الحاجة كرمى معمّرة شمسطار والبقاع: ليست كنسوان اليوم وما زالت تذكر يوم الجراد واقتحامها غرفة نوم صبري بك
كتب علي سلمان
عشر من السنين بعد المئة لها في ذمة الحياة، والعمر يتواصل في حياة صحية ملؤها البسمة التي لا تفارق ثغرها والطيبة التي تختزنها في سريرتها وتترجمها دماثة خلق وخفة ظل ونكتة حاضرة ساعة تريد ان تحادثها عن كل ما يجول في خاطرك من تساؤلات. انها الحاجة كرمى نجار ابنة بلدة شمسطار البقاعية، اكبر المعمرين والمعمرات في البقاع ان لم نقل في لبنان، وحتى هذا العمر لم يخنها اي من حواسها الخمس تستخدمها بعقل سليم وذاكرة تعود بها الى زمن الحرب العالمية الاولى مستذكرة عام الجراد الذي غزا لبنان واكل الاخضر واليابس “حتى أنَ الحجر لم يسلم منه ومؤونتنا السنوية من قمح وعدس وشعير اكلها وهي على اسطح المنازل ودخل البيوت ولم يوفر شيئاً.
وتضيف الحاجة كرمى “كنت اخت الرجال في زمن الاحتلال الفرنسي الذي كان عسكريوه يداهمون بيوتنا بناء على وشاية لمصادرة “البواريد” حيث كنت اخبئها في خوابي المونة، وذات مرة “كبسونا” بغياب زوجي فتعاركت معهم لمنعهم من اقتحام المنزل، لان “البارودي” كانت بالقرب من خابية الزبيب التي تلهى الجنود بأكله ونسوا مهمتهم ولم يأخذوا “البارودي”.
امّا الثوار الذين كانوا يطلقون عليهم اسم الطفّار، وهم الذين كانوا يشنون عمليات فدائية ضد الجنود الفرنسيين، فكانوا يلجأون الى جرود البلدة عند الكبسات، والحاجة كرمى تتولى طهي الطعام لهم لتأمين بقائهم على قيد الحياة، لأنهم كانوا يقضون احياناً اشهراً في الجرود، كما كانت توضب لزوجها البواريد في أكياس مُموهة، لينقلها الى الشرق “قرى شرقي بعلبك” لينقلها الى ابو علي ملحم قاسم، “الرجال القبضاي البطل بمحاربة العسكر الفرنسي”.
وتروي الحاجة كرمى حادثة تعرض لها زوجها الحاج مهدي الدلباني اثناء نقله للاسلحة عندما كمن له عدد من العساكر في منطقة السهل واقتادوه الى سجن زحلة، يومها كان صبري بيك اي صبري حمادة “رئيسا لمجلس النواب وقصره في بلدة حزين البقاعية “فذهبتُ اليه لأقابله الاّ انّ حراسه حاولوا منعي من الدخول الى القصر، لكني وجّهت اليهم كلاما قاسياً وقلت بدي فوت قابل البيك بالقوة، ونتيجة لاصراري سمح الحراس لي بالدخول، وكان البيك ما زال نائما، فدخلت غرفة نومه دون خجل وقلت له بالحرف “زوجي مهدي بالسجن وانت بعدك نايم وحاضن زوجتك”؟! فأجابني تكرمي العصر بيكون زوجك ببيته، وبالفعل كان صادقاً بقوله حيث اصطحبني بسيارته الى زحلة واخرج زوجي من سجنه فقال لي ارتحتي؟ فأجبته هذا واجبك يا بيك”.
ولفلسطين محبة خاصة في قلب الحاجة كرمى التي كانت تجهز رحلة زوجها الى الاراضي المحتلة بكل ما يحتاج إليه بسفره حيث كان يساند اهل فلسطين بالسلاح المهرب من لبنان في رحلة تستمر اياماً طويلة، يتكبد خلالها المشقات الجسدية والامنية، وكنت ابكي دائما على ما يحصل في فلسطين قبل احتلالها بالكامل.
الحاجة كرمى ذات الجسم “المُنمنم” كما تقول، كانت تملك جرأة وارادة قوية في مواجهة كل الصعوبات التي تعترضها في حياتها، وهي ما ترددت في اخبارنا كيف ولدت توأمها مصطفى وعلي “عندما كنت بالسهل في موسم الحصاد وانا في شهري التاسع وفجأة شعرت بطلق ولادة، وما هي الا لحظات حتى سقط من بطني الجنين وكنت بمفردي فاستعنت بحجر وقطعت حبل السرة، وحملت طفلي وعدت الى المنزل، ولما رأتني امي بهذا المنظر طلبت احضار الداية لمعالجة وضعي لكن سرعان ما سقط مني شيئ اخر لم ادر انه جنين ولم اكن خائفة من اي عوارض صحية “كنسوان اليوم”.
ودعنا الحاجة كرمى وهي تدعو لنا بطول العمر قائلة لا تنسوا ان تذكروا اني اخت لسبع عشرة بنتا واخ واحد وكل الضيعة بتقربني بالمصاهرة.