البهائيون في مشغرة.. ديانة لا تعترف بها الدولة
“إنّا كلّنا لله راضون”، يقول العريس، لتردّ عليه العروس “إنّا كلّنا لله راضيات”، بهذه الكلمات يُعقَد القِران في “المحفل الروحاني المحلّي” في بلدة مشغرة في البقاع الغربي، حيث يوجد الكثيرين ممّن يؤمنون بالدين البهائي. يدير المحفل تسعة أعضاء، مكلفين إدارة شؤون الطائفة، ومتابعة قضاياها وطقوسها، من المواليد الجدد إلى الوفاة، حيث للبهائيين مقبرتين في لبنان، إحداهما في مشغرة، والثانية في خلدة.
على الرخامة المثبّتة عند مدخل المقبرة في مشغرة، نقرأ “الروضة الأبدية للطائفة البهائية في مشغرة. تأسست سنة 128 بديع، الموافق سنة 1971 م”. وبديع هو تقويمهم الخاص، حيث أن السنة البهائية مؤلفة من تسعة عشر شهراً هي: البهاء، الجلال، الجمال، العظمة، النور، الرحمة، الكلمات، الكمال، الأسماء، العزة، المشيئة، العلم، القدرة، القول، المسائل، الشرف، السلطان، الملك والعلاء.
أما ايام الاسبوع البهائي فهي: الجلال (السبت)، الجمال (الأحد)، الكمال (الاثنين)، الفضال (الثلثاء)، العدال (الاربعاء)، الاستجلال (الخميس) والاستقلال (الجمعة).
على الرخامة المثبّتة عند مدخل المقبرة في مشغرة، نقرأ “الروضة الأبدية للطائفة البهائية في مشغرة. تأسست سنة 128 بديع، الموافق سنة 1971 م”.
المحفل الروحاني المحلّي
مهى طحان، فؤاد زيات، كريم مزاحم، زينة غملوش. أسماء لبهائيين لبنانيين، يشبهون باقي الأسماء والعائلات في البلد، غير انهم ناشطين حركيين للتعريف عن الدين البهائي، ويحاولون توضيح بعض الالتباسات التي قد تُثار حولهم، خاصة أنه ليس في البهائية رجال دين، فقط هؤلاء الأعضاء التسعة الذين ينتخبون لمدة عام، فيجتمعون في البيوت حيث لا مركز عبادة رئيسي لهم في مشغرة، لكن بمجرد اجتماعهم يسمّى المكان “المحفل الروحاني المحلّي”. مع ذلك لا تعترف الدولة اللبنانية بتلك الديانة، ولذلك يسجلون في القيود كمسلمين شيعة، أو سنّة، أو حتّى موارنة ودروز في أحيان.
يُعدّ الدكتور زين نور الدين زين، من أشهر البهائيين اللبنانيين، وهو أستاذ مادة التاريخ في الجامعة الأميركية، وصاحب المؤلفات المعروفة حول تاريخ المنطقة “نشوء القومية العربية”، و”الصراع الدولي في الشرق الأوسط”. أما سهيل بشروئي، فهو بهائي لبناني من جذور ايرانية، وقد احتل مراتب اكاديمية عالمية، وله مؤلفات ترجمت إلى العربية. أما خبيرة الطاقة مي مسلماني، فهي بهائية متزوجة من الممثل (الماروني) بيار داغر.
الشيخ جعفر الطحان
في أواخر القرن التاسع عشر، آمن إمام مشغرة، الشيخ جعفر الطحان بالدعوة البهائية، فولّد تحوّلاً عند بعض أبناء البلدة، فكان ذو شخصيّة مؤثّرة، وبقي دعوياً نشطاً حتى وفاته في العام 1923. لم يكن الشيخ طحان البهائي الأول في لبنان، بل سبقته بعض الشخصيات التي اعتنقت هذا الدين في بيروت، بعد مجيء أو لجوء بعض البهائيين الايرانيين إلى لبنان، ثم تكلّل الأمر بزيارات عديدة قام بها “عباس أفندي”، كان أهمّها في العام 1887، حيث جالس وحاور النخب السياسية والاعلامية والروحية والاقتصادية، فتمّت تهيئة الأرضية لانضمام الشبان الإيرانيين إلى الجامعة الأميركية.
أما عباس أفندي فهو نجل بهاء الله، مؤسس البهائية الذي عيّنه في وصيته لكي يليه في تدبير أمور الجامعة البهائية، وليكون مركزًا لعهده وميثاقه، والمفسر الوحيد لتعاليمه وكتاباته وأحكامه. وأوصى أتباعه أن يسألوه في ما استصعب عليهم من الأمور. واتّخذ عباس أفندي لنفسه لقب عبد البهاء وصار يُعرف به بعد وفاة والده.
في شهر نيسان من العام 1912، حصل لقاء في أميركا بين الأديب اللبناني جبران خليل جبران وعبد البهاء، حيث كانت جارة جبران بهائية أميركية، تدعى جولييت تومسون، وهي التي حضّرت لذلك اللقاء الذي ترك أثراً على جبران، حيث كانت هناك تقاطعات بين الدعوة البهائية، ونظرة جبران الخاصة للكون والدين. تكلّلت اللقاءات المتتالية هناك، بأن رسم جبران بورتريه لعبد البهاء، وهي لوحة معروفة اليوم. كما حصلت لقاءات في أميركا بين عبد البهاء والأديب أمين الريحاني.
عن حالهم
لا يتجاوز عدد البهائيين في لبنان المئات، موزعين بشكل رئيسي بين مشغرة وبيروت، وقلّة في جبل لبنان، وهناك الكثير منهم قد هاجر إلى كندا بشكل رئيسي، بالاضافة إلى أوروبا وأميركا الشمالية.
لا يعاني أتباع البهائية من اضطهاد في لبنان، لكنهم في الوقت عينه محرومين من الاعتراف بهم ككيان مستقل، بينما الدولة تعترف باليهود كطائفة لبنانية، على الرغم من عددهم في لبنان، لا يكاد يتجاوز المئة في أحسن التقديرات.
بهائيّو مشغرة متنوّعو المهن، لكن أكثرهم ميسورو الحال نظراً لطبيعة أعمالهم التي أسّسوها في الخارج، فهُم تجار ومقاولون وأكاديميون وأصحاب مهن عاديّة، غير أنهم يتجنّبون أي تقاطعات مع الأحزاب، فلا يقاربون السياسة سوى من زاوية الولاء للوطن، وهي من الوصايا الرئيسية عندهم أنّا تواجدوا.
البهائيون وشعائرهم
في العام 1817 ولد في إيران ميرزا حسين علي نوري، الذي عُرف ببهاء الله. هناك أظهر طروحاته التي حاربتها الدولة القاجارية، فذهب إلى بغداد حيث أعلن دعوته سنة 1863، فتعرض لضغوطات عدة جعلته يغادر إلى اسطنبول، حتى كان مستقره في عكّا في فلسطين، حيث عاش لسنوات ومات هناك ليكون قبره قبلة البهائيين في العالم، وعددهم يقارب الثمانية ملايين.
يمارس البهائيون في مشغرة كامل شعائرهم الدينية، وهي لا تتطلّب الاحتشاد في أغلبها.
يصلّي بهائيو مشغرة الصلوات اليومية المفروضة عليهم، وعددها ثلاث: الصغرى وهي تتألف من آية واحدة يتوجب قراءتها كل ٢٤ ساعة عند الزوال، والصلاة الوسطى ويتوجب أداؤها ثلاث مرات في اليوم، والصلاة الكبرى مرة كل ٢٤ ساعة في أي وقت. وللبهائي مطلق الحرية في اختيار إحدى الصلوات الثلاث، إلا أنه يتوجب عليه أداء واحدة منها.
يحتفل البهائيون في لبنان بأعياد عدّة مثل عيد الرضوان، بين شهري نيسان وأيار تمجيداً لذكرى إعلان حضرة بهاء الله دعوته إلى البهائية في حديقة الرضوان ببغداد. يكون احتفالهم في هذا العيد، بالأدعية والمناجاة. كما يحتفلون بعيد النوروز في رأس السنة البهائية.
للغة العربية رمزية كبيرة في الدين البهائي، لكون كتابهم المسمّى “الكتاب الأقدس” قد نزل بوحي إلى حضرة بهاء الله باللغة العربية حسب اعتقادهم.
يحق للبهائي ان يقترن بفتاة من غير دينه ويترك لها حرية البقاء على دينها الأصلي إذا شاءت، سواء كانت مسلمة أو مسيحية. وهذا الخيار متاح ايضاً أمام الفتاة البهائية، كما وأنّ تعدد الزوجات ممنوع في شريعتهم، وأي علاقة جنسية ما قبل الزواج يعتبرونها زنى، وعند البهائيين يعدّ شرب الكحول من المحرّمات، بينما لا يحرّمون تناول لحم الخنزير.
يحق للبهائي ان يقترن بفتاة من غير دينه ويترك لها حرية البقاء على دينها الأصلي إذا شاءت، سواء كانت مسلمة أو مسيحية. وهذا الخيار متاح ايضاً أمام الفتاة البهائية، كما وأنّ تعدد الزوجات ممنوع في شريعتهم، وأي علاقة جنسية ما قبل الزواج يعتبرونها زنى
في كل سنة يبدأون فترة صيامهم في 2 آذار وتستمر الى 20 منه وهو آخر ايام السنة البهائية. وتمتد فترة الصيام من الشروق الى الغروب. ويعفى من هم دون الـ 15 سنة والذين تخطوا السبعين فضلاً عن المرضى والمسافرين.
يكفن جسد البهائي المتوفى بخمسة اثواب من الحرير والقطن، واذا كانت امكانات عائلته محدودة فيكتفى بثوب واحد. ويوضع في إصبع المتوفى خاتم نقشت عليه الجملة الآتية: “قد بدأت من الله ورجعت إليه منقطعاً عما سواه ومتمسكاً باسمه الرحمن الرحيم”. ويجب أن تُصنع التوابيت من البلور والأحجار الناعمة أو الأخشاب الصلبة اللطيفة.
بالنسبة لمكان عباداتهم، فيسمونه “مشرق الاذكار”، وهو مشيّد في الهند وأوستراليا وبناما والمانيا وتشيلي وشيكاغو وأوغندا وسواها، فضلاً عن أعداد كبيرة من المؤسسات التربوية والاجتماعية.
في العام 1948 اعترفت الأمم المتحدة بـ “الجامعة البهائية العالمية” على أنها مؤسسة غير حكومية ومنحتها عام 1970 صفة استشارية في مجلس الاقتصاد والانماء التابع للامم المتحدة.
حتى مطلع الثمانينيات كان للبهائيين مقرّ في حارة حريك، واليوم لهم مركزهم في المونتي فيردي، يحيون فيه بعض الأنشطة لجميع الأعمار، مخصّصين للأطفال حيّز خاص، لكنهم يطمحون لبناء “مشرق أذكار” خاص بهم لممارسة عباداتهم في بلد، يكثر فيه التغنّي بالحرّيات. فها هي الاردن والبحرين، بلدان عربية وبوجه اسلامي صريح، وتعترف بالبهائيين كدين له جماعته وخصوصياته.