أنا الليطانيّ نهر لبنانيّ.. عاشقي إبراهيم عبد العال

من لا يعرفني، أنا الليطانيّ أكبر أنهر لبنان، بل أعظمها، طول مجراي هو 170 كيلومتراً، تتفجّر الينابيع وعيون المياه لتصبّ عندي مرحّب بها. أنبع من ينابيع العلّيق غرب بعلبك على ارتفاع ألف متر، وأخترق سهل البقاع من شماله إلى جنوبه، ثمّ أنحرف في مجراي غرباً عند جسر الخردلي حيث أسمّى “نهر القاسميّة”، ثمّ أصب في البحر المتوسّط شمال مدينة صور. ومن روافدي أنهار البردونيّ ويحفوفا والغزيّل وينابيع عمّيق والخريزات وشمسين وعنجر وعين الزرقا.

تبلغ مساحة حوضي 2170 كيلومتراً مربّعاً، أيّ 20 في المئة من مساحة لبنان الإجماليّة. ويصل معدّل المتساقطات فيه إلى 700 ملّيمتر سنويّاً، وتستثمر 45 في المئة من أراضيّي للزراعة، ويضمّ حوضي  263 بلدة في 12 قضاء وأربع محافظات.

نهر الليطاني (أرشيف كامل جابر)
مصلحة الليطانيّ

كنت موضع دراسات عدّة منذ أيّام الإنتداب الفرنسيّ وفي سنوات الاستقلال، درسني في العام 1946 المهندس والاقتصاديّ ألبير نقّاش (1884- 1954)، لكن أكثر من انشغل بي، وهام حبّاً كان المهندس إبراهيم عبد العال (1908- 1959؛ يوصف موته بالغامض).

كتب عبد العال، بوحي منّي “الليطانيّ: دراسة هيدرولوجيّة” (1948)، حاول فيها أن يبيّن أفضل السبل للإفادة من من مياهي المتدفّقة، ولذا أسندت اليه الحكومة اللبنانيّة رئاسة “مصلحة الليطانيّ”، المؤسّسة بموجب القانون الصادر في 14 آب 1954. واعتبرت المصلحة من المؤسّسات العامّة التي تتمتّع بالاستقلال الإداريّ والماليّ ولا تخضع لقانون المحاسبة العموميّة وديوان المحاسبة وأنظمة الموظفين، إلّا ضمن ما ينصّ عليه قانون إنشاء المصلحة.

المهندس ابراهيم عبد العال

وكان من أبرز مهامها: إنشاء شبكات ارتباط بين معامل توليد الكهرباء في لبنان، وإنشاء محطّات تحويل وخطوط توزيع في جميع المناطق اللبنانيّة، وتخطيط ودرس واستثمار مياه الريّ في مناطق البقاع الأوسط والشماليّ، بما في ذلك مشروع اليمّونة ووادي ماسا- يحفوفا، وإنشاء بحيرات جبلية.

ومن ثم أدخل تعديل على قانون انشائي في 30 كانون الأوّل من العام 1955، لتنفيذ مشروع حوض الليطانيّ للريّ والتجفيف ومياه الشفة والكهرباء ضمن تصميم شامل للمياه اللبنانيّة. وكُلفت المصلحة لاحقاً بمهمّة “الرصد المائيّ على الأنهر والينابيع في الأراضي اللبنانيّة كافة”؛ (كامل عويضة، “واقع مشاريع الريّ في المصلحة الوطنيّة لنهر الليطانيّ”).

وأريد أن أحسم نقطة تتعلّق بانتمائي، فأنا “نهر وطنيّ”، يقع مجراي كلّيّاً في الأراضي اللبنانيّة. لذا، واستناداً إلى القانون الدوليّ، فإنّ استغلالي هو “من اختصاص الدولة اللبنانيّة” (د. كال خير، “نهر الليطانيّ: دراسة جيولوجيّة وهيدرولوجيّة). وقد تمّ التعويل عليّ كثيراً في إنتاج الطاقة الكهربائيّة وفي التنمية الإقتصاديّة.

إبراهيم عبد العال ومشاريعه للبناء الوطنيّ

أنا الليطانيّ، أقول لكم، إنّ عاشقي عبد العال، وضع لي عدّة مشاريع. لكن دعوني قبل، أحدّثكم عن شخصيّته: يقول عنه الفيلسوف ناصيف نصّار: “إنّه رجل وطنيّ متفوّق في جيله، اعتلى منبر “الندوة اللبنانيّة” سبع مرّات، بين 1948 و1957، طارحاً أفكاراً إنمائيّة جريئة، ضمن رؤية شاملة للواقع اللبنانيّ.

فقد وجدت “الندوة” في هذا المهندس، الذي مارس التعليم والبحث والإدارة العامّة، شريكاً كاملاً، يشاطرها الهموم والتطلّعات. فأتاحت له أن يعبّر عن تصوراته حيال الإنماء، ضمن مفهوم التعمير، وخصوصاً الإنماء المرتبط بالموارد المائيّة والاقتصاديّة، وأعطت بذلك أفضل مثل على ما عنته باستنهاض أصحاب الاختصاص وقادة الرأي للتفكير في الشؤون العامّة في البلاد”.

ويضيف نصّار: “تعاطى مع الواقع اللبنانيّ، فاجتمعت في شخصيّته روح الوطنيّة والوجهة الإنشائيّة والمنهجيّة العلميّة. وقد اختصر هذه الصفات في إحدى محاضراته (1956) حيث قال: “إنّنا نحقّق مشاريع وطنيّة وإنسانيّة، وبالنسبة إلى لبنان نبني بلداً وهذه المشاريع تسمّى: إنماء الإنتاج، توازن الشؤون الماليّة، تزايد السكّان، تقويم الأخلاق المدنيّة، إعادة الاعتبار لاحترام القوانين، التوجيه والتنشئة المهنيّة، تكيّف مع الوضع الراهن للعلاقات الدولية”. (نصّار، “عهد الندوة اللبنانيّة خمسون سنة من المحاضرة”).

إنّ إنجاز هذه الأمور يقع ضمن واجبات البناء الوطنيّ، ودوره ينحصر في البناء الاقتصادي، ما جعله يولي كامل عنايته لمشكلة المياه.

أعود لمشاريع عبد العال، فقد اقترح إقامة سدّين: الأوّل، بالقرب من القرعون لتخزين 130 مليون متر مكعّب، والثاني بالقرب من جسر الخردلي لتخزين 80 مليون متر مكعّب، بهدف تنظيم تصريف النهر.

أريد أن أحسم نقطة تتعلّق بانتمائي، فأنا “نهر وطنيّ”، يقع مجراي كلّيّاً في الأراضي اللبنانيّة. لذا، واستناداً إلى القانون الدوليّ، فإنّ استغلالي هو “من اختصاص الدولة اللبنانيّة”.

دفاع عبد العال عن الليطانيّ

وأشهد له، أنّه وقف في وجه الأطماع الإسرائيليّة في مياهي، وسأروي لكم بعض الحوادث التي وقعت في أثناء دراسة عبد العال لي، ولكيفية الاستفادة من مياهي للنهوض الاقتصادي.

أرسل وزير الزراعة الأميركيّ مهندساً إسرائيليّ الميول يُدعى ولتر لودرميلك إلى فلسطين، لدرس إمكاناتها الاقتصاديّة. فوضع كتاباً بعنوان “فلسطين أرض الميعاد” ضمّنه مشروعاً لاستثمار مياه وادي الأردن. وثمّة بندان في المشروع يتعلقّان بالميـاه اللبنانيّة.

الأوّل جرّ المياه من ينابيع نهر الأردن، وتحديداً الحاصباني ورافده الوزّانيّ في لبنان، لريّ مناطق الجليل والغور. والثاني تحويل مياه نهر الليطانيّ إلى فلسطين لتصبّ في بحيرة اصطناعيّة في الناصرة، وتُنقل في قنوات إلى النَقَب.

– 1943  أنشأت الوكالة اليهوديّة مكتب الأبحاث المائيّة، وفيه وحدة الليطانيّ.

– 1943  بدأ تنفيذ مشروع ريّ القاسميّة في لبنان، من ضمن مشروع الليطانيّ.

– 1946  زارت لبنان بعثة زراعيّة أميركيّة ووضعت تقريراً.

– 1948  أصدرت مؤسسة “ألكسندر جيب” البريطانيّة دراستها في الاقتصاد اللبنانيّ.

– 1949  وضعت لجنة “كلّاب” التابعة للأمم المتّحدة اقتراحات تتعلّق بالاقتصاد اللبنانيّ، واعتبرت نهر الليطانيّ “مفتاح مستقبل لبنان”.

– 1951 أرسلت الإدارة الأميركيّة بعثة فنّيّة إلى لبنان عرفت بــ”النقطة الرابعة”.

– 1954 حضرت إلى لبنان بعثة اقتصاديّة من البنك الدولي.

نبع “عين الزرقاء” في يحمر (أرشيف كامل جابر)

وكان إريك جونستون، مبعوث الرئيس الأميركيّ أيزنهاور، يجوب المنطقة للتفاوض مع إسرائيل والبلاد العربيّة من أجل تنفيذ مشروع الإنماء الموحّد لنهر الأردن المعروف بــ”مشروع جونستون”. وقد تمسّك الطرف اللبنانيّ بتقارير ودراسات لبنانيّة وأميركيّة ودوليّة لتنفيذ مشروع الليطانيّ، في حين كانت للطرف الإسرائيليّ أطماع في مياه الليطانيّ والحاصبانيّ ودراسات لجرّ المياه اللبنانيّة إلى فلسطين المحتلّة.

واعتمدت “النقطة الرابعة” دراسة عبد العال لنهر الليطانيّ. وقد ظهر دوره في السعي لإلغاء مشروع الشركة المختلطة لإدارة مشاريع الليطانيّ، والعمل على إصدار قانون إنشاء المصلحة الوطنيّة لنهر الليطانيّ، إضافة إلى السعي لجلب قرض من البنك الدوليّ لتنفيذ المشاريع على النهر.

وألحّ أن تضاف في المادّة الأولى من القانون عبارة “لتنفيذ مشروع الليطانيّ وفقاً للدروس التي قامت بها الحكومة بمعاونة البعثة الفنّيّة الأميركيّة”، من أجل تكريس فكرة أنّ الحكومة الأميركيّة تعتبر هذا النهر نهراً لبنانيّاً، وبالتالي لا حقّ لإسرائيل في مياهه (مجلة البيئة والتنمية، أيار/ مايو، 2011).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى