نازحات سوريات..وحكايات لا تُحكى
كتب خالد صالح
قف للحظة أمام باب مستشفى أو باب بلدية أو جمعية خيرية، تأمّل في وجوه النسوة الداخلات والخارجات، في عيونهن ستلمح دمعة قد تجمدت ورفضت النزول من كبرياء لترفض المذلة، وعلى وجوهن سمات الغضب، وهن العزيزات المكرمات قبل أن تفرض عليهن الوقائع الدموية التي تعيشها بلادهم من النزوح إكراها لا طواعية .
النسوة السوريات النازحات، في حكاياتهن وجع، وفي صمتهن صرخات قد لا يسمعها ولا يتحسسها إلا من ذاق وجع النزوح والخوف من وحشية الإنسان في زمن الحرب، قد يصح القول بأن للحرب قوانينها، لكن الثابت أنه في هذه الحرب تدفع النساء السوريات الثمن أكثر من غيرهن : إغتصاب، تحرش، عنف معنوي أو جسدي، لا فرق، والمأساة لا تقف عند هذا الحد، فزواج القاصرات السوريات وتحول الغالبية إلى مهنة الدعارة بهدف تأمين لقمة عيش لأولادهن وعائلاتهن صارا سمة النازحات اللواتي ما عدن يأبهن إلا إلى سقف يأويهن مع عائلاتهن ورغيف خبز طري عند المساء.
هي فصول من حكايات النازحات السوريات، ومخيمات النزوح في لبنان تضج بألف حكاية ورواية، حتى باتت أحاديث المجتمع اللبناني مليئة بأخبارهن، من ناحية لجهة التعاطف معهن لما يتعرضن له من أمور لا يقبلها عاقل، ومن ناحية ثانية لجهة القلق من وجودهن بعد أن أصبح الزواج منهن أمراً يقض مضاجع الكثير من البيوت .
لقد فرض النزوح واللجوء التفنن في أشكال الإستغلال، فبعض النازحات واجهن في لبنان أشكالاً من العنف الظاهر من خلال إرغامهن على الزواج، من قبل أهلهن، بحكم الضائقة الإقتصادية، وهذا تسبب في حالات من الصدمة تسود بينهن، فهن أصبحن بين مطرقة الفقر والعوز وسندان الإستغلال والإبتزاز.
إن الأزمة التي خلقها واقع النزوح هي أكبر من إمكانيات لبنان، وما يسببه واقع اللجوء من عنف وذل وإكتظاظ وفقدان أمان وخصوصية، وعنف إجتماعي وإقتصادي ونفسي وإنحلال قيم وتسرب فوضى أخلاقية، يصيب النساء والأطفال أكثر من غيرهم باعتبارهم الفئة الإجتماعية الأضعف، فالنساء والفتيات السوريات النازحات لا يملكن الحد الأدنى من المقومات الإقتصادية والإجتماعية، ويعانين من الإستغلال من أجل حصولهن على الخدمات، وفي ظل العجز عن إدارة هذا الواقع الإجتماعي غير الآمن، فإن الثابت أن هناك عدداً كبيراً من النساء والفتيات اللواتي نزحن إلى لبنان قد عايشن أشكالاً متعددة من العنف، بما فيها الإغتصاب.
ورغم أنه من غير المسموح في مخيمات اللجوء الإدلاء بشهادات خاصة نظراً إلى دقة المواضيع، لكننا نطرح النقاش حول مسألة الزواج من قاصرات أو التحرش الجنسي أو الإغتصاب عموماً، وإٍستطعنا الحصول على تصريح من فتاة في مقتبل العمر، تقول مايا وهي نازحة سورية لم تتجاوز سن الـ 14 عاماً، أنا اليوم مخطوبة إلى رجل لبناني يتمتع بالثراء الفاحش، لكنها تعبر عن خوفها لأن شريكها يفوق عمرها أضعافاً، وهي مرغمة على ذلك ليكون بمقدورها مساعدة والديها في إعالة إخوتها الخمسة، وفي الوقت نفسه لحماية نفسها من شرٍ يلوح في الأفق وهو الإغتصاب .
وفي أحد مخيمات البقاع، وبعد عدة محاولات لإقناع أب مفجوع بالتحدث إلينا، روى لنا ما حصل مع إبنته فيقول : تلقيت مكالمة من شخص يريد فتاة لتنظيف منزله، وعندما حضر كنت بصحبتي بناتي الثلاثة، لكن الرجل رفض أن يصطحبهن، لأنه لا يحتاج إلا لخادمة واحدة منهن للتنظيف، لأنه متزوج ويحتاج إلى فتاة تهتم في تنظيف المنزل في غياب الزوجة الموظفة، وفي الطريق نحو البيت خلع الوحش قناع الإنسان، واقتاد الفتاة في إتجاه إحدى المناطق الجبلية وهددها بمسدس في حال قاومته أو عمدت إلى الصراخ، إغتصبها ثم تركها عند إحدى المنعطفات تجر أذيال عارها.
إنطلقنا من قناعتنا بأن أعباء الحرب تقع على كاهل المرأة بشكل مضاعف، فالنساء والفتيات أكثر عرضة لمختلف أشكال التمييز والعنف أثناء الأزمات، وهن يواجهن عقبات إضافية، وأحياناً مستعصية في ظل إنعدام تحقيق العدالة والمساواة في علاقات السلطة بين الرجل والمرأة في معظم المجتمعات.
لقد دفعت المرأة السورية ثمن الحرب الدائرة في بلادها باهظاً، قبل أن تعاني مأساة اللجوء والعيش في الشتات، ومما لا شك فيه، أن واقع اللجوء قد كرّس أشكالاً من العنف ضد النساء، ويفرض على المجتمعات والقادة المحليين والجمعيات الأهلية والدولية إتخاذ خطوات عملية والعمل على إيجاد سبل وإستحداث آليات لمساندة النازحات السوريات وحمايتهن من العنف الممارس عليهن، بالإضافة إلى تخفيف الإحتقان بينهن وبين نظيراتهن اللبنانيات ببناء جسور الوحدة بينهن لمواجهة هذا الواقع الصعب الذي يحرم اللاجئات السوريات من حقهن بأن ينعمن بمكان آمن في الإطارين العام والخاص.