البقلة: ركن المطبخ العاملي

اجتمعت أنواع البلاءات على قدماء العامليين، ولم يكن ينقصهم من صنوف الابتلاءات إلّا شحّ الطعام مع كثرة العيال، فاللحوم، إن وُجدت، كانت عزيزة، أما الرزّ فنادرًا ما يدخل البيوت إلا في حالات وحالات.

وقد كافحت الأمهات العامليات وتكيّفت مع الظروف من أجل البقاء، وأبدعن “Menu” يقيهم مع عيالهم شبح الجوع ورهاب العوز، فكانت “البقلة”.

والبقلة في أساسها تعتمد على البرغل المتوفر والمتاح على مدار السنة، ينزل في الإمعاء و”ينفش” داخلها، فيُشعر صاحبه بالشبع.

هو طبق يُقدّم ساخناً أو بارداً، ويُحفظ في “الكبكة” دون حاجة للتبريد، إذ ليس من مكوناته ما هو سريع العطب والتعفّن.

وحتى لا يملّ العاملي من البقلة، تفنّنت سيدات ذاك الزمن بفنون طبخها، والفنون جنون، فإذا كان موسم البندورة، مَزَجنَ البرغل بالبندورة مع البصل بعد تقلايتها، وأسموها “بقلة البندورة”.

وإذا جاء الربيع وكثُرت الأعشاب البرية المفيدة، جمعنَ تحويشة من تلك الاعشاب وقمنَ بتقلايتها مع البصل والبرغل فتصبح “بقلة” بدون نسب.

أما في الربيع وفي موسم الفول تحديدًا، فكانت رائحة “بقلة الفول” تفوح في الأحياء عند نضوج “قرونها” في الحقول.

وفي أوائل الصيف ومع نضوج اللوبيا و”عربشة” قرونها على الخيوط المنصوبة لها، تقوم السيدات بـ “تفقاية” القرون ويُحضّر منها “بقلة اللوبيا”.

وكذا الحال مع الكوسا، إذ ابتدعوا له بقلة خاصة، فكانت “بقلة الكوسا”.

وإذا عزّت المواسم الخضراء، فلا محيص عن الحمص اليابس، يُسلق ويضاف إليه شراب البندورة والبرغل، فتكون “بقلة الحمص”.

وعندما تضيق الأرض بما رحُبت، وتخلو “الكوارات” من مخزونها، تلجأ العامليات لأكلة “صايت” وهو برغل وشعيرية فقط، مع توابل للنكهة.

وتقدّم “البقلة” مع الخبز المرقوق والبصل النيء والزيتون وما تيسّر من خضروات كالفجل مثلًا.

هذا كلّه فصلٌ من فصول طهي البرغل الذي يستعملون له النوع الخشن. أما في حال كان البرغل غير مطهيّ، فيستعملون له النوع الناعم، وفي هذا فصلٌ آخر وكلامٌ في الكبة والكمونة وفنونهما.

بقلة البندورة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى