القصر البلديّ في “الفاكهة الجديدة” حلمٌ يقترب

في بلدة الفاكهة – الجديدة في البقاع الشماليّ، لا يقتصر الحديث على هموم الناس اليوميّة المثقلة بالأزمات، بل يتجاوزها إلى مشروعٍ طال انتظاره: استكمال بناء قصر بلديّ حديث يواكب حاجات المواطن، بعد عقود من العمل في مبانٍ مستأجرة لا تصلح للعمل البلديّ. غير أنّ المبادرة هذه المرّة جاءت من المواطنين أنفسهم، وليس من الدولة الغائبة عنهم.
مبادرة من رحم الغياب
مع عجز الدولة عن تمويل أيّ مشروع إنمائيّ عامّ، لم يبقَ أمام البلديّة سوى خيار إطلاق حملة تبرّعات من أبناء البلدة، مقيمين ومغتربين، لاستكمال المبنى المتوقّف منذ أكثر من عشر سنوات.
يؤكّد رئيس البلديّة العميد محبوب عون في حديث إلى “مناطق نت” أنَّ “المبنى الجديد ليس ترفًا بل ضرورة قصوى”، مشيرًا إلى أنّ “المبنى الحالي يفتقد إلى أدنى المقوّمات المطلوبة للعمل المنتج، من ضيق المكاتب إلى غياب موقف السيّارات أو قاعة كبرى للاجتماعات”. أمّا المبنى المرتقب، فهو مؤلّف من ثلاثة طوابق بمساحة تقارب الـ 300 متر مربّع لكلّ من الأوّل والثاني، و275 مترًا للثالث، يضمّ مكاتب إداريّة مجهّزة، قاعات اجتماعات، مواقف سيّارات وصالة للأنشطة العامّة.
رئيس البلديّة العميد محبوب عون: “المبنى الجديد ليس ترفًا بل ضرورة قصوى، فالمبنى الحالي يفتقد إلى أدنى المقوّمات المطلوبة للعمل المنتج
قصر بلديّ عنوان وهويّة
يؤكّد الناشط المدنيّ أحمد كبار في حديث إلى “مناطق نت” أنّ “وجود قصر بلديّ لائق سيكرّس حضور البلديّة كمؤسّسة رسميّة، ويؤمّن بيئة أفضل لتسيير معاملات المواطنين. إنّه أكثر من مبنى إداريّ، إنّه عنوان وواجهة لبلدة تستحقّ كلّ الاهتمام والرعاية من الدولة والبلديّة”.
ويشير عضو المجلس البلديّ ورجل الأعمال مهنَّد محي الدين إلى أنّ “المبادرة تُمَثّل فرصةً لمدّ جسرٍ متين بين البلدة وأبنائها المغتربين”، لافتًا إلى مل لمسه من استعداد وحماسة المغتربين للدعم “شرط وجود إرادة صادقة للإسراع في التنفيذ”.
الثقة قبل الحجر
لكن المبادرة ليست بمنأى عن الهواجس. فالأزمة الاقتصاديّة، وغياب الرقابة الجادًّة، وانهيار الثقة بالمؤسّسات الرسميّة، عوامل تثير تساؤلات حول آليّات إدارة الأموال. يقول الناشط الشاب علي س. 28 عامًا: “الناس مستعدّة للمساهمة، لكنّ المطلوب وضوح كامل في آليات الجمع والصرف. أيّ هدرٍ أو استغلال سيقضي على المشروع في مهده ويهدّد مشاريع مشابهة مستقبلًا”.
ولتبديد هذه المخاوف، وإزالة أيّ لَبس، يكشف محي الدين عن نيّة البلديّة تشكيل لجنة متابعة ومحاسبة من أعضاء المجلس وأبناء البلدة الموثوق بهم، “تشرف على استلام الأموال والمواد وفق إيصالات رسميّة، مع نشر كامل للأرقام والأسماء بما يضمن أقصى درجات الشفافيّة ويطمئن الجميع”.
من محلّيّة إلى نموذج وطني
يرى خبراء أنّ ما تشهده بلدة الفاكهة ربّما يتحوّل إلى نموذج يُحتذى في بلدات أخرى، خصوصًا في ظلّ تعاظم أزمة الدولة وتراجع قدرتها على تلبية الحاجات الأساسيّة للمواطنين.
وتوضح الدكتورة حنان عزالدين، الباحثة في الشؤون البلديّة والتنمية المحلّيّة، في حديث إلى “مناطق نت” أنّ “الشراكة بين المجتمع المحلّيّ والبلديّات قادرة على سدّ جزء من فراغ غياب الدولة، وتشكّل خطوة مهمّة في مسار التنمية التشاركيّة والحوكمة الرشيدة”. غير أنّ عزالدين، التي تتابع عن قرب تجارب مشابهة في بلدات أخرى، ترى أن “نجاح هذه المبادرات يظلّ رهنًا بقدرتها على الاستمرار”. محذّرة من أن “تتحوّل إلى مبادرات ظرفيّة، سرعان ما تتهاوى أمام تحدّيات التمويل والشفافيّة والمحاسبة”.
بين الأمل والامتحان
تعوّل بلديّة الفاكهة – الجديدة على جميع أبناء البلدة في الداخل والاغتراب. ويأمل رئيسها العميد محبوب عون أن يشكّل المشروع “بداية مسار عمل إنمائيّ رؤيويّ نهضويّ جديد، تحت سقف القانون. نعم القانون ومن دون استثناءات، فلا أحد فوق القانون”. لكنّه يقرّ بأنّ النجاح يبقى مرهونًا “بالشفافيّة في الإدارة، وتحويل هذه الخطوة من تجربة محلّيّة محدودة إلى نموذج وطنيّ لتعويض غياب الدولة”.
بين الأمل والهواجس، تبقى بلدة الفاكهة أمام امتحان صعب، هل تنجح في تحويل حلم قصرها البلديّ إلى حقيقة تبني الثقة قبل الحجر، أم تبقى المبادرة شاهدًا إضافيًّا على أزمة الحكم المحلّيّ في لبنان؟
