كيف تفتح غاليري فنّيّة ببيروت دون أن تفهم شيئًا؟

ما يُكتب في هذه الزاوية لا يُعبّر عن آراء “مناطق نت”، بل عن آراء الكاتبة وحدها.
إذا كنتَ تعاني من حساسيّةٍ مفرطة، وتتّخذ كلّ الأمور على محملٍ شخصيّ، أو إذا كنتَ تحمل السُلَّم بالعرض وتمشي، فننصحك بتجنّب قراءة هذه المقالة.
“أسئلة من الفقّاعة”: هي سلسلة مقالات ساخرة، تسخر من الواقع وتواكبه، تهزأ من تناقضاتنا وتحبّها، وتحاول أن تشرح لك، بخطوات بسيطة، كيف تنجو في هذه المدينة… أو كيف تغرق بأناقة؟
كيف تتعاطى مع الفنّ؟ دليل البرجوازيّ التائه لامتلاك غاليري في بيروت…
….
هل سئمتِ من كونكِ مجرّد فاشنيستا؟ هل مللتَ من جلسات النبيذ التي تنتهي بلا معنى؟
هل تملكين حائطًا أبيض في الجمّيزة أو مار ميخايل؟ ممتاز! أنتِ/أنتَ مؤهّلة/مؤهّل تمامًا لامتلاك غاليري فنّيّ.
إليكم، أعزّائي، خطواتٌ بسيطة تضمن لكم افتتاح غاليري فنّيّة في بيروت:
أوّلًا: حدّد موقعك
إختر شارعًا تراثيًّا يحتضر، أو مبنًى قديمًا على وشك أن يُهدم، أو محلًّا كان فرنًا شعبيًّا قبل أن “تستردّه المدينة” من ناسها.
حاول أن يكون الموقع مقابلًا لمطعمٍ أو حانةٍ تجذب البيروتيّين “الدفّيعة” والسيّاح.
إن كان المكان يحوي بلاطًا ملوّنًا أو سقفًا عاليًا فيه بقع رطوبة، فهذا يعني شيئًا واحدًا: روحًا فنّيّة أصيلة.
ثانيًا: الشوكولا الفاخرة ستساعدك على اختيار الاسم المناسب!
عليك طبعًا اختيار اسم للغاليري، لكن حذار من الأسماء العربيّة الواضحة!
اختر اسمًا أوروبّيًّا أو يابانيًّا غريبًا، مثل كلمة فرنسيّة منسيّة كـ Matelas، أو اختصار معماريّ غامض مثل R2S، أو حتّى اسمًا عربيًّا مكتوبًا بحرف لاتينيّ مكسور مثل 3arqa.
إن احترت كثيرًا، لا تقلق: افتح قائمة ماركات الشوكولا الأوروبّيّة الفاخرة – لا بدّ من أن تجد الاسم المناسب هناك!
الهدف: ألّا يفهم أحد إن كنتَ تعرض فنًّا، أو تصمّم أثاثًا، أو تبيع الشوكولا.
ثالثًا: التسويق أهمّ من الفنّ نفسه…
لا تقلق بشأن مستوى الأعمال الفنّيّة التي ستعرضها، طالما ستُسوّق لها بالشكل المناسب!
كخطوة أولى في خطّة التسويق، افتتح معرضًا ذو سِمة (Theme) واحدة. مثلًا، نظّم معرضًا للوحاتٍ تصوّر مباني بيروت، واطلب من جميع الفنّانين رسم المباني البيروتيّة. لا يهمّ إن كان الفنّان لا يرغب بذلك! تعامَل معه كموظّف بنك.
المهم: جذب الزبائن “الدفّيعة” الذين يبحثون عن لوحة تليق بكنبات صالونهم الفخم.
رابعًا: احجز الفنّان قبل المعرض، وتودّد إلى الصحافيّين
لا تنسَ أن تُبالغ في احتضان الفنّان (حرفيًّا) ليلة الافتتاح، ثمّ تجاهله تمامًا في اليوم التالي.
تذكّر: الفنّ في بيروت هو عن who’s hosting، وليس who’s showing.
وإيّاك أن تنسى الصحافيّين الثقافيّين!
أرسل لهم دعوات خاصّة، وتأكّد من وجود جبنة فرنسيّة جيّدة في الافتتاح. لا يهمّ العمل الفنّيّ، المهمّ الصورة والعلاقات العامّة.
واحذر: إن لم يُكتب عن معرضك في مجلّة فرنسيّة، فهذا يعني أنّك فشلت. (موسيقى حزينة).
إلى جانب الفنّانين والصحافيّين والسطحيّين، لا تبالِ إن لم يحضر محبّو الفنّ الحقيقيّون أو الناس الشعبيّة…
تذكّر دائمًا: نجاح المعرض لا يُقاس بعدد الزوّار، بل بعدد الستوريز على إنستغرام.
خامسًا: استعن بمصطلحات لا يفهمها أحد
كلّما كان النصّ المُرافق للمعرض ضبابيًّا ومبهمًا، كلّما بدا المعرض «عميقًا».
مثلًا: “يستكشف هذا المعرض الما بعد- ما- بعد استعارات المساحات العابرة للوعي الجماعيّ”.
أخيرًا: لا تُغلق… تحوّل!
عندما تفشل في بيع لوحة واحدة، لا تعترف بذلك. بل قُل: “نحن نُعيد التفكير في ماهيّة الغاليري كنموذج اقتصاديّ.” ثمّ حوّل المساحة إلى “كونسيبت ستور”، أو “واين بار”، أو محلّ يبيع شموعًا على شكل منحوتات صغيرة.
ففي بيروت، الغاليري هو، قبل كلّ شيء: مشروع طبقيّ، لا بصريّ.
“نحن نعرض من أجل المساءلة.”
ردّد هذه الجملة دومًا.
وإذا سأل أحدهم: “ما الذي تُسائله؟”،
أجبه بثقة: “السؤال نفسه، هو جزء من العمل.”
هكذا، ليس بالضرورة أن تكون أكّاديميًّا متخصّصًا في الفنّ وتاريخه وأسّسه كي تفتتح غاليري فنّيّ.
ليس عليك حتّى أن تعرف الفنّ معرفةً سطحيّة.
تذكّر، عزيزي البرجوازيّ:
في النهاية، الفنّ في بيروت هو عبارة عن حائط ناصع البياض، معلّق بين برجين قيد الإنشاء،
يطلب منّا أن نُصدّقه…