البقاع.. الدواء لا يزال مفقوداً ومعاناة الناس مستمرة

القول بأن الوضع بات مأساوياً ومُزرياً وأن عناصر الحياة فيه كلها صارت مفقودة، أصبح من باب الإعادة والتذكير فقط لا غير. وإذا أردفنا أن معالم الأمل تتلاشى يوماً بعد يوم، والمعركة التي يحارب فيها المواطن من كل الجهات أعزلاً من دون سلاح قاسية، فلا نقول جديداً. يحارب المرض والجوع والموت من دون أن يمتلك عدّة الحرب، فلا طعام ولا دواء ولا دفء وعبارة الـ “لا” تطول وصولاً إلى لا شيء.

يرن هاتفه عشرات المرات، جلها التوسل إن كان باستطاعته تأمين دواء معين. يتداولون الأسماء والصور على الهاتف علّ وعسى يجدون من يمدّ إليهم يد المساعدة ويوفر الدواء لآبائهم وأمهاتهم المسنين أو لأولادهم. وسائل التواصل الاجتماعي والمجموعات الاخبارية هي بدورها تحوّلت إلى ملجأ لهؤلاء، مطلوب الدواء x، أو مسنّ يعاني من داء السكري بحاجة إلى الدواء Y، ورسائل لا تنتهي. بعضهم يلقى استجابة، والبعض الآخر لا حيلة ولا قوة لدى المتلقي لمساعدته.

الدواء مفقود والبديل أيضاً وبديل البديل أحياناً

جولة ٌعلى الصيدليات من بعلبك حتى الهرمل تجعلك تكتشف أن نسبة كبيرة من الأدوية لا يستهان بها مفقودة، حتى بدائلها أيضاً غير متوفرة، عليك البحث في سلالة الدواء علّك تجد التركيبة الطبية نفسها، الدواء مفقود، والبديل أيضاً، وبديل البديل أحياناً، وهذا الفقدان هو أخطر ما يهدد حياة الناس، في صحتهم وعافيتهم، لا سيما أولئك الذين يتناولون أدوية الأمراض المزمنة والمستعصية التي لا يمكن الاستغناء عنها.

تقول صيدلانية في المنطقة إن الدواء مفقود ليس فقط في صيدليات البقاع وإنما في صيدليات لبنان بشكل عام، والتوزيع يتم بكمية محدودة، فأدوية الضغط والسكري والأمراض المستعصية وأدوية الأمراض النفسية يتم توزيعها بمعدّل علبة أو اثنتين لكل صيدلية، وهي لا تلبي الحد الأدنى من الحاجة المطلوبة التي تعتبر أكبر من ذلك بكثير. وأشارت إلى أن بعض الشركات الكبيرة لا تسلم العديد من الأدوية لا سيما المسكنات منذ أكثر من ثلاثة أشهر.

بدوره أشار الصيدلي علي مصطفى إلى أن هناك أصنافاً من الأدوية مقطوعة كلياً، وأصناف أخرى يتم تسليم علبة أو علبتين منها كحد أقصى شهرياً، لافتاً إلى وجود بدائل عدة عن الأدوية ولكن حتى هذه الاصناف منها ما هو مقطوع أو يخضع للترشيد أو الاحتكار أحياناً.

أدوية وبدائل أجنبية

كثيرة هي الأدوية ذات المنشأ الخارجي يتم تداولها، بعض هذه الأدوية سوري وبعضها الآخر سعودي وإيراني وغيرها، مما يطرح علامات استفهام حول كيفية وصولها إلى لبنان؟ وهل هي شرعية؟ لا بل أكثر من ذلك هل تتمتع بالمواصفات المطلوبة في ظل غياب الرقابة! أو أنه من الممكن أن يكون لها مفاعيل سلبية على المرضى.

يقول مصطفى إنه بالنسبة للبدائل السورية والسعودية والايرانية فهي غير قانونية، ويُمنع التداول بها كونها غير مرخصة من قبل وزارة الصحة. لكن في ظل أزمة الدواء الخانقة ونظراً لعدم توفره، نشُط تسويق واستعمال هذه الأدوية التي هي غالباً مهربة وغير خاضعة لرقابة وزارة الصحة، والهدف من ذلك هو تلبية حاجات المريض وتوفير الدواء له، وهذا ما تقوم به بعض الصيدليات. وحذّر مصطفى من مخاطر عدة لجهة مصدر وجودة الدواء وطريقة تخزينه وهي أمور بالغة الأهمية لا تعرفها الناس.

أحلاهما مرّ…

في ظل غياب الدواء المطلوب تكمن أهمية البديل عنه ودولة المنشأ. يقول مصطفى إن أهمية هذه البدائل عملياً أنها توفر للمريض البديل عن بعض الأدوية المفقودة والتي هي أحياناً أدوية بسيطة (التهابات / مسكنات / اسهال / حرارة…).

بدورها تقول الصيدلانية إنه من المفيد في هذه المرحلة أن تعمل الدولة على قوننة استيراد الدواء وترشيده من خلال فحص الجودة وما إلى ذلك.

دور الصيدلي

بات تأمين الدواء لمن يحتاجه عبئاً كبيراً على الصيدلي يتحكم به ضميره الإنساني وقدسية مهنته، لا سيما في ظل استئثار الشركات وتجار الأدوية وما يمارسونه من احتكار وتحكم بالسوق وبيع في السوق السوداء. هنا يكمن دور الصيدلي ويعوّل على شفافيته ويعبّر مصطفى أنه في هذه المرحلة كان دور الصيدلي دائماً محاولة تلبية المريض وتأمين الدواء السليم له، وذلك عن طريق بدائل الأدوية المتوفرة بعد التواصل مع الطبيب، وأحياناً التواصل بين الصيادلة لمحاولة تأمين دواء قد يتوافر عند زميل آخر، كذلك تم اعتماد الوصفة الطبية وذلك ليتم صرف الدواء للمريض المحتاج فعلياً للدواء، لأنه للأسف أحياناً هناك من كان يقوم بتخزين الدواء في منزله خوفاً من انقطاعه.

هذا ما أكّدت عليه الصيدلانية إذ قالت “إننا كصيادلة كنا باستمرار نحاول تأمين الدواء ضمن إمكانياتنا، وقد سهّلت الوصفة الطبية التي يضمنها الطبيب بالإضافة إلى إسم الدواء العديد من البدائل تأمينه علينا”.

صيدلي أم طبيب

مع هذا الوضع الذي نؤول إليه، فإن ألماً بسيطاً يضعك أمام دواء مفقود، وأحياناً بديل مفقود يجعلك بانتظار أن يقترح عليك الصيدلي البديل المتوفر، لأنك قد تكرّر على مسامعه الكثير من البدائل وهي غير متوفرة، فهل بات الصيدلي يلعب دور الطبيب، وهنا يؤكد مصطفى أن الصيدلي والطبيب عنصران متكاملان في المنظومة الصحية فالطبيب يشخص المرض ويصف الدواء
والصيدلي يقوم بصرف العلاج، إذ لا يمكن لأي منهما أن يحل مكان الآخر وإلا أدى ذلك إلى تداخل الأدوار وتهالك القطاع الصحي.

رفع الدعم أو الاحتكار

كلاهما موجع للمواطن، فرفع الدعم يعني تطاير الأسعار وارتفاعها، حيث لا قدرة للمواطن على شرائها، واستمرار الأمور على ما هي عليه سيفتح المجال أكثر أمام الاحتكار وبيع الدواء، وستنشط تجارة الدواء ويصبح لها أربابها من الناس العاديين وهو أمر في غاية الخطورة، هنا يقول مصطفى أن الكل حالياً بات مقتنعاً بأن رفع الدعم عن الدواء كما باقي الأمور في هذا البلد (محروقات/مواد غذائية…) هو الحل الوحيد حالياً حتى تعود الشركات وتسلّم الأدوية وتستطيع مجدداً من استيراد أدوية جديدة في ظل تقاعس مصرف لبنان عن دعم الأدوية وإلا سنشهد موجة أكبر في سوق الأدوية المهربة والتي قد تكون مزورة وغير مضمونة المصدر والنتيجة (سوق سودا). ولا بد من الاشارة ان اسعار الادوية حصرا هي تخضع لمؤشر يصدر عن وزارة الصحة العامة.

سلامة المريض لا يمكن أن يستهان بها بأي شكل من الأشكال، فلا يمكن تركه من دون دواء، وفي الوقت نفسه يجب تأمين الدواء الرسمي المرخص وفق الأسعار الخاضعة للوزارة والمدروسة من قبلها لتتناسب ومدخول اللبناني.

إن تضارب القرارات بين الوزارة والمصرف المركزي واحتكار الشركات والمستودعات للأدوية، بالاضافة لوجود فئة من الجشعين أدى إلى وجود سوق سوداء للدواء، بعضها مهرّب أو محتكر أو مسحوب مسبقاً من السوق ومخزن سلفاً، وهذه كلها يدفع ثمنها المواطن المريض الذي لا حول له ولا قوة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى