ازدياد المخاوف من عودة الحرب.. فهل انتهت أصلًا؟

لا سلم ولا حرب، هي أجواء ما يعيشه اللبنانيّون بشكل عامّ والجنوبيّون بخاصّة، منذ إعلان وقف إطلاق النار الهشّ في الـ 27 من تشرين الثاني (نوڤمبر) الماضي، ويشهد منذ ذلك الحين انتهاكات يوميّة هي أشبه بحرب غير معلنة تشنّها إسرائيل بحجج أو من دونها، وتصاعدت وتيرتها بشكل خطير خلال الأيّام الماضية مع الغارات التي طاولت مناطق واسعة من لبنان، ومنها ضاحية بيروت الجنوبيّة، وأدّت إلى سقوط عدد من الشهداء والمصابين، وإلى حال خوف ورعب وفوضى بين الناس.

ولعل تلك الحال “اللاسلم واللاحرب” التي يعيشها اللبنانيّيون، هي من أصعب ما يمكن أن يعيشه أي إنسان، نظرًا إلى ما يرافقها من أحوال قلق وخوف وإرباك، إذ يحضر المجهول من الآتي فيعزّز الشعور باللّا أمان واللّا استقرار، وسط تساؤل دائم يرتسم على الوجوه وتنطق به الألسن: هل ستندلع الحرب من جديد بصورتها الموسّعة مع كلّ ما ستحمله من مآسٍ وآلام ونزوح؟ خصوصًا وأنّ أبناء الجنوب وسكّانه لم يُنجزوا بعد ترميم الأضرار وجسامة الخراب التي حلّت بمنازلهم وأحيائهم وقراهم جراء التدمير العشوائي الذي مارسته إسرائيل في خلال 66 يومًا من الحرب المتواصلة، وكذلك بتقطّع قبل عام من اندلاعها الموسّع، وإلى ما بعد إعلان وقف إطلاق النار واستمرارها حتّى اليوم.

في مساء يوم السبت الـ 22 من آذار (مارس) الماضي، كان الشاب حسين عودة يجلس مع عائلته على مائدة الإفطار في منزلهم الواقع في مدينة صور، وما هي إلّا دقائق حتّى دوّى صوت انفجار كبير، ناجم من غارة إسرائيليّة استهدفت أحد المنازل المقابل لمنزلهم، لتكن تلك الحادثة المرّة الأولى التي يستهدف فيها العدو الإسرائيليّ أحياء مدينة صور المكتظة بسكّانها منذ إعلان وقف إطلاق النار.

لا سلم ولا حرب، اللبنانيون يعيشون القلق
لا مكان آمن

يُشير عودة، في حديث لـ “مناطق نت”، إلى أنّ “الحرب عادت بقوّة ولكن بشكل مختلف، وهذا ما يظهر من خلال الضربات الإسرائيليّة المتكرّرة، فضلًا عن أنّ غياب إعادة التعمير دليل واضح على استمرار هذه الحرب”. ويرى أنّه “على الرغم من التجربة القاسية للنزوح إلّا أنّ الوضع في الوقت الحالي صعب للغاية، فآنذاك كنّا ننزح إلى مناطق تُعتبر آمنة إلى حدّ ما، ولكن ما يحدث اليوم هو وجودنا ضمن دائرة جغرافيّة باتت تتعرّض للاستهداف الإسرائيليّ في أيّ لحظة”.

ويؤكّد عودة أنّه “خلافًا لكلّ التوقّعات فقد مرّ عيد الفطر بسلاسة في منطقة صور، إذ اكتظّت المطاعم والمقاهي بالروّاد، وربّما يعود ذلك إلى حاجة الجنوبيّين للتنفيس من الضغط الذي يتعرّضون له”.

مغتربون يبدّلون خططهم

لم تعترِ المخاوف سكّان الجنوب بين جنوب الليطانيّ وشماله فحسب، بل كذلك المغتربين الذين يزورون أهاليهم وعائلاتهم. وتلفت نانسي سعد، في حديث لـ “مناطق نت”، إلى أنّها “قرّرت تقريب موعد سفري إلى ساحل العاج بعدما شعرت أنّ الوضع في لبنان يتّجه نحو مزيد من التصعيد”. وتزيد شرحًا أنّ “موعد قدومها إلى لبنان كان مقرّرًا في تشرين الأوّل (أكتوبر) الماضي، بيد أنّ اندلاع الحرب دفعني إلى الغاء زياتي”. عادت نانسي وقرّرت زيارة البلاد في الـ 20 من آذار الماضي، و”كنت حريصة على عدم الذهاب إلى الجنوب خوفًا من الاعتداءات الإسرائيليّة، غير أنّ استهداف الضاحية الجنوبيّة، حيث يقع منزل أهلي، دفعني إلى اتّخاذ القرار في المغادرة بأسرع وقت ممكن”.

نانسي سعد: قرّرت تقريب موعد سفري إلى ساحل العاج بعدما شعرت أنّ الوضع في لبنان يتّجه نحو مزيد من التصعيد

وتؤكّد سعد رفضها أن “أن يعيش أطفالي أجواء الحرب، ففضلًا عن خوفنا من تعرّضنا للقتل الظالم أو الإصابة، تأتي مخاوف أخرى ترتبط بالحال النفسيّة لأطفالي”. وتُضيف أنّ “التواجد في بلاد الاغتراب يزيد من أحوال القلق التي ترتابُني إزاء تعرّض أهلي أو أقاربي أو الأشخاص الذين أعرفهم وأحبّهم إلى الأذى، فخلال الحرب كنت أقضي مجمل وقتي أمام شاشات التلفزة لمتابعة الأحداث والاطمئنان على أهلي”.

ما يشبه قبل الحرب

أمّا في البلدات الحدوديّة التي لم يتمكّن أهلها من العودة إليها بعد، فالوضع أكثر سوءًا. هكذا، يوضح المزارع سعيد أبو هدلة، الذي ما زال يعيش حالة النزوح من بلدته أمّ التوت الحدوديّة (قضاء صور) إلى بلدة الجيّة، في حديثه إلى “مناطق نت”، أنّ “الجوّ العام بين أبناء الجنوب يُشير إلى احتمال كبير جدًّا في عودة الحرب”، مضيفًا أنّ “هناك مثلًا شعبيًّا يقول إن الشهر الفضيل (رمضان مثلًا) يظهر من بدايته، وهذا ما يحدث الآن، حيث تزداد الاعتداءات الإسرائيليّة، فيكاد لا يمرّ يوم واحد من دون خبر عن استهداف إسرائيل لسيّارة أو منزل أو وادٍ أو جبل”.

ويرى أبو هدلة أنّ “ما يحدث اليوم يذكّرنا بما حدث قبل أسابيع من توسّع الحرب في الـ 23 من أيلول  (سبتمبر) الماضي، حيث اتّسعت دائرة الضربات والاستهدافات الإسرائيليّة وأحجامها”. ويؤكّد أنّ أبناء البلدات الحدوديّة ما زالوا بعيدين عن قراهم “فأبناء هذه القرى يعانون منذ أن ولدوا من الاعتداءات الإسرائيليّة، واليوم بات عمري يُناهز الـ 60 عامًا وأتذكّر أنّه منذ العام 1975 كنّا نلجأ إلى الاختباء في المغاور هربًا من الاعتداءات الإسرائيليّة، ولا نعلم ماذا ينتظرنا في المستقبل”.

منزل استهدفته الغارات الاسرائيلية في بلدة تولين الجنوبية قبل أيام

يزور أبو هدلة بلدته كلّ يوم أحد للاطّلاع على أحوالها ولقاء الأهل والجيران والأصدقاء، ولكن ذلك يزيد من “شعوري بالإحباط بعد أن شاهدت جميع المنازل مدمّرة ولمست غياب كلّ مظاهر الحياة”.

غياب أي حلول

حال أبو هدلة ليست أفضل من حال حسن حيدر، النازح من بلدة راميا إلى بلدة طيردبّا في قضاء صور، فالاعتداءات الإسرائيليّة على بلدته لم تتوقّف في أيّ يوم منذ انتهاء الحرب، إذ ما زال جبل بلاط محتلًّا من قبل الجيش الإسرائيليّ الذي يعمد كذلك إلى التقدّم باتّجاه الشارع العام من حين إلى آخر. إضافة إلى ذلك، استقدم أهالي البلدة عبر إحدى الجمعيّات 14 منزلًا جاهزًا، إلّا أن الاعتداءات الإسرائيليّة المتكرّرة على المنازل الجاهزة في عدد من القرى الحدوديّة وإطلاق النار على مقربة من أهالي البلدة عندما يزورونها نهارًا، منع أيّ عائد من أبناء البلدة من السكن في هذه المنازل.

أمام كلّ ذلك، يجزم حيدر، في حديث لـ “مناطق نت”، أنّ “هناك تخوّفًا كبيرًا لدى أهالي بلدات الشريط الحدوديّ من عودة الحرب”، مضيفًا “لقد قمت بفلاحة الحقول التي أملكها في البلدة من أجل البدء بموسم الزراعة، ولكنّ كلّ هذه الأحداث منعتني من استكمال ذلك، كي لا يذهب تعبي سدى ويترتّب عليّ مزيد من الخسائر لم أعد أحتملها”.

ويختم حيدر في أنّ “توسّع الاستهدافات الإسرائيليّة باتّجاه الضاحية الجنوبيّة يعزّز من الشعور بعدم وجود حلّ في المدى القريب، فالعدو لا يستثني أيّ مكان أو أي منطقة، لذا يبدو أنّ العودة غير مرتقبة في المدى القريب”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى