التوحش الزراعي: إسراف باستخدام المبيدات والمياه الملوثة..والزراعات المنزلية هي الضمانة (فيديو)
زهير دبس
بالرغم من أن السماء كانت بخيلة هذا العام حيث بقيت نسبة الهطولات متدنية وقاصرة عن بلوغ المعدل المطلوب، لكن بالرغم من ذلك وكعادتهم كل عام بدأ الجنوبيون حراثة أراضيهم وتجهيزها تمهيداً لزراعتها بالموسم الصيفي الذي يحين موعده ابتداءً من العاشر من نيسان، وأحياناً قبل هذا الميعاد، حيث تلعب التقلبات المناخية دورها في ذلك، والتي تنبئ بأن صيفاً مبكراً سيحل هذا العام.
الزراعات الصيفية في الجنوب تغيّرت كثيراً بين الأمس واليوم، ففي الوقت الذي كانت فيه تلك الزراعات بعلية طبيعية يُؤصل بذارها المزارعون بأنفسهم عاماً بعد عام، أصبحت اليوم بمعظمها داخل البيوت البلاستيكية وما هو خارجها يعتمد شبكة ري بواسطة أنابيب تعتمد نظام النقطة، حيث استبدلت البذور التي كانت تُغرس في التراب وتنمو ببطء بشتول جاهزة يتمّ تحضيرها في المشاتل التي انتشرت بكثافة تلبية لحاجة المزارعين.
سابقاً وقبل الجرارات الزراعية، كانت الأراضي تُحرث بواسطة الفدادين التي تجرها ثيران، أما اليوم وبعد تلك الجرارات دخلت الآلات الصغيرة التي يتم التحكم بها بالأيدي للقيام بتلك المهمة. وهذه الآلات غالباً ما تستعمل في حراثة المساحات الصغيرة من الأراضي والتي تكون عادة مزروعة بالأشجار حيث لا تستطيع الجرارات الكبيرة الدخول بينها مخافة إيذاء تلك الأشجار.
الموسم الصيفي الذي بدأ الجنوبيون بزراعته يتنوع بين البندورة، الباذنجان، الكوسى، المقتى، اللوبياء، البامياء، الخيار، الملوخية والذرة (العرانيس)، وأيضاً البطيخ والشمام وغيره. وبعكس الزراعات البعلية التي كانت سائدة في الماضي حيث كانت تخلو من أي مواد كيميائية مركبة وتنمو على طبيعة الأرض، يتم معالجة معظم المزروعات الصيفية الآن من خلال تلك المواد ورشها بالسموم والتي أصبحت ضرورية لا تنمو تلك المزروعات من دون معالجتها بها.
الزراعات اليوم سواء كانت صيفية أم شتوية والتي تعتمد طرائق حديثة تفتقد سياسات توجيهية يجب على الدولة وتحديداً الوزارة المعنية القيام بها وتفتقد أيضاً إلى المعايير العلمية التي وبغيابها تصبح تلك المزروعات عرضة لمخاطر عديدة منها طرائق الرش والكميات المطلوبة في ذلك وأيضاً نسبة المركبات الكيميائية التي توضع في المزروعات والتي يتم استخدامها عشوائياً دون حسيب أو رقيب، والتي بدأت نتائجها في الظهور من خلال موت الحشرات المفيدة للطبيعة ومن خلال موت العصافير التي تأكل من تلك المزروعات. فالإفراط في استعمال الأدوية الزراعية أدى إلى خلل في الطبيعة وإلى اختلال في توازنها البيئي الذي قضى على التنوع فيها من خلال القضاء على الحشرات الضارة والمفيدة معاً والذي يحتاج وفق مهندسين زراعيين إلى سنوات طويلة لإعادة ذلك التوازن في حال تأمن حماية له.
استعمال المركبات الكيميائية ورش المبيدات بشكل عشوائي أدى أيضاً إلى تبدُّل جذري في طبيعة الأرض التي لم تعد تنتج محاصيل من دون تلك الادوية في ظل جفاف واضح أصاب الأراضي بفعل شح الأمطار الذي يتناقص سنوياً، وبفعل الحفر العشوائي للآبار الارتوازية الذي أدى بدوره إلى جفاف عيون المياه والينابيع التي كانت منتشرة بكثرة في القرى والبلدات، وأصبحت أسماء بلا أمكنة حيث عاثت يد الإنسان فيها خراباً وتحوّلت إلى عيون شاخصة إلى توحشنا وافتقارنا إلى الحد الأدنى من الوعي البيئي الذي يغيب عن ثقافتنا الحياتية ويتلاشى شيئاً فشيئاً.
في ظل هذه الفوضى الزراعية والبيئية يلجأ الكثير من الجنوبيون، والذين لا يُصنفون ضمن خانة المزارعين الكبار، إلى اعتماد الزراعة العضوية في حدائقهم وذلك للاستهلاك العائلي، وذلك بعدما استفحلت أخبار تلوث المياه وري المزروعات بمياه المجارير، وأدّت إلى الخوف وإلى التدقيق بمصدر المزروعات ونوعيتها والبحث عن المعايير المتبعة في زراعتها وسلامتها.
في ظل شح الأمطار الذي شهده هذا العام، يبدو أن هناك أزمة مياه تلوح في أفق هذا الصيف، سيضاعف نتائجها ازدياد الطلب عليها حيث يتحضّر أصحاب الصهاريج لموسم واعد، بينما يتحضر المواطن لدفع فاتورة مياه إضافية، تُضاف إلى الفواتير المزدوجة التي يدفعها وتُرتّب عليه أكلافاً تثقل كاهله.
الجرارات الزراعية تدور والشتول تستعد للتراصف في الحقول وفي البيوت البلاستيكية، بينما يفتش المزارعون عن مصادر مياه تؤمن لمزروعاتهم الحياة والعطاء يأملون من خلالها بموسم واعد بينما يأمل المواطنون بمزروعات بعيدة عن التلوث وعن المركبات الكيميائية وبعيدة عن ارتفاع الأسعار.