد لـ “مناطق نت” أنّ “الجرح كبير ولا يمكن معالجته إلّا بعودة الناس إلى حقولهم وزراعتها وإلى أماكن نشأتهم وترعرعهم”.
ويتابع: “نحن شعب لا يهزم، والأرض لن تعود إلّا بالمقاومة، وتجربتنا مع العدوّ الغاشم أثبتت ذلك.” ووفق مرعي فإنّ “أبناء البلدة ينتظرون المسح الميدانيّ وإزالة الردم ودفع التعويضات حتّى يتمكّنوا من العودة واستكمال حياتهم الطبيعيّة”.
ويشير مرعي إلى أنّ مبادرة من جمعيّة “وتعاونوا “بالتنسيق مع البلديّة، أفضت إلى إحضار 14 منزلًا جاهزًا إلى باحة المدرسة التي سلمت من التدمير الكلّيّ، لينطلق من خلالها المزارعون إلى أرضهم في سهل البلدة الواسع والرحب.
مروحين المنكوبة
على مقربة من راميا، لم يبقَ في بلدة مروحين (صور) أيّ بيت من بيوتها واقفًا ما عدا بعض المنازل في منطقة “أمّ التوت”. كان سكّان البلدة كجيرانهم من أبناء يارين والبستان والزلّوطيّة والجبّين، يعتمدون في معايشهم على زراعة التبغ والزيتون وتربية المواشي. لكنّ كلّ هذه المقوّمات صارت في خبر كان، بعدما هجر أبناء الأرض بيوتهم ودساكرهم قسرًا بفعل العدوان الإسرائيليّ.
غنّام: مروحين بعد وقف إطلاق النار، قُسّمت إلى ثلاثة أقسام: قسم ما زال محتلًّا من قبل العدوّ الإسرائيليّ، وقسم محظور دخوله وقسم خطر للغاية
يشير رئيس بلديّة مروحين محمّد غنّام لـ “مناطق نت” إلى أنّ “مروحين بعد وقف إطلاق النار، قُسّمت إلى ثلاثة أقسام: قسم ما زال محتلًّا من قبل العدوّ الإسرائيليّ، وقسم محظور دخوله وقسم خطر للغاية. وجميع المنازل والمساجد والمدارس وخزّانات المياه مدمّرة بشكل كلّيّ”.
ويؤكّد غنّام “عدم عودة أيّ عائلة إلى مروحين، بعد أن محت الطائرات الإسرائيليّة معالمها، وحوّلتها إلى أكوام من الخراب”. ويلفت إلى أنّ “عدد المباني المدمّرة يبلغ 370 مبنى، وعدد العائلات النازحة حوالي 400 عائلة”. وبالنسبة إلى الكشف على الأضرار، يبدي غنّام أسفه لعدم حضور أيّ جهة رسميّة للكشف حتّى الآن، قائلًا: “إنّ إعادة الإعمار مستحيلة في الوقت الراهن لأكثر من سبب، الاحتلال من جهة وعدم وجود جهات مانحة من جهة أخرى”.
ويوضح غنّام أنّ “أبناء مروحين النازحين منتشرون في المنصوري (صور) وحتى بئر حسن في بيروت وأكثرهم في منطقة جدرا ووادي الزينة (الشوف)”. وعن مقوّمات البلديّة يشير غنّام إلى أنّها “محدودة تقتصر على فتح الطرقات في الأماكن المسموح الدخول إليها وتأمين المساعدات في أماكن النزوح بحسب ما يتوافر من قبل الجمعيّات”.

عودة متأنّية إلى علما الشعب
تتوسّط بلدة علما الشعب (صور) بلدتي الضهيرة والناقورة المدمّرتين. كانت مكلّلة بأحراج السنديان وزيتونها المعمّر التي أحرقتها إسرائيل خلال عدوانها على المنطقة. عادت إلى علما الشعب، التي لم تسلم كنائسها وحاراتها القديمة من التدمير، عشرات العائلات فرمّمت منازلها على عجل بعد أن أعياها التهجير والتشتّت في بيروت وجبل لبنان وغيرهما.
يلفت نائب رئيس بلديّة علما الشعب وليم حدّاد إلى أنّ “شبكة الكهرباء التابعة للدولة دمرت، لذا فإنّ بعض المواطنين يعتمدون على الطاقة الشمسية”. ويتابع في حديث لـ “مناطق نت”: “لقد تمّ تأمين المازوت والمولّدات الكهربائيّة بمجهود خاص ومساهمات عدّة، على الرغم من أنّ الشبكة الخاصّة التابعة للمولّدات أكثر من 90 في المئة منها مدمر، بالإضافة إلى أعطال كبيرة في شبكة المياه”. ويشير إلى أنّه “بالتعاون مع مصلحة المياه تمّ إصلاح الشبكة، لكنّها لا تغطي إلّا نحو 70 في المئة من منازل البلدة”.
ويناشد حدّاد الدولة اللبنانيّة قائلاً: “نريد الأمان والدعم من الدولة وإعادة إعمار البنى التحتيّة”. ويضيف: “الناس خائفة من الخروق وتجدّد الحرب”. وعن عدد الوحدات السكنيّة المتضرّرة يقول حدّاد “هناك 260 وحدة سكنيّة متضرّرة، أمّا البيوت الصامدة فهي 80 منزلًا”.
يشير حدّاد إلى أنّ “أهالي علما يتوزّعون بين البلدة التي عادت إليها عشرات العائلات ومناطق صور وصيدا وطرابلس والبقاع”.
راميا، مروحين، علما الشعب، ليست سوى عيّنات من بلدات وقرى الحافّة الأماميّة، التي لا تختلف الصورة فيها، وتعيش منذ أكثر من عام ونصف العام التشرّد والنزوح والقهر، يترافق ذلك مع فقدان أيّ أمل يعيد هؤلاء إلى دُورهم وأراضيهم وزرعهم ومصالحهم وحياتهم التي كانت تضجّ نشاطًا وحيويّة قبل الحرب.
