مهرجان الفريكة الثقافي الدولي.. تحية للراحل منير أبو دبس
زهير دبس
شكّل إسم “الفريكة” قيمة مضافة لعنوان المهرجان الذي أقيم فيها في ٢٧ و٢٨ و٢٩ تشرين الأول “مهرجان الفريكة الثقافي الدولي” نظراً لما تحمله تلك القرية الوادعة من إرث ثقافي تعمّد بأسماء أبنائها المبدعين، منهم فيلسوفها أمين الريحاني الذي تكنّى إسمه باسمها فصار “فيلسوف الفريكة”، والصحافي المهجري الذي أنشأ أول صحيفة عربية في أميركا نعوم مكرزل، وأيضاً إبنها رائد المسرح اللبناني الحديث منير أبو دبس وغيرهم الكثير.. للأمكنة دور وتأثير أيضاً في إضفاء طابع خاص على الفعاليات التي تجري بداخلها، وهنا نتحدث عن بناء عقد قديم يفوق عمره المئتي عام وكان مصنعاً للحرير (كرخانة) يملكها فارس الريحاني والد الفيلسوف أمين الريحاني… إضافة للرمزيات التي أحاطت بالمهرجان، شكّلت المشاركة اللبنانية والعربية والدولية النخبوية في المهرجان علامة فارقة في الأنشطة الثقافية التي يشهدها لبنان حالياً. كل ذلك جعل من “مهرجان الفريكة الثقافي الدولي” مهرجاناً يغرّد خارج سرب المهرجانات التقليدية التي تجتاح لبنان من أقصاه إلى أقصاه خلال الصيف، وهذا ما حرص المنظمون على تغيير تاريخه، فأقاموا مهرجانهم في هذا الوقت وهو ما بات يُعرف بالموسم الثقافي.
المهرجان استمر ثلاثة أيام وتوزّعت فعالياته ما بين الشعر والرسم والمسرح والموسيقى، وتخللته كلمات تحية لمؤسس المهرجان الفنان الراحل منير أبو دبس والذي صودف انطلاق فعاليات المهرجان مع مرور عام على رحيله. افتتح المهرجان بكلمة ألقتها هبة عبد الخالق، ومن ثم ألقى الشعراء هاني نديم (سوريا)، عصام عساف (لبنان)، نسرين كمال (لبنان)، ناصر الحجاج (العراق)، أنطوان بولاد (فرنسا/لبنان)، والشاعر الفرنسي بول دو برانسيون قصائد لهم، فيما ألقى المستشرق الألماني سيباستيان هاينه قصيدتين تمت ترجمتهما إلى الألمانية من ديوان “الطارق” للشاعر مكرم غصوب. وأيضاً نصوص للراحل منير أبو دبس. هذا وكان ضيف الأمسية الفنان مرسيل نصر الذي عزف مقطوعات على العود.
المسرح كان له حصة في المهرجان من خلال عرض “الكلمة بين المسرح واللاوعي، الارتجال على خشبة الكلمات” قدمه تلامذة الراحل أبو دبس، لوسيان بو رجيلي، مايا سبعلي وطارق أنيش وطوني الريف. وتخلل المهرجان حلقة نقاش حول “اللاوعي في اللغة” تحدث فيه الشاعر الفرنسي بول دو برانسيون والمستشرق الألماني سيباستيان هاينه الذي يتقن ١٥ لغة واللغوي فادي الأنسي، والشاعر والممثل اللبناني أدهم الدمشقي.
“الكلمة بين الموسيقى والموسيقى” هي إحدى فقرات المهرجان حيث حيث قدّمت فرقة تجلي مقطوعات من “تجليات صوفية”. وقدّم إيلي عقيقي وفرقة لاتينو لوكو مقطوعات تحت عنوان “على إيقاع الكلمات”.
الرسم كان له حصة في المهرجان “رسم بالكلمات” حيث شارك الفنانون: لوركا موبورغي (فرنسا)، صوفي فوتور (فرنسا)، جهاد السماك (لبنان)، نسرين الأشقر (لبنان)، عماد برباري (لبنان) وجيل دبس (لبنان).
“مهرجان الفريكة الثقافي الدولي” أسسه الفنان منير أبو دبس عام ١٩٩٩ بعدما عاد من فرنسا واستقر في الفريكة مؤسساً معهداً لتعليم المسرح في المبنى القديم نفسه الذي يُقام فيه المهرجان. “مناطق.نت” التقت أحد أصدقاء الفنان الراحل، وأحد منظمي المهرجان الشاعر مكرم غصوب الذي قال: “المهرجان أسسه أبو دبس ليشكّل ملتقى للفنانين من مختلف أنحاء العالم وفي شتى مجالات الفنون. أضاف غصوب “في العام ٢٠١٥ كان المهرجان الأخير الذي شارك فيه أبو دبس حيث رحل في العام ٢٠١٦. لذلك وبعد مشاورات مع نجله جيل قررنا تشكيل نواة لجنة لإعادة إطلاق المهرجان ليكون تحية له وهكذا كان. عن الذي يميز مهرجان الفريكة عن غيره يقول غصوب إنه يعتمد معاييراً عالية في المواد الفنيّة التي تُقدّم، وهو ليس مهرجاناً جماهيرياً بل ثقافياً نخبوياً، نأمل من خلاله تعميم مناخ ثقافي مختلف يرتقي بالانسان إلى مصاف الفنون لأنها هي القادرة على الانفلات من قيود المكان والزمان. أضاف غصوب “الثقافة هي الأمل الوحيد والباب المفتوح ليرتقي الإنسان من نمط الحياة الاستهلاكية إلى حالة الخلق والإبداع، والذهاب إلى المكان الوجودي الصحيح، بدلاً من حالة التهميش التي يعيشها.
عن اختيار توقيت المهرجان يقول غصوب إنه يعود لسببين الأول هو محاولة لتحويل المهرجان إلى فصلي وكما اخترنا في هذا المهرجان موضوع “كلمات”، من الممكن أن نختار في الربيع “إشارات” وفي الصيف عنوان آخر. السبب الآخر هو قدوم عدداً من الفنانين الفرنسيين للمشاركة في تكريم الفنان أبو دبس الذي سيقام على هامش معرض الكتاب الفرنكوفوني.
الحضور هذا العام كان لافتاً يقول غصوب: “القاعة امتلأت بالحضور ولم تعد تتسع له، وهذا برأيي بادرة جيدة لكي تتجه الناس إلى الكتاب بدل أن تتجه إلى أمور فارغة “كتدخين النراجيل وغيرها”.
من جهته اعتبر الفنان جهاد السماك أن المهرجان استطاع أن يجمع بين فنون عدة هي الشعر والرسم والمسرح والموسيقى. واعتبر السماك أن مستوى المشاركة كان عالياً، سواءً كان من حيث مستوى الفنانين المشاركين أم من حيث نوعية الأعمال التي قُدّمت فيه.
وأيضاً لم يكن هناك من تشابه في الأعمال بين الفنانين، بل كانت منوّعة وشاملة. لذلك كان هناك أعمالاً كلاسيكية وأخرى تجريدية. عن الذي ميّز مشاركته هذه عن باقي مشاركاته الأخرى قال السماك: “عرضت أعمالاً جديدة نفّذتها خصيصاً للمهرجان، تناسب عنوانه وطبيعته النخبوية. وما يميّز المشاركة فيه أن الأعمال هنا تكتسب أهميتها نظراً لطبيعة المشاركين والحضور. فالجمهور منوع من الموسيقى للشعر والمسرح واللغة وغيرها. تابع السماك: “المشاركة العالمية والعربية أغنت المعرض، حيث اطلع المشاركون الأجانب على أعمالنا كلبنانيين والعكس صحيح، وأدّت إلى نقاش عميق وتبادل في الآراء حول مميزات وقدرات كل منها، فالنظرة إلى العمل الفني لا يُنظر إليه كحيّز جمالي فقط، بل إلى تقنياته وإلى صناعته. لذلك كانت المشاركة غنية جداً. عن الأعمال التي قدّمها في المهرجان قال السماك إنها اندرجت تحت عنوان المهرجان وهو “كلمات” لذلك قدمت أعمالاً تناسب العنوان، ولاقت ردود فعل إيجابية.