قلق ذوي الطلبة يواكب انطلاق العام الدراسيّ بمنطقة بعلبك

يعود العام الدراسيّ مع حلول شهر أيلول (سبتمبر) فتحبس العائلات في منطقة بعلبك أنفاسها، إذ الشهر بالنسبة إليهم ليس رومانسيًّا تُكتب له الأغاني وتُدبّج له القصائد، بل عنوان معاناة تتمثّل بالاستعداد لمتطلّبات معيشيّة وحياتيّة تستحقّ في هذا الشهر، وهي لا تبدأ بأقساط المدارس ولا تنتهي بتأمين المازوت والثياب الشتويّة وتحضير المؤن لفصل الشتاء.

وللعام الثاني على التوالي يتحضّر طلّاب في منطقة بعلبك لعام دراسيّ قاسٍ وغير عاديّ، فهو مثقل بتداعيات الحرب وكلفها العالية من جهة، وبارتفاع الأقساط والاحتياجات المدرسيّة من جهة ثانية. فعشيّة انطلاق عام دراسيّ جديد، يبرز هاجس ارتفاع الأقساط المدرسيّة بقوّة عند ذوي الدخل المحدود، وهو لم يقتصر على المدارس الخاصّة وحسب، بل تخطّاه إلى الرسميّة، إذ ارتفع قسط الطالب في المرحلة الثانوية إلى 13 مليون ليرةٍ لبنانيّةٍ، وهو على ضآلته قياسًا إلى القسط المدرسيّ الخاصّ فإنّه يشكّل عبئًا ماليًّا كبيرًا لدى الفئات الوظيفيّة التي تقبض بالعملة اللبنانيّة، فيما لو كان هناك أكثر من طالبٍ واحدٍ في البيت الواحد، ما يمثّل تحدّيًا حقيقيًّا في مواجهته.

أزمة ثقيلة الوطء

الأزمة لم تطل الفئات التي تعتمد الوظيفة بشقّيها العام والخاص فقط، بل طالت مجتمع “حزب الله” الذي تغيّرت ظروفه عمّا كانت عليه قبل الحرب، حيث كانت التقديمات متاحة وتحديدًا في المدارس الخاصّة. فأولياء الطلّاب المنتسبون إلى حزب الله وقعوا، هذه السنة، في فخّ تراجع قيمة الرواتب لديهم والتي تجاوزت النصف. وقطع المنح المدرسيّة عن أبنائهم، ما انعكس عدم قدرتهم على استكمال إبقاء أولادهم في المدارس الخاصّة.

الأوضاع الاقتصادية الصعبة تضغط على ذوي الدخل المحدود على أبواب العام الدراسي

لم تقتصر الأوضاع الاقتصاديّة الصعبة في منطقة بعلبك على تداعيات الحرب، إنّما تعدّتها إلى سقوط النظام السابق في سوريا، والذي كان له أثر سلبيّ كبير على سكّان البقاع من الناحيتيْن الاقتصاديّة والمادّيّة إذ كانت شرائح كبيرة من أبناء المنطقة تستفيد من عمليّات التهريب والتجارة غير الشرعيّة، من بضائع وموادّ تجاريّة مختلفة بقيت عقودًا من الزمن تشكّل متنفّسًا اقتصاديًّا مهمًّا لأبناء المنطقة.

معاناة ذوي الطلّاب

التقت “مناطق نت” عددًا من ذوي الطلّاب في المنطقة لسؤالهم عن معاناتهم في مواجهة التحدّيات الدراسيّة وكيفيّة التعامل معها، وسجّلت الشهادات الآتية:

يقول محمّد العوطة من بلدة السفري إنّه اضطرّ هذا العام، إلى نقل أولاده الأربعة من إحدى المدارس “الإسلاميّة” الخاصّة، بسبب رفع أقساطها عن السنة الماضية من دون مبرّر، “فهذه المدرسة لا تخفّض ليرةً واحدةً من القسط العام. والقبض بالدولار. ولا مجال مطلقًا لأيّ تخفيضٍ إن كان عندك أكثر من ولدٍ فيها”.

ويضيف العوطة لـ “مناطق نت”: “لذلك وفي ظلّ الأوضاع الاقتصاديّة الضاغطة ومحدوديّة مدخولي، لم يكن لديّ خيار سوى نقل أولادي الأربعة إلى مدرسةٍ رسميّةٍ، إذ إنّ بقاءهم في الخاصّ سيكلّفني أكثر من 10 آلاف دولارٍ وهذه جريمة إن فعلتها”.

ما يقلق العوطة، الأثر السلبي الذي ربّما يتركه تبديل المدرسة “لناحية المنهج والأسلوب وطبيعة الموادّ، لا سيّما وأنّ أولادي في المرحلة المتوسّطة وهي مرحلة مفصليّة في المنهج الدراسيّ.”

طاولت أزمة أهالي الطلّاب المالية كذلك أبناء المتفرّغين في “حزب الله” وأولئك الذين كانوا يستفيدون من تقديمات “الحزب”

ويرى العوطة أنّ أيّ تراجعٍ دراسيّ يحصل لأولاده بسبب إرغامه على نقلهم إلى مدرسةٍ رسميّةٍ تتحمّله المدرسة الخاصّة التي كانوا فيها “وهي مدرسة يفترض أن تكون رحيمةً بالحدّ الأدنى بطلّاب بيئتها وناسها وألّا تكون لأثرياء الناس فقط، وتترك من هم أولى من سواهم، والشعور بفقراء الناس وذلك لتجسّد اسمها “الإسلاميّ” فعلًا وعملًا لا شعارًا وقولاً.”

اقتراح النقل المشترك

أمّا علي حيدر من بلدة كفردان وهو أب لثلاثة أولادٍ، فمشكلته مع المدرسة الرسميّة التي لا يستطيع تسجيل أبنائه فيها، فتتمثّل بقيمة القسط والتي تبلغ 13 مليون ليرةٍ للتلميذ الواحد في المرحلة الثانويّة، وهو موظّف براتب 350 دولارًا بالشهر “أيّ أنّني بحاجة إلى راتبٍ ونصفٍ لتسجيل أولادي، إضافةً إلى مستلزمات أخرى، ما يجعلني غير قادرٍ على مصروفنا اليوميّ لحاجاتٍ معيشيّة”.

ويشير لِـ “مناطق نت” إلى أنّه كان ينتظر من وزارة التربية هذا العام، أن يكون التعليم مجّانيًّا بمراحلة جميعها، وذلك شعورًا من الوزارة مع المواطن بسبب الأزمة الاقتصاديّة الخانقة التي يعيشها “لا سيّما نحن البقاعيين”. متسائلًا: “كيف لي أن أدفع كلفة نقل أولادي من بلدتي إلى مدرسةٍ رسميّةٍ تبعد عنّا نحو 12 كيلومترًا بكلفة 50 دولارًا للتلميذ الواحد، وهو ما يعادل نصف راتبي الشهري”.

ويقترح حيدر حلًّا جديدًا على وزارة التربية “إن كانت لا تستطيع إقرار التعليم المجّانيّ، أن تستحدث النقل المشترك في منطقة البقاع وتسيير حافلاتٍ خاصّة بطلّاب المدارس وفق خطّة نقلٍ مدروسةٍ في المكان والزمان والجدوى الإيجابيّة الخاصّة بمساعدة الناس”. ويختم مطالبًا الحكومة إدراج قضيّة مساعدة الطلّاب وأوليائهم على جدول أعمال مجلس الوزراء في أقرب فرصة “لأنّ الاهتمام بالتعليم قضيّة وطنيّة.”

أزمة محازبين

طاولت أزمة أهالي الطلّاب المالية كذلك أبناء المتفرّغين في “حزب” وأولئك الذين كانوا يستفيدون من تقديمات “الحزب”. فالمعلومات التي تتواتر عن خفض الرواتب والتقديمات لعناصر الحزب، انعكس على قدرة هؤلاء الماليّة وحياتهم المعيشيّة، ومنها الأقساط المدرسيّة التي يجري الحديث عن أنّها انخفضت إلى النصف، فضلًا عن تراجع قدرات هؤلاء عن استكمال تسجيل أولادهم في مدارس خاصّة، والتي كانت متوافرةً لهم قبل الأزمة الجديدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى