ارتفاع بدل النقل في منطقة بعلبك يرهق ذوي الدخل المحدود
يؤدّي غياب النقل العام في لبنان إلى محنة حقيقيّة يعيشها ذوو الدخل المحدود، خصوصًا في مناطق الأطراف، حيث تضغط الأزمات بثقلها على كاهلهم، في ظلّ الانهيار السياسي والاقتصادي الكبيرين وتآكل مداخيلهم وارتفاع كلفة النقل.
لطالما شكّل النقل العام شرايين الحياة للبلاد ومحرّك أساسيّ للدورة الاقتصاديّة يدفع بها قدمًا نحو الأمام، لكن مع غيابه تاريخيًّا عن مناطق الأطراف، وفي ظلّ الأزمة الاقتصاديّة الخانقة والأوضاع المعيشيّة الضاغطة التي يعيشها أهالي منطقة بعلبك على وجه الخصوص تبرز مشكلة الانتقال بين قرى وبلدات المنطقة ومراكز الوظيفة والعمل، حيث الكلفة مرتفعة جدًّا وترهق كاهل المواطن هناك وتفاقم من أزمته الماليّة.
تضمّ منطقة غربيّ بعلبك ما يربو على 25 بلدةً يعاني أهلها الأمرّين في هذا الإطار. إذ تزيد المسافة بين هذه المنطقة ومراكز العمل والوظيفة على 25 كيلومترًا، ما يكبّد المواطن فيها أعباءً تفوق قدرته على تحمّلها وتحول دون استمراريّته ومواصلته للعمل.
ڤانات المنطقة أسطول متهالك
وبحسب مصادر أصحاب الڤانات في المنطقة فإنّ أكثر من مائتي ڤانٍ (حافلة ركّاب صغيرة) تنطلق يوميًّا من بلدات غربيّ بعلبك باتّجاه العاصمة بيروت ومدينتيّ زحلة وشتورا ناقلةً موظفين وعاملين إلى مراكز عملهم، إلّا أنّ هذا الكمّ الهائل من عدد الڤانات، وعلى رغم تقديمه خدمات النقل للمواطنين يحمّل موظّفي المنطقة أعباءً ماليّةً كبيرةً حيث الأجرة تبدأ بخمسين ألف ليرةٍ لبنانيّةٍ مع فتح باب الڤان ولا تنتهي بمائتيّْ ألف ليرةٍ مع الوصول إلى شتورا، هذا في الذهاب وكذا الكلفة نفسها في الإياب، إلى جانب تعرّض الركّاب لخطر تهوّر السائقين وسرعتهم الكبيرة في القيادة، ما يستوجب تسيير حافلات النقل المشترك في المنطقة رحمةً بأبنائها وتوفيرًا لرواتب وظائفهم التي تتآكل مع الڤانات الخاصّة وضمانةً لسلامتهم.
بحسب مصادر أصحاب الڤانات في المنطقة فإنّ أكثر من مائتي ڤانٍ (حافلة ركّاب صغيرة) تنطلق يوميًّا من بلدات غربيّ بعلبك باتّجاه العاصمة بيروت ومدينتيّ زحلة وشتورا ناقلةً موظفين وعاملين إلى مراكز عملهم
“في جولة لـ”مناطق نت” على بلدات غربي بعلبك تخلّلتها لقاءات مع عدد من أبنائها للوقوف على آرائهم حول أزمة النقل التي يعانون منها سُجّلت الشهادات الآتية:
قرار اختيار الأمرّيْن
يقول محمّد حميّة من بلدة طاريا لـ”مناطق نت”: “أعمل في شركة خاصّة في مدينة زحلة، والمسافة بين بلدتي ومكان عملي 25 كيلومترًا عليّ أن أقطعها يوميًّا، ذهابًا وإيّابًا”. يتابع: “كلفة النقل في الڤانات الخاصّة تراوح بين 200 و300 ألف ليرةٍ بحسب مزاج كلّ سائق، أيّ بمعدّل سبعة ملايين ليرةٍ شهريًّا، وهو ثلث راتبي البالغ عشرين مليون ليرة. لذا قرّرت ذات مرّةٍ أن أتوقّف عن عملي لأنّ تعبي تأكله أجرة الطريق وما يبقى لي منه لا يساعدني على شراء خبزٍ لعائلتي، ولكن ما أجبرني على المرّ هو الأمرّ.”
يطالب حميّة بلديّات المنطقة بتأمين نقلٍ مدعومٍ كما تفعل بلديّة بدنايل “جارتنا التي تسيّر حافلات ركّاب مدعومةٍ بكلفةٍ رمزيّةٍ يستطيع المواطن تحمّلها في هذه الظروف الاقتصاديّة الصعبة”. ويرى “أنّ وسائل النقل للموظفين هي من مسؤوليّات الجهات الرسميّة مع تسديد الموظّف للكلفة المطلوبة ضمن حدود العدالة والاستطاعة، وبهذا الدولة تربح من المواطن، والمواطن يدفع للدولة من دون أن يهدر أمواله على الطرقات.”
مطالبة بتسيير “النقل المشترك”
من جهته، يرى حسن يونس من بلدة حدث بعلبك وهو موظّف في شتورا التي تبعد عن بلدته نحو 40 كيلومترًا في حديث لـ”مناطق نت”: “أنّ الدولة مسؤولةٌ مباشرةً عن تأمين النقل للموظّف وذلك من خلال تسيير حافلات النقل المشترك في المنطقة”. ويتابع: “نطالب بقوّة المعنيّين الاهتمام بهذا الموضوع وإيلائه الأهمّيّة القصوى كون القضيّة تخصّ حياة ولقمة عيش المواطن في منطقةٍ محرومةٍ من أبسط مقوّمات العيش”.
ويتساءل “كيف يمكن لربّ أسرةٍ يعمل براتبٍ شهريٍّ لا يتجاوز 20 مليون ليرةٍ أن يتحمّل أجرة نقلٍ بحدود 10 ملايين ليرةٍ محسومةً من راتبه سلفًا كونها جاهزةً للدفع كي يصل إلى العمل. ثمّ هل ترضى الدولة أن تذهب أموالها هدرًا على الطرقات وهي من حقّ الموظّف وليس من حقّ صاحب سيارة النّقل؟”.
ويضيف يونس: “إنّ إعادة تفعيل عمل حافلات النقل المشترك في منطقتنا من شأنه أن يخفّف عنّا العبء الكبير ويساهم في توفير المواصلات التي يحتاجها مواطنو المنطقة للتنقّل بين البلدات بهدف شراء الاحتياجات اليوميّة، والتي غالبًا ما نلغيها أو نؤجّلها لعدم قدرتنا على دفع أجرة النقل البالغة خمسين ألف ليرةٍ مع كلّ خطوة.” ويختم بالقول: “إنّ ما نطلبه ليس أمرًا تعجيزيًّا أو مستحيلًا بل يمكن تحقيقه إذا أراد المعنيّون إراحة المواطن.”
معاناة طلّاب الجامعات
ويشير الطالب الجامعيّ علاء النجّار من بلدة كفردبش إلى أنّ أجرة الڤان شهريًّا، من بلدته إلى الجامعة اللبنانيّة في زحلة 70 دولارًا، والكلفة نفسها في الأجرة اليوميّة. يقول علاء لـ”مناطق نت”: هو مبلغ كبير لطالبٍ لا يعمل ولا يُنتج ومصروفه لا يزال على كاهل أهله، فكيف يمكنه متابعة دراسته الجامعيّة إذا كان يحتاج شهريًّا إلى مبلغ يفوق القدرة على الاستمرار؟”.
ويتابع: “إنّ تسيير حافلات تابعة للدولة في المنطقة تعطي الطلاّب أملًا في المتابعة، لأنّها تخفّف عنهم التفكير بكيفيّة تأمين المصروف الشهريّ لدراستهم، وهو دافع أساس في الإقبال على التعلّم في ظلّ الظروف المأسويّة التي يعيشها أهلنا المكافحون في سبيل تأمين قوت يومهم”.
ويلفت علاء إلى أنّ عددًا كبيرًا من زملائه الطلاّب توقف عن متابعة دراسته الجامعيّة لأسباب مادّيّة تتعلّق بعدم القدرة على تأمين كلفة النقل اليوميّ “وهذا بنظري جريمة تَحرُم أبناء المنطقة من تحقيق أحلامهم وطموحاتهم المستقبليّة وتجعلهم بائسين في الحياة، لا سيّما وأنّ لدينا طاقاتٍ ومواهب تحتاج إلى دعمٍ ماديٍّّ والباقي عليها”. ويشدّد ختامًا على” ضرورة إيجاد حلٍّ لأزمة النقل في منطقة منسيّة من قبل الرسميّين”.
معاناة الأساتذة المتعاقدين
أمّا المدرّس بسّام مهنّا من بلدة النبي رشادى فيقول لـ”مناطق نت”: “أنا مدرّس بالتعاقد، أيّ بالساعة، ولست مضمونًا صحّيًّا ولا اجتماعيًّا وأدرّس في مدينة بعلبك، ويلزمني للوصول إلى مركز عملي الانتقال بڤانيْن يوميًّا، وذلك بحكم خطّ سير الڤانات في المنطقة إذ تفرض الوجهة الجغرافيّة ذلك، وهذا الأمر يكبّدني أموالًا طائلةً شهريًّا في الوقت الذي لا تعطينا فيه وزارة التربية بدل نقل باستثناء ما دفعته عن شهريّ تشرين الأول/ أكتوبر وتشرين الثاني/نوفمبر من العام الدراسي الجاري”.
يضيف: “لذا فإنّنا نعاني مرّتيْن؛ مرّةً بسبب مشكلة النقل، وأخرى بسبب حرماننا من بدل النقل، ما يفاقم أزمتنا المعيشيّة والاقتصاديّة.”
ويرى مهنّا أنّ الحلّ الأفضل والأسرع أمام هذه المعاناة هو إعادة الدولة تسيير حافلات النقل المشترك في المنطقة بأسعارٍ مدروسةٍ ومناسبةٍ لقدرة المواطن الماليّة. وأخيرًا دعا مهنّا نوّاب المنطقة إلى تحمّل مسؤوليّاتهم حيال هذا الموضوع. فهل تستجيب الجهات المعنية لمطالب أهالي غربي بعلبك وتسير حافلات النقل المشترك إلى المنطقة؟