دير تعنايل .. حيث تكتشف الطبيعة العذراء
كتب خالد صالح
دير تعنايل .. الطبيعة والبساطة، الطبيعة من دون تجميل، حيوانات أليفة، حشائش غنّاء، زقزقرات عصافير، رقرقرات مياه، بحيرات إصطناعية، حتى المنازل ها هنا أمست مكونة من التراب والعشب.
إنها محمية دير تعنايل على طريق بيروت – دمشق الدولية، التي أمست أهم موقع بيئي في البقاع الأوسط، بحيث تضم أشجاراً متنوعة وفريدة، وتكثر فيها أشجار الحور والدلب والصفصاف والأرز الكندي والأرز اللبناني، وتعتبر موطناً لكثير من أنواع النباتات والحياة النباتية الفطرية.
تدخل الدير، تشعر بشيء من السكينة يتسلل إلى داخلك، تخفض صوتك وكأنك تريد الإنصات لحديث الأشجار، هنا يندهش المرء بحسن التنظيم والترتيب الذي وفّرته إدارة المحمية الرائدة والنشطة لتنظيم الدخول والسير والخروج منها، فهنالك مجموعة من الشباب والشابات الذين يقومون بمهمات عديدة خارجها وداخلها للحفاظ على هذا الحيّز السياحي والبيئي المهم.
في التأريخ أن ثلاثة رجال يسوعيين هم الأبوان ريكادوا وبلانشه والأخ هنز، وصلوا إلى البقاع العام 1833، وشرعوا في بناء دير في بلدة المعلقة على أرض تبرع بها لهم الأمير بشير الثاني 1863، وسلمت تركيا إلى اليسوعيين بواسطة فرنسية اراضي في خراج تعنايل بمساحة 230 هكتارا فدية 6 يسوعيين قتلوا في زحلة ودير القمر خلال مجازر 1860.
كانت الأرض عبارة عن مستنقعات غير صحية وغير صالحة للزراعة والسكن، وقد أمكن تجفيفها وزرعها ونصب آلاف الأشجار، بإشراف لويس الجميل ما بين 1871 و1881، الذي عمد إلى بناء دير صغير مع كنيسة، ووصلت صورة ” سيدة التعزية ” العجائبية إلى تلك الكنيسة، ورفعت فوق المذبح العام 1881، وهي نسخة عن الصورة الأصلية التي لا تزال تكرَّم في مدينة تورينو الإيطالية منذ القرون الوسطى.
بعد نهاية الحرب الأولى عاد الآباء اليسوعيون إلى دير تعنايل، رمّموا الدير الذي إستعاد دوره الحيوي في المنطقة ككل، بعد ذلك أسس اليسوعيون مستوصفاً صغيراً لعمّال الدير ما لبث أن نما واتّسع ليصبح مركزاً طبياً مرموقاً، قصده الكثيرون من سكان المنطقة، وفي الثمانينيات أبدل المستوصف بمدرسة مهنية مختلطة (متوسطة وثانوية) والمدرسة ما زالت قائمة ومزدهرة حتى اليوم.
إشتهر دير تعنايل بمزرعته النموذجية حيث تعتمد الطرق الفنية في صناعة الألبان والأجبان وتربية الأبقار وإستصلاح الأراضي الزراعية، إضافة الى نصب الأشجار المثمرة والبرية، وزراعة الكروم. ولريّ المزروعات في الأراضي المحيطة بالدير، حفرت بحيرة كبيرة تتجمّع فيها المياه.
حماية ذاتية وفّرتها إدارة الدير على مر السنين، فأصبحت المنطقة نقطة جذب سياحية ومقصد عمليات تصوير سينمائي وتلفزيوني وأكثر ما تمتاز به محمية دير تعنايل توسّط البحيرة الطبيعية الرائعة المنطقة، وهي تشكل ملاذاً آمناً للطيور المهاجرة وغيرها من الطيور المحلية والبط والحيوانات البرية.
إعتماد بحيرة دير تعنايل الأساسي هو على مياه الأمطار كمصدر رئيسي لتغذيتها، فضلاً عن مياه نهر شتورا الموسمي الذي يتدفق نتيجة ذوبان الثلوج، وتشكل على مدار الفصول مصدراً لريّ أجزاء من أراضي المحمية أو الدير صيفاً وفق دراسة تساهم في الحفاظ على مياه البحيرة على مدار السنة.
تحفّ بالمحمية التي يرتادها الزوار من المناطق كافة، سهول شجيرات العنب، ويحلو للزائر أن يزور مرافق الدير الصغير، فضلاً عن باحة أثرية جهّزت بمقاعد للراحة وبأجمل أنواع الطيور. وهنا لن ينسى الزائر مشاهدة الغزلان والخيول والأبقار والأغنام وطيور الطاووس، ولا بد من مشاهدة مطبخ المحمية، حيث يتذوق الزائر أشهى الألبان والأجبان والقريشة اللبنانية البلدية مع العسل بالخبز المرقوق، وجميعها طازجة شهية من إنتاج مزارعي المحمية.
هنا في دير تعنايل، إركب على دراجة هوائية، قم بجولة في ممراتها الطبيعية الضيقة، تلمس بكارة الطبيعة التي لم تعبث بها آلات العصر، إستسلم للنسيم المنسلّ من بين أشجار الحور والدلب، تولد من جديد .. فتصرخ بأعلى صوتك : إلى الطبيعة در ..