470 عائلة عادت إلى الطيبة والمياه لم تعد إليها

ثمّة 470 عائلة بحسب مصادر بلديّة الطيبة في قضاء مرجعيون عادت إلى بيوتها هناك، أيّ ما يشكّل ثلث السكّان والعائلات، ومعهم عادت المدارس والدكاكين وكثير من المؤسّسات الاقتصاديّة والمحلّيّة والحياة الاجتماعيّة، وحدها المياه لم تعد إلى عاصمة المشروع المكنّى باسمها ويقع في أعلى تلالها “مشروع الطيبة” الذي كان يغذّي إليها، عشرات البلدات والقرى في قضاء مرجعيون وصولًا إلى قضاء بنت جبيل، كلّ هذا قبل الحرب المشؤومة التي دفعت الطيبة جراءها عشرات الشهداء من خيرة أبنائها ومتعلّميها وأساتذتها ومثقّفيها، وعشرات الوحدات السكنيّة التي توزّعت بين تدمير كلّيّ أو جزئيّ، فضلًا عن نزوح قسريّ ما دام يشرّد مئات من عائلاتها هنا أو هناك.
تغلّبت 470 عائلة من الطيبة على قرار النزوح والتشتّت في أكثر من مكان لصالح قرار العودة، سبقتها قرارات أصحاب عديد من المؤسّسات الاقتصاديّة والتجاريّة بفتح أبوابها كي تعود إلى ربوع البلدة دكاكين السمانة والمواد التموينيّة والخضار ومحطّات الوقود وورش صناعيّة ومهنيّة، بعدما قامت بلديّة الطيبة بإصلاح جزء كبير من شبكات الكهرباء والمولّدات وفتح ثلاث مدارس بالتعاون مع مجلس الجنوب وخيّرين من أبناء البلدة. لكن تبقى مشكلة كبيرة يرزح العائدون تحت كلفها العالية، ألا وهي مياه الشرب والخدمة والريّ.
أزمة مياه طويلة الأمد
يقول نائب رئيس بلديّة الطيبة علي رمّال “كانت الطيبة قبل الحرب تغذّي عشرات القرى بالمياه، من خلال مشروع الطيبة ومحطّات ضخ كانت ترفده من مياه نهر الوزّاني عبر مولّدات ومحطّات ضخّ كبيرة، وقبلها من مياه نهر الليطاني الذي يعبر في شمال البلدة. كانت الطيبة تتغذّى مدّة أربعة أيّام من المشروع وشبكاته ومعها تتغذّى مختلف المناطق حولها وفي قرى القضاء. كانت التغذية قبل الحرب تكفي السكّان وكانوا غير مضطرّين لشراء المياه. لكن بعد قصف محطّة الوزّاني وتفجيرها وتفجير المضخّات فيها، منعت إسرائيل إعادة تركيب مضخّات بديلة”.

أمّا بالنسبة إلى مشروع الليطاني الذي كان هو الآخر يساهم في مدّ الطيبة بالمياه، يضيف رمّال لـ “مناطق نت”: “كانت على نهر الليطاني شماليّ الطيبة ثماني مضخّات مختلفة الأحجام، هذه المضخّات معطّلة، وأهملت بعد الاعتماد على طاقة الوزّاني منذ ما بعد العام 2002، والمشكلة الأكبر أنّ هذه المضخّات لا صيانة لها هنا في لبنان أو قطع غيار، لا يمكن إصلاحها إلّا في إيطاليا أو السويد لأنّها قديمة جدًّا، ومنذ ما بعد الحرب مباشرة وحتّى هذه اللحظة، قصد عمّال الصيانة مع فريق من اللجنة الدوليّة للصليب الأحمر مشروع النهر لفكّ مضخّة من أصل ثمانية، بغية إصلاحها كي تضخّ ما تيسّر بالحدّ الأدنى، وحتّى اليوم لم تعاد كي تركّب، هذا من نحو ستّة أشهر”.
ويأسف نائب رئيس البلديّة رمّال “أنّ الطيبة التي تغذّي نحو 100 قرية وناحية بالمياه، تعاني من صفر ماء، ويشتري العائدون من نزوح طويل المياه الآتية عبر خزانات الجرّارات الزراعية من وادي الحجير بـ 25 دولارًا للنقلة الواحدة، ومن عادوا إلى الضيعة يعلم الجميع أنّ أوضاعهم المادّيّة تحت الصفر هم الآخرون، فكيف بشراء الماء مرّتين في الأسبوع على الأقل؟”.
راجعت البلدية وعدد من المهتمّين في الطيبة أكثر من جهة أو مؤسّسة رسميّة، وكذلك مصلحة مياه جبل عامل وكان الردّ، بحسب رمّال “لا أحد يفكّر بحفر بئر ارتوازيّة في الطيبة إذ لا موازنة لذلك، ولا يمكن في الوقت عينه أن نجمع تبرّعات ومساهمات من أناس يعانون منذ سنتين من الحرب والتهجير وانقطاع سبل العمل ومصادر الإنتاج، ولا يكادون يؤمّنون قوت أيّامهم وأولادهم، ولا أجوبة شافية كذلك لدى مصلحة مياه جبل عامل التي راجعناها أكثر من مرّة وتلقي علينا عديدًا من الحجج، ومنها عدم التمكّن من إعادة تشغيل محطّة الوزّاني”.
رمّال: العائدون إلى قراهم وبلداتهم متروكون إلى مصائرهم، وكأنّ ثمّة عقابًا لهم على عودتهم
ويختم رمّال أنّ “العائدين إلى قراهم وبلداتهم متروكون إلى مصائرهم، وكأنّ ثمّة عقابًا لهم على عودتهم، أو كمن يقول لهم من خلال إهمالهم: أردتم العودة فتحمّلوا المسؤوليّة!”.
الحياة بدأت تعود
ويؤكّد عضو المجلس البلديّ علي صادق رسلان أنّ “الكارثة الكبيرة على العائدين إلى الطيبة هي شراء المياه وهناك أكثر من 470 عائلة تقطن اليوم في البلدة. أمس وزّعنا حصصًا تموينيّة متواضعة وتخطّت الـ 470 عائلة، وربّما هناك عائلات عادت أخيرًا ولم يتمّ إحصاؤها، وهذا مردّه إلى أنّ البلدة بدأت تستعيد حياتها الطبيعيّة، إذ إنّ ثلاث مدارس فيها فتحت أبوابها: الثانويّة الرسميّة والتكميليّة الرسميّة ومدرسة حبيش الأهليّة (خاصّة)، والتلامذة والطلّاب يتوجّهون إليها في أوقات الدوام بشكل طبيعيّ، وذلك بعد إجراء صيانة للمباني بالتعاون والتنسيق مع مجلس الجنوب، في المتوسّطة ثمة أكثر من 200 تلميذ وفي الثانوية أكثر من 70 طالبًا والمدرسة الخاصّة ما يفوق 350 تلميذًا”.
ويوضح رسلان في حديث لـ “مناطق نت” أنّ “سوق البلدة ووسطها التجاريّ استعادا نشاطهما، ففتحت فيهما عشرات المتاجر والدكاكين حتّى أنّ هناك ثلاثة دكاكين للقصّابين وبائعي اللحوم، إلى باعة الخضار والأفران ومحطّات الوقود، ومواد البناء، وكلّ ما يحتاجه الناس في يوميّاتهم المعيشيّة”.
الزراعة تحتاج إلى ماء
ويشير إلى أنّ “البلديّة تفتح أبوابها يوميًّا لممارسة نشاطها على رغم الضيق المالي الذي تعاني منه، مثلها مثل جميع بلديّات لبنان، فكيف بمناطق منكوبة بسبب الحرب والعدوان بعد أن زلزل الدمار كيانها على طول الحدود اللبنانيّة مع فلسطين المحتلة؟ تجتمع البلديّة وتتابع هموم العائدين وتقدّم ما تستطيع؛ ورئيس البلديّة وعدد من أعضاء مجلسها عادوا ليقطنوا في الطيبة بل سبقوا الناس إليها، لكن البلدة تحتاج إلى كثير الكثير كي تستعيد طبيعتها السابقة، قبل الحرب”.

وينفي رسلان أن تكون المواسم الزراعية قد عادت إلى الطيبة “فالزراعة تحتاج بشكل أساس إلى المياه، وإذا كانت المياه غير متوافرة للشرب والخدمة، فمن سيشتري ماءً ليزرع؟ وأهون عليه بكثير أن يشتري منتوجات الأرض على أنواعها من الدكاكين بدل أن يزرعها بكلفة ستكون عالية جدًّا مقارنة مع أسعار صهاريج المياه، لذلك لا نتوقّع عودة المزارعين إلى حقولهم قبل استقرار وضع المياه وانتهاء الأزمة. والمؤسف أن بساتين الزيتون لم تحمل هذا الموسم، وكأن الشجرات في حال غضب ممّا حصل من حرب وقصف وتدمير وحرائق، وكانت مواسم الزيتون تشكل مصدرًا أساسًا لمئات العائلات في الطيبة”.
لا مساعدات تليق
ويؤكّد رسلان أنّ “المساعدات العينيّة والغذائيّة لم يعد الأهالي، ولا سيّما من عادوا إلى الطيبة، يتلقّونها كالسابق، إذ إنّ آخر مساعدات وصلت إلى السكان هنا منذ يومين هي من إحدى الجمعيّات المحلّيّة، وهي مساعدات متواضعة مقارنة مع حاجة العائدين، ممّن دفعوا أثمانًا باهظة من أرواحهم وبيوتهم ومتاجرهم ومؤسّساتهم ومواسمهم الزراعيّة وحقولهم وماشيتهم ومدخراتهم التي أنفقوها، مع التهجير وطوال مدّة النزوح”.
ويضيف “نعلم جميعًا أنّ مئات العائلات لم تزل خارج البلدة ولن تعود إليها في القريب العاجل، خوفًا من الوضع الأمنيّ وعقبات الطرقات وعدم وجود مسالك سهلة إلى المستشفيات أو المراكز الصحّيّة في المنطقة والجوار، ويجب ألّا ننسى أن العدوان لم يتوقّف أصلّا على رغم قرار وقف إطلاق النار، واستمرار إسرائيل في اعتداءاتها واصطياد الناس على الطرقات أو حتّى في داخل قراهم”.
ويقدّر رسلان أن نسبة العائدين إلى الطيبة لن تزيد مع اقتراب فصل المطر “فمن عادوا، عادوا قبل بدء العام الدراسيّ، من أجل أبنائهم كي يتعلّموا في مدارسهم القريبة من بيوت الضيعة، ولن يتكبّدوا مصاريف إضافيّة للتنقّل أو باستئجار بيوت خارج البلدة، لذلك رمّم العائدون بيوتهم بما استطاعوا إليها سبيلّا، ويتحضّرون لفصل الشتاء الذي ستزيد مصاريفه ولا سيّما في عمليّة التدفئة، وهنا نتمنّى أن تنظر الدولة إلى أبنائها في القرى المنكوبة والمدمّرة بعين الأمّ الراعية والحنون، وألّا تتركهم للمجهول”.
تغيّر الطريق وأعباء النقل
يعتمد العائدون إلى الطيبة في تنقّلاتهم، في الذهاب إليها أو الخروج منها، خط ّمواصلات رئيس من غربها مرورًا بدير سريان فنزولًا نحو نهر الليطاني، وعبر جسر بلدة قاعقعيّة الجسر، نحو مدينة النبطية مرورًا ببلدات عدّة، بما يتجاوز 40 كيلومترًا بينها وبين النبطية ما يزيد في أعباء مصاريف النقل.
أمّا الخط الرئيس الذي كان يعتمده أبناء البلدة قبل الحرب من مدخلها الشرقيّ من خلال جارتها عديسة فكفركلا المدمرتين، إلى تلّ النحاس ثمّ باتّجاه مرجعيون عاصمة القضاء التي تبعد نحو 19 كيلومترًا عن الطيبة، أو باتّجاه النبطية بمسافة 28 كيلومترًا، فهو خطّ حذر جدًّا ويتحاشى العائدون وأبناء القرى الحدودية سلوكه بسبب السيطرة الإسرائيليّة عليه بالنار والاحتلال، ولكون الطريق محاذية تمامًا للحدود وبخاصّة بين عديسة وكفركلا التي قامت إسرائيل بتدميرها وتجريفها.