مشاريع شبابيّة بمواجهة سيطرة “الثنائي” في النبطية والجنوب

ختامها جنوبًا، إذ تحطّ الانتخابات البلديّة والاختياريّة رحالها في مرحلتها الرابعة والأخيرة في محافظتي الجنوب والنبطية السبت في الـ 24 من أيّار (مايو) الجاري، لتختتم الاستحقاق الذي تأجّل أكثر من مرّة. اللافت في الاستحقاق من جملة ما حفل به من تطوّرات هو الإقبال الكثيف من فئة الشباب وخصوصًا النساء على الترشّح للانتخابات الاختياريّة والبلديّة، وهو ما لم يقتصر على الجنوب وحسب بل شمل معظم المناطق وتحديدًا الطرفيّة. وتُعدّ تجربة “مجموعة شباب منطقة النبطية” إحدى أبرز المبادرات في هذه الظاهرة.
تشرح الناشطة في هذه المجموعة ليال طفيلي، في حديث لـ “مناطق نت”، فكرة إنشاء هذه “المساحة المدنيّة منذ العام 2023″، مُشيرةً إلى “أننا دائمًا ما نتحدّث على المستوى الوطنيّ عن السياسات الشبابيّة التي تقع على عاتق وزارة الشباب والرياضة، الواجب عليها وضع الخطط التي تلحظ حقوق الشباب والشابّات على مختلف الأصعدة، وهذا ما لم يحصل”. وتلفت إلى أنّ “الشباب يلعبون دورًا مهمًّا على الصعيد السياسيّ والاقتصاديّ والاجتماعيّ، فكانت فكرة المجموعة هي وضع سياسة شبابيّة تلحظ حقوقهم وتُعزّز مشاركتهم في الحياة العامّة”.
سياسة شبابيّة في البلديّات
انطلاقًا من ذلك، “استوحت المجموعة المكوّنة من حوالي 30 شابًا وشابّة ينتمون إلى الجوّ التغييريّ فكرتها، وعقدت عشرات اللقاءات والاجتماعات الدوريّة والتي خلصت إلى وضع سياسة شبابيّة تُعنى بحقوقهم، ورأت أنّ تنفيذ هذه الرؤية ينبغي أن ينطلق من المجالس المحلّيّة المتمثّلة بالبلديّات”. تقول طفيلي وتلفت إلى “إنّنا كنّا نهدف إلى دفع المرشحين الشباب لتبنّي هذه السياسة ضمن مشروعهم الانتخابيّ وكذلك تبنّيها من قبل المجالس البلديّة المقبلة، إذ وضعنا خطّة لإطلاق هذه الاستراتيجيّة عبر ندوة عامّة والتواصل مع الشباب بشكل أكبر، إلّا أنّ الحرب وتداعياتها عرقلت هذه الخطوة، إذ إنّ كثيرًا من الشباب فقدوا منازلهم وباتت همومهم تطغى على نشاطهم”.
استوحت مجموعة “شباب منطقة النبطية” المكوّنة من حوالي 30 شابًا وشابّة ينتمون إلى الجوّ التغييريّ فكرتها، وعقدت عشرات اللقاءات والاجتماعات الدوريّة والتي خلصت إلى وضع سياسة شبابيّة تُعنى بحقوقهم
وهذه السياسة، التي تتحضر المجموعة لنشرها، تأتي ضمن ثلاث عناوين أساسية، وهي الحق في الاندماج الاجتماعي والمشاركة السياسية والحق في الصحة والحقوق التربوية والتعليمية. وضمن هذه العناوين تأتي المطالب الشبابية المتمثلة على سبيل المثال بإتاحة الفرصة أمامهم للمشاركة في صنع القرار البلدي وتوفير أماكن تسمح للشباب بممارسة حقهم بالتجمع لمناقشة قضايا ذات صلة بالشأن العام دون فرض قيود غير مشروعة، والاهتمام بقدرات الطلاب ومواهبهم وتشجيعهم على اختيار تخصصهم المستقبلي، وكذلك إنشاء مركز ثقافي لدعم مواهب الشباب وتطويرها.
وتوضح طفيلي أنّ “هذه الظروف لم تمنعنا من استكمال خطّتنا عبر ترشيح بعض الشباب في عددٍ من القرى المحيطة بالنبطية، في حين أنّ هناك بعض الشباب اتّخذوا خيار الانضواء في اللوائح التوافقيّة بسبب ظروف المعركة الانتخابيّة المحلّيّة، فضلًا عن أنّ تداعيات الحرب منعت بعض الشباب الآخرين من الترشّح في بعض القرى مثل العديسة ودير سريان”.
دور الشباب الإنمائيّ المحلّيّ
علي أيّوب، أحد أعضاء هذه المجموعة والبالغ من العمر 35 عامًا، قرّر خوض المعركة الانتخابيّة في بلدته كفرتبنيت معتمدًا على نشاطه السياسيّ والإنمائيّ ومواجهته لمكبّ النفايات الذي يقع عند أطراف البلدة، فضلًا عن منصارته لـ “انتفاضة 17 تشرين”.
يوضح أيّوب، في حديث لـ “مناطق نت”، أنّ أسباب ترشّحه تنطلق من رؤيته بـ “ضرورة اشراك الشباب في العمل الانمائيّ، خصوصًا وأنّ أحزاب المنطقة الممثّلين بالثنائيّ “حزب الله” و”حركة أمل” ضربوا هذا الدور وسيطروا بشكل مطلق على القرار سواء على صعيد البلدة أو النبطية وجوارها”. مضيفًا “هذا ما جعل الأشخاص الطامحين للوصول إلى المجالس البلديّة أداة بيد الثنائيّ، وقرارهم في حال نجاحهم يعود إلى أحزابهم، فلا يلعبون دور صانعي القرار”.
سيسعى أيّوب، الذي يعمل في مجال المقاولات، في حال نجاحه بالانتخابات، إلى “تكريس السياسات الشبابيّة من خلال إشراك الشباب في العمل البلديّ، وكذلك التركيز على تطبيق حقّ الوصول إلى المعلومات الذي يُعدّ مطلب جميع المواطنين ولا تنفّذه معظم البلديّات نظرًا إلى دوره الكبير في الحدّ من الفساد وتعزيز الرقابة”، بحسب أيوب.
ويلفت أيّوب إلى أنّ “ترشّحي يُعزّز من إمكانيّة إنشاء بلديّة ظلّ، ففي حال نجاحي يمكنني التعاون مع هذا النوع من المباردات، وفي حال عدم نجاحي فسأسعى لكي تُمهّد تجربتي في تأسيس بلديّة ظلّ تراقب عمل البلديّة”. ويؤكّد أنّ “المفهوم القائم بأنّ البيئة الجنوبيّة مقتصرة على الثنائيّ الشيعيّ هو مفهوم خاطئ، فهناك كثير من الفئات المعارضة للواقع الحاليّ والمطلوب أن نتّفق لتوحيد جهودنا”.
الانتخابات والخيار الشبابيّ البديل
تجربة شبابيّة أخرى يقدّمها الإعلاميّ رواد طه، البالغ من العمر 25 عامًا، والذي قرّر الترشّح في مدينته النبطية. يشرح طه، في حديث لـ “مناطق نت” أنّ دوافعه للترشّح هي “تأثّري بحال المدينة خلال الحرب وبعدها، فهذه اللحظات كانت صعبة جدًّا وتأثّرت بها كثيرًا، وللحظة شعرنا أنّنا خسرنا مدينتنا، لذا رأيت في الانتخابات فرصة لتحسين واقع النبطية”.
تجربة شبابيّة أخرى يقدّمها الإعلاميّ رواد طه، البالغ من العمر 25 عامًا، والذي قرّر الترشّح في مدينته النبطية، وانضم إلى لائحة “النبطية تستحقّ الحياة” المكوّنة من 12 مرشّحًا ومن دون رئيس.
أمّا الدافع الآخر لترشّح طه فهو “الإهمال الذي تُعاني منه المدينة في الأعوام الـ 25 الأخيرة، وتحديدًا عندما أحكمت الجهات السياسيّة السيطرة عليها، فكانت البلديّات تفتقر إلى أيّ رؤية تنمويّة أو مشروع واضح لدور المدينة الاقتصاديّ أو الاجتماعيّ، فشعرت أنّه ينبغي عدم السكوت عن الواقع القائم وطرح خيار آخر”، ويردف “هناك جوّ اعتراضيّ وتغييري في البلاد، ولا يمكن فصل الاستحقاق البلديّ عنه، ولكن هذه المعركة هي معركة إنمائيّة لمدينة مهملة منذ سنوات من الأشخاص الذين كانوا مسؤولين عنها”.
انضمّ طه إلى لائحة “النبطية تستحقّ الحياة” المكوّنة من 12 مرشّحًا ومن دون رئيس. ويلفت إلى أنّ “اللائحة سعت جاهدة لأن تضمّ فئات شبابيّة ونسائيّة، حيث افقترت المجالس البلديّة السابقة إلى هذه الفئات”. ويُشير إلى أنّه “على الرغم من صعوبة تأمين مرشّحات نساء إلّا أنّ السيّدة لينا صبّاح انضمّت إلى اللائحة ونأمل أن نكون قد كسرنا هذا الحاجز لدى نساء المدينة وأن يكون عدد المرشّحات أكبر في الاستحقاقات القادمة”.
ويوضح طه أنّ “نصف اللائحة مؤلّف من الفئة الشبابيّة، فحماسة الشباب للترشح إلى الانتخابات البلديّة سواء في النبطية أو بقيّة المناطق يعود إلى رفض الواقع القائم في البلاد والشعور بأنّ هناك فرصة لطرح بديل يحمل مشروعًا شبابيًّا مختلفًا”.
وحول مشروعه الانتخابيّ، يلفت طه إلى أنّه يرتكز على “مسارين أساسيّين تحتاجهما النبطية، الأوّل أن تلعب البلديّة دورًا في وضع رؤية لإعادة إعمار السوق التجاريّة التي دمّرتها الحرب، وأن ترتكز هذه الرؤية على الحفاظ على الإرث المعماريّ والتراثيّ ما يُشكّل حافزًا لتحريك العجلة الاقتصاديّة”. أمّا المسار الثاني فيتمثّل “بـاستحداث مبنى داعم لريادة الأعمال والتكنولوجيا، بحيث يكون مساحة تؤمّن بيئة حاضنة لشباب النبطية ممّن يدرسون أو يعملون في هذا المجال ويساعدهم على إطلاق مشاريعهم التكنولوجيّة”.