الاغتراب النبطاني متوّجاً بالعلوم والاختراع والفنون.. نماذج ووجوه اغترابية علميّة
يُشهد لأبناء النبطية، سفرهم المبكر بحثاً عن المزيد من العلوم والتقدّم الفكري، والتخصّص في مجالات عديدة، لا سيما في الطبّ، وتنفيذ أحلامهم في عالم التكنولوجيا والذرّة والإختراع وفي إدارة الصروح العلميّة والثقافيّة والفكريّة في مختلف أصقاع الأرض. تكاملت اختصاصاتهم وعلومهم مع نتاج اقتصادي لافت، عاد بالخير على المقيمين في مسقط الرأس، مدينة النبطية عاصمة جبل عامل.
المخترع حسن كامل الصباح
تكثر الحكايات في النبطية عن مغتربي الثقافة والعلم، ويأتي في طليعتها حكاية المخترع حسن كامل الصبّاح، الذي تنقّل من بيروت إلى دمشق فاسطنبول، إلى أن حطّ به الرحال في أميركا، ليلتحق هناك بإحدى الشركات المهمّة ويباشر في اختراعاته وتسجيلها باسمه، الاختراع تلو الاختراع. لكن السمة التي طغت على معظم هؤلاء الباحثين عن المجد العلميّ والثقافيّ أنّهم قضوا مجمل حيواتهم هناك، في الاغتراب، ليستفيد من طاقاتهم هذا الاغتراب وبلدانه، وما عادوا إلا بنعوش خشبية، أو دفنوا هناك، والنماذج عديدة.
يحفظ أبناء النبطية قصّة المخترع حسن كامل الصباح، ابن النبطية، عن ظهر قلب، وأنّه قصد الاغتراب بغية تنفيذ أحلامه الفكريّة ونبوغه العلميّ، فلم يكن سفره الأخير منذ مئة سنة (نحو 1920) إلى الولايات المتحدة الأميركية والتحاقه بشركة جنرال إلكتريك، بغية كفاية اقتصاديّة فحسب، بل لينفّذ هناك عشرات الاختراعات والمشاريع العلميّة التي سجّلت باسمه، ولم تدرّ عليه أموالاً طائلة، ومع ذلك كان يرسل من هناك ما يمكنه لمساعدة أهله على الصمود المعيشيّ. وقبل رحيله المبكر عن 40 عاماً سنة 1935، كان قد أبلغ ذويه برسالة أنّه سيحضر إلى النبطية بعد أيام قليلة، بيد أنّه عاد محمولاً في صندوقة خشبية.
الشاعر الدكتور نمر الصبّاح
وُلِد نمر صبّاح في مدينة النبطيّة في العام 1920، من عائلة لها إرثها الثقافيّ والشعريّ، والده الحاج توفيق صبّاح كان شاعراً وتاجراً. التحق بالجامعة اليسوعيّة وسافر بعدها إلى فرنسا 1948 على نفقته الخاصّة، بهدف التعرُّف على الأساليب التربويّة الحديثة. أنجز أطروحته الأولى لنيل الدكتوراه في التربية وعلم النفس في العام 1950، وفي العام 1952 أنجز أطروحة في الأدب العربيّ من جامعة ليون، ونال تهنئة رئيس الجامعة ثم ميدالية الأكاديمية الفرنسية (جائزة شارل قرم) فأقيم له حفل مهيب في القصر التاريخيّ “أوتيل دو فيل”.
كان لشدّة ثقته بذاته وقوّة حضوره الأكاديميّ في فرنسا يؤمن بأنّ لبنان سيستدعيه للاستفادة من علمه وخبرته، ولكنه عاد خائب الرجاء إلى فرنسا في العام 1954، بعدما استدعي للتدريس في السوربون، وهناك تعرّف إلى ليوبولد سنغور. يستدعيه سنغور – الذي أصبح رئيس السنغال – (1962) إلى داكار العاصمة ويسلّمه عمادة كلّيّة الآداب فيها، فيفتتح قسمًا لتعليم اللغة العربيّة، يشرف عليه بنفسه، وينال وسام الاستحقاق من حكومة السنغال تقديرًا لجهوده، برتبة أوفيس كوموندور في القصر الجمهوريّ. لم يعد إلى لبنان إلا لمامًا حتّى وفاته في العام 1981 في السنغال ودفن هناك.
العالم يوسف مروة
ولد العالم الدكتور يوسف مروة في النبطية (1934) قبل عام من رحيل المخترع الصباح، وغاص لاحقاً في علوم الذّرة والإشعاع النووي والبحث التاريخي، انطلاقاً من إنكلترا التي وصل إليها العام 1953 وبعد أربع سنوات انتقل إلى ألمانيا ليشتغل في المناجم ويتابع تحصيله.
نال مروّة شهادة البكالوريوس في العلوم من “المعهد البريطاني للهندسة والتكنولوجيا” (1965). ثم حاز الماجستير في علوم الطاقة النووية والهيدروليكية المائية والهوائية والجيو- حرارية (1968). ونال الدكتوراه في الفيزياء النووية من جامعة جاكسون في ولاية ميسيسيبي الأميركية (1973). مارس مدة ثماني سنوات تدريس الفيزياء والكيمياء والرياضيات في معاهد وكلّيّات سوريا والبحرين والمغرب والجزائر. وفي الجزائر (1964) تولّى ادارة مختبر رصد الغبار الذرّي والتلوّث الإشعاعيّ ومحطّاته. في كندا اشتغل في أكبر محطّة نوويّة في العالم وساهم في بناء وتشغيل وفحص واختبار وضبط نوعيّة المنشآت النوويّة في محطّات بيكرينغ ودارلينغتون وبروس لتوليد الطاقة الكهربائيّة بواسطة المفاعلات النوويّة.
ظلّ العالم مروة على تواصل مع عائلته في النبطية إلى أن توفّي وووري نهار السبت في ١٩ كانون الثاني ٢٠١٩ في تورنتو، في كندا.
البروفسور محمد مفيد جابر
ولد في النبطية في 13 آب 1950، وتوفّي في باريس (فرنسا) بتاريخ 11 كانون الثاني ٢٠١٧ عن 67 عاماً إثرَ نوبة قلبيّة عاجلة لم تمهله. ووري في العاصمة باريس، بحضور حشد كبير من الأطبّاء، ومن طلابه واصدقائه، وفعاليات عربيّة ولبنانيّة وفرنسّية.
قبلها، اختارته بلديّة باريس ليكون مستشاراً طبّيّاً لها في مجلس شورى الدولة Conseil d’etat وهو لقب لم يحصل عليه أحد من العرب من قبل، وذلك في العام ٢٠١٦ بعد أن تابعت عطاءاته الطبّيّة والإنسانيّة التي ذاع صيتها في باريس.
في لبنان كانت رغبته متابعة الدراسة في علوم الطبّ، ولكنّه التحق بكلّيّة العلوم في الجامعة اللبنانيّة كطالب من قبل الجيش اللبنانيّ، ليصبح في ما بعد “مهندساً ملازماً”. لكن، في نهاية العام الدراسيّ 1970، غادر لبنان إلى فرنسا، والتحق بجامعة الطبّ السابعة الباريسيّة، وتابع دراسته حتى أصبح في العام 1977 طبيباً ممارساً ثم حصل (1981) على درجة “دكتوراه دولة في الطب” من جامعة “بروسيه الباريسيّة”، وفي جامعة “لا يينك” تابع تخصّصه في طب الأمراض الصدريّة حتى العام 1983.
تمّ تعيينه رئيس معاينة في جامعة “بيشا” الشهيرة. في العام 1985 صار رئيس قسم الطوارىء في المستشفى، وبقي يمارس واجبه الإنساني حتى العام 1993، عندما كُلّف بالتدريس في جامعة باريس الخامسة للطبّ، حتى العام 1995 حيث أصبح مدير قسم الأمراض الصدريّة. في سنة 1996 تمّ تكليفه مهمّة مدير أطروحات الدكتوراه في جامعة باريس السابعة للطبّ. في العام 1997 حاز درجة “بروفسور مساعد” ثمّ لقب “بروفسور” في العام 2000.
الشاعر ياسر صبحي بدر الدين
شاعر لبناني كندي من مواليد النبطية في 7 آب 1942؛ متأهل من فاتن الرواس، ولهما ابنة وحيدة، تدعى سارا. درس في النبطية وبيروت الابتدائية والثانوية. مجاز في الحقوق من جامعة بيروت العربية. أديب وشاعر وفنان حروفي (خطاط)، من عيار المبدعين الكبار. عضو في المجلس الثقافي للبنان الجنوبي واتحاد الكتاب اللبنانين. تسلم مدة من الزمن مهام رئيس دائرة في مجلس النواب اللبناني، ثمّ استقال وغادر لبنان.
ورد اسمه ونبذة عن سيرة حياته ومنتخبات من شعره وخطوطه في العديد من الموسوعات العالمية، أبرزها في الكتاب Who is Who العام 1997 ثم في موسوعة Who is Who البريطانية العام 2001.
سافر إلى كندا في أيلول سنة 1990 واستقرّ هناك، بيد أنه لم ينقطع عن زيارة النبطية أو لبنان لطباعة دواوينه الشعرية التي بلغت نحو 15 ديواناً، بدءاً من العام 1979 وحتى العام 2013. له اربع لوحات خط عربي في “متحف الحضارات” في مدينة أوتاوا، في العاصمة الكنديّة، وتسلّم رسالة خاصّة من الرئيس ليوبّولد سيدار سنغور يُهنّئه فيها على أصالة شعره وعذوبته.
الدكتور جهاد مفيد جابر
الدكتور جهاد مفيد جابر (مواليد 1940)، وبعد تخرجه من كلية العلوم في الجامعة اللبنانية، مارس مهنة التعليم في بداية تأسيس المدرسة الثانوية في النبطية، ثم سافر إلى فرنسا، وتابع تحصيله العلمي وحصل على درجات علمية عالية، بعدها عمل في مصلحة الإحصاء في بلديات باريس، إنتقل بعدها للعمل مندوبا للأمم المتحدة في دول عدة ومنها العراق، وبلدان أفريقية، في إطار الإحصاء والتنمية الإقتصادية، وشغل بعدها مهمة التدريس في علوم المعلوماتية في جامعة فرانس فيل في الغابون، وأستقربه الحال في شاطىء العاج أستاذاً في جامعتها، وأسس في أبيدجان العاصمة، أول معهد خاص للتعليم العالي لعلوم الإقتصاد والمعلوماتية.
الكاتبة نجـوى بدر الدين زيدان
ولدت نجوى علي بدر الدين، في النبطية في أواخر الستينيّات، درست المرحلة الابتدائيّة في مدرسة الراهبات الأنطونيّات في النبطية، ثمّ تابعت في ليسّيه عبد القادر (بيروت)، ودرست الهندسة الداخليّة في الجامعة اللبنانيّةUniversité des beaux arts Libanaise وتخرّجت سنة 1990. تزوّجت سنة 1990، وهاجرت إلى ألمانيا في أواخر 1990.
“كانت هذه السنة حاسمة في تغيير مجرى حياتي وانتقالي من مرحلة إلى أخرى. متزوجة من المهندس رمضان زيدان، وعندي ولدان نور وهادي، وما زلت مقيمة في المهجر وشعاري: أن أكتب كي لا اشعر بالظمأ” تقول نجوى.
سبرت الغربة خفايا كنوز مشاعر نجوى، فتعيش الحنين وترتوي منه بالكتابة، تتألّم من فراق الأهل والأحبّة، لكنّها تبلسم الألم بنفحات مفعمة بالمحبّة. ونجوى تسكن الغربة، تستوعب العديد من متناقضات الحياة في غربتها بصياغة نصوص مواويل هي مشاعر عاطفة وحنين.
* إشارة إلى أن بعض المعلومات استحضرت من مذكرات الأستاذ لطفي فرّان (المقيم في فرنسا).