مجدل عنجر .. التاريخ يحكي الإرث المجيد
كتب خالد صالح
دائماً هناك همزة وصل بين التاريخ والحاضر، مهما تعاقبت الفصول والأحداث، تظلّ هذه الحلقة مشرقة لتضيء على حقبة، مرت على مكان أو زمان، طبعته فيها وإلتصقت به، ليقف الزمن شاهداً عليها، وتكون حكاية للأجيال.
ليس الحاضـر فقط هو من جعل من مجـدل عنجـر محطّ أنظار المراقبين والإعلاميين، وليس موقعها الجغرافي المميز، كأهم بوابة عبور برية للبنان، أو لأنها على مدخل وادي الحرير المفضي إلى دمشق، بل لأن تاريخها يحمل محطات خالدة، تجعل من سرد وقائعه فرصة لتأكيد أن تاريخ لبنان يرسم بوضوح تاريخ المنطقة برمتها.
مجدل عنجر هي إحدى بلدات قضاﺀ زحلة، محافظة البقاع، وكأن قدرها أن تقع في منتصف الطريق بين عاصمتين عربيتين كبيرتين في القيمة والتاريخ، بيروت ودمشق، لتكون همزة الوصل بينهما، ورغم أنها شهدت في العقود الأخيرة تطوراً عمرانياً وثقافياً وتجارياً كبيراً، ساهم في ذلك وجود مرفق حيوي فيها هو مركز المصنع الحدودي، الذي يعتبر بوابة رئيسية تربط لبنان بالدول العربية، إلا أن تاريخها العريق، كان أكبر من كل ما وصلت إليه.
تعود تسميتها إلى قلعة معروفة بـ ” الحصن ” تقوم على مرتفع منها، وتشكل ممراً شرقيا رئيسياً إلى البقاع الغربي وراشيا، ولهذه البلدة تسـميات كثيرة، فسمّاها المصريون ” تل العمارنة “، وسـمّاها اليونانيون ” خلقيس ” أو ” كلشيس “، وتعني النحاس، وسـّماها داود ” صوبا ” وتعني ” محـلة “، وأنشأها الفينيقيون تحت عنوان ” مجدل عنجر أو دار العز “، وكلمة مجدل هي إسم آرامي يعني ” المرقب ” أو” المكان العالي “، أما ” عنجر” فتقسم إلى ” عـين ” و” جـر” وتعني ” العين الجـــارية ” كما يـمكن أن تـعني ” زئيـر الأســد ” أو ” الصاعقة ”.
لمجدل عنجر معبد روماني مهمّ ومئذنة فريدة من نوعها في لبنان، أهالي البلدة إعتادوا تسمية المعبد بالقلعة او الحصن، هذه القلعة تقع على تل مرتفع يطل على أجزاء واسعة من سهل البقاع الأوسط والجنوبي، هناك حيث تنتصب قلعة مجدل عنجر، التي تمثل معلماً تاريخياً قديما يشير إلى قدم البلدة وتاريخها السياسي والإجتماعي والعسكري على مر العصور .
يعود تاريخ بناء المعبد ” قلعة مجدل عنجر” إلى الحقبة الرومانية، ويرى بعض المؤرخين أنه يعود إلى نهاية القرن الأول الميلادي، ويطلق أهالي مجدل عنجر عليه تسميات عدة منها : الحصن والقلعة وقصر عنتر، وذلك نظراً لضخامة حجارته لاسيما الأساسات، ويعود إكتشاف هذا المعبد في عصرنا الحديث إلى الحفريات التي قامت بها الدولة اللبنانية في ستينيات القرن الماضي، وأثمرت تلك الحفريات وقتها عن توضيح معالم مدينة رومانية كانت تسمى ” كالسيس “، و بدأت عملية ترميم القلعة وإعادة بعض الجدران والأعمدة إلى أماكنها، وأُبرزت التيجان المزخرفة أعلى الأعمدة وأسفلها .
أما المئذنة، والتي يُرجح أنها تعود لزمن الضليبيين، فتبدو من الخارج وكأنها كانت قبة كنيسة مربعة القاعدة، إرتفاعها نحو إثني عشر متراً وضلعها نحو الستة أمتار، يُصعد إلى قبتها بدرج لولبي، وقد حوّلها صلاح الدين الأيوبي إلى مئذنة بعد أن أنجز البناء الأسطواني داخل الدرج اللولبي، وتنتهي القبة ببيت الجرس وهو كناية عن غرفة صغيرة لها نوافذ أربعة متقابلة في الجدران الأربعة، علو النافذة متر ونصف المتر وعرضها ثلاثة أرباع المتر، يتوسط كل منها عامود إسطواني رشيق، له قاعدة صغيرة، وتاج خالٍ من الزخارف.
رئيس بلدية مجدل عنجر السيد سعيد ياسين أكد لموقع ” مناطق.نت ” ” أن البلدية تولي موضوع القلعة والمئذنة الإهتمام اللازم والضروري للمحافظة عليهما، كمعلم أثري مهم يدل على تاريخ البلدة، فالقلعة عانت خلال العقود الماضية من الإهمال ما جعلها عرضة للكثير من التعديات، ولأننا ندرك قيمتها، تواصلنا مع وزارة الأشغال العامة، لشق طريق بعرض عشرة أمتار يجعل الوصول إليها سهلاً، وأخذنا الموافقة من وزارة الطاقة أيضاً لإنارة الطريق المؤدي إليها ومع وزارتي الثقافة والسياحة لإنارة القلعة وإعادة الحياة إليها “.
وقال ياسين : ” بعد أن تًنجز البنى التحتية المؤدية للقلعة، ويصبح الوصول إليها يسيراً، ندرس حالياً إقامة مهرجانات سياحية فيها، نحن كمجلس بلدي لم نحدد ما هي طبيعة هذه المهرجانات حتى اللحظة، لكننا نريد وضع القلعة وبالتالي البلدة على الخارطة الثقافية والسياحية في لبنان، وتسليط الضوء على تاريخ مجدل عنجر “.
أما المئذنة يضيف ياسين : ” لقد بتنا نخشى عليها من السقوط والإنهيار، فنفقد قيمة تاريخية كبيرة موجودة لدينا، لاسيما وأن المئذنة يعود تاريخها إلى القرن الميلادي الأول، وحتى اللحظة لم تنل حظها من المتابعة الرسمية، ولم يطرأ عليها أي ترميم أو صيانة، ولقد تواصلنا مع وزارة الثقافة كي توليها الإهتمام اللازم للمحافظة عليها، خصوصاً أنه هناك مرسوم جمهوري صادر بتاريخ 17 شباط 1947 وموقع من الرئيس بشارة خليل الخوري، بضم المئذنة إلى جدولة الآثار وتصنيفها “.
وقال ياسين : ” نولي مجدل عنجر الإهتمام الذي تستحقه، نبذل كل ما في وسعنا لمواكبة النهضة العمرانية فيها بشكل كامل، وفي الوقت نفسه نسعى للمحافظة على إرثها التاريخي، الإرث العربي والإسلامي العظيم، فـ ” مجدل عنجر ” كانت ولا تزال وستبقى ” القلعة ” التي تقف شامخة على بوابة لبنان “.
تاريخ مجدل عنجر حافل بالمحطات المضيئة، وأسوة بغيرها من المناطق اللبنانية تحمل صفحات من تاريخ لبنان، وعلى المسؤولين المعنيين الإلتفات نحو مجدل عنجر وكل المناطق التي تحوي إرثاً تاريخيا والمحافظة عليه.