“التوك توك” إلى إزدياد في بعلبك الهرمل.. السلامة العامة في خبر كان!

تزداد بوتيرة متسارعة ظاهرة انتشار مركبات “التوك التوك” في بعلبك الهرمل. هذا ما تلاحظه فور الوصول إلى مداخل المدينتين حيث تظهر في مكان ركون سيارات “التاكسي” العديد من مركبات “التوك توك” الّتي تنتظر الزّوار والسّياح وأبناء المنطقة لتنقلهم إلى داخل المدينة أو جوارها، وذلك بتكلفة أقل من تكلفة سيارة الأجرة.

الحال هذا إمتد إلى مفارق قرى وبلدات بعلبك كافّة، حيث استطاعت هذه العربات خلال فترة وجيزة من مزاحمة وسائل النقل المحلية (التاكسي والڤان) على الرغم من أنّ مركبات “التوك توك” لم تحصل على رخصة نقل عمومية (لوحة حمراء) حتّى اليوم، بل اقتصر تسجيلها في هيئة إدارة السير ضمن خانة الدراجات النارية، ما يطرح إشكالية عن وجهة استعمال “التوك توك” والتي تتنافى مع الصلاحيات المرخصة له، وهذا ما يشكل خرقاً فاضحاً لقانون السير، مترافقًا مع التجاهل التام من قبَل الجهات المختصة.

انتشار “التوك توك” في منطقة بعلبك_الهرمل ليس جديدًا، فهو بدأ كمظهر من مظاهر استفحال الأزمة، والانهيار الذي تفاقم فعليًا في العام 2020، مع شح المحروقات وارتفاع أسعارها بشكل جنوني، بحيث لوحظ انتشاره كوسيلة نقل بديلة، وتوسّع انتشاره أكثر وصولًا إلى اليوم، وذلك بسبب بدل النقل المتدني له نسبة لوسائل النقل الأخرى، أيضًا نظرًا لسعره الزّهيد لجهة الاستثمار فيه، حيث يُعتبر ملاذًا للعديد من الشباب العاطلين عن العمل، لناحية أسعاره التي تتراوح ما بين 2000 و3500 دولار في السوق اللّبنانيّة وذلك تبعًا لصناعته حسب بلد المنشأ وإن كان جديدًا أو مستعملًا.

“التوك توك” منتظرًا الزبائن في الهرمل

لا شكّ أن “التراخيص” الّتي تُمنح لمركبات “التوك توك”، وتتسامح مع استخدامه كوسيلة نقل غير قانونية البتة، لم تستطع الحدّ من انتشاره السريع، أو أن تخفف من وطأة مخاطره، بل على العكس تماماً، فإنّ تجاهل الجهات المعنية لهذا الخرق، سهّل من توسّع هذه الظاهرة، وحجز لها مكانة ضمن قائمة وسائل النقل الأساسية في البلد عامةً وفي بعلبك – الهرمل خاصة، كون سكان المحافظة هم في أمسّ الحاجة إلى وسيلة نقل مناسبة لأحوالهم المادية الصعبة.

يقول علي عبد الله (20 عامًا) لـ “مناطق. نت” إن استئجاره عربة “توك توك” وفّر له فرصة عمل جيّدة، في الوقت الّذي لا يستطيع غالبية شباب منطقة بعلبك – الهرمل، تأمين فرصة عمل لائقة. يتابع أنّه يدفع مبلغًا أسبوعياً قدره 20$ إلى صاحب “التوك توك” الّذي أجّره المركبة، حيث يعمل عليها طيلة أيام الأسبوع لتأمين الإيجار، وتوفير دخل يستطيع من خلاله تأمين بعض حاجياته الأساسية.

عن أبرز المشاكل التي تعترض عمله يقول عبدالله إنها منافسة السائقين الآخرين له، بحيث أصبحت هذه المهنة ملاذ غالبية الشباب البعلبكي. وفي حين تتراوح أجرة الراكب في “التوك توك” بين 100 و150 ألف ليرة لبنانية وذلك حسب المسافة، يتابع علي عمله في فترة الصباح، حيث يعمل على نقل بعض البضائع إلى محلات تجارية صغيرة، وينقل بعض الموظفين إلى مراكز عملهم. وهكذا يستطيع علي تأمين مبلغ بسيط يعتمد عليه في معيشته عن طريق تعدد الخدمات التي يقدمها عبر “التوك توك”.

وسيلة نقل غير آمنة

يُعد “التوك توك” وسيلة نقل أساسية في البلدان النامية، ويٌعتبر مظهرًا من مظاهر الدول الفقيرة التي تعتمده كوسيلة نقل أساسية، على عكس الدول المتقدمة التي منعت استخدامه كوسيلة نقل، إلّا البعض منها مثل فرنسا التي اعتمدت على “التوك توك” الكهربائي (وهو صديق للبيئة) ونظمت استخدامه ومنحت مستخدميه رخصة سياحيّة. أما في السعودية، فقد تم استيراد كميات قليلة منه لأغراض ترفيهية فقط، ومُنع استخدامه كوسيلة نقل يوميّة.

يُعتبر “التوك توك” ملاذًا للعديد من الشباب العاطلين عن العمل، لناحية أسعاره التي تتراوح ما بين 2000 و3500 دولار في السوق اللّبنانيّة وذلك تبعًا لصناعته حسب بلد المنشأ وإن كان جديدًا أو مستعملًا

في لبنان، وقبل الأزمة الاقتصادية لم يُستخدم “التوك توك” على نطاق واسع، بل اقتُصر على مجالات مُحدّدة وضيقة. لكن مع الانهيار الذي طال كل شيء، بدأت ظاهرة “التوك توك” بالتوسّع والانتشار، وبدأ يعتمده بعض اللبنانيين في تنقلاتهم، شأنه شأن العديد من الوسائل والمجالات التي فُرضت عليهم ولم يعتادوها من قبل. وقد انتشر “التوك توك” في بعلبك – الهرمل بداية ضمن شركات ومؤسسات النقل المحلية، التي اعتمدت عليه في أعمالها لأنّه يُعدّ من وسائل النقل المربحة، كونه لا يستهلك كميّات كبيرة من المحروقات. ما أدّى إلى إستغلاله لتلبية احتياجات السكان العديدة، فتحوّل إلى وسيلة لإيصال الأغراض المنزلية، ونقل البضائع الخفيفة، وكذلك لنقل الطلاب إلى المدارس.

انتشار ظاهرة “التوك توك” واستفحالها، ما كانت لتحصل لولا غياب النقل العام المنظم ذات التكلفة المدروسة. وفي هذه الحال اضطر اللبنانيون إلى تقبّل وسيلة نقل خطرة وغير آمنة، ففي بعض قرى وبلدات بعلبك – الهرمل، وفي ظل غياب الرقابة وتطبيق القانون، تم تسجيل العديد من حالات عربات “توك توك” تنقل الطلاب والتلامذة إلى المدارس من دون مراعاة الحد الأدنى لمعايير السلامة العامة، بحيث عمد بعض السائقين إلى نقل أكثر من 10 أطفال في عربة “توك توك” واحدة، بالرغم من أنّها تتسع لثلاثة أشخاص فقط، الأمر الذي يهدّد أرواح هؤلاء الأطفال، ويعرّضهم للخطر وكل ذلك بدون حسيب أو رقيب.

أصحاب “التوك توك” يقطعون الطريق عند طلعة العجمي في بعلبك، وذلك احتجاجاً على ارتفاع سعر صرف الدولار

من جهتها نشرت جمعية “اليازا” على حسابها عبر تويتر شريط فيديو يظهر عملية إنقاذ لأطفال كانوا على متن مركبة “توك توك” حين تعرّضت لحادث سير، وتدحرجت في بلدة بيت شاما في قضاء بعلبك، وأكدت الجمعية في تغريدة مرفقة بالڤيديو، أنه تم نقل إصابتان بحالة خطرة إلى المستشفى، وقد نجا نحو عشرة أطفال كانوا في المركبة أثناء وقوع الحادث.

تقول أم حسين شحادة لـ “مناطق نت” وهي أم لثلاثة أطفال، إنها فضّلت إرسال اولادها إلى المدرسة بواسطة “التوك توك” بدلاً من الحافلة المدرسية، وذلك لعدم قدرتها على دفع أقساط النقل المدرسي المرتفع والمدولر. ولدى سؤالها عمّا إذا كانت على علم بمخاطر “التوك توك”، أكدت أنها ليست مطمئنة لذلك، لكنها مضطرة وفق ضرورة التعليم التي لا تجد بديلًا عنه لأولادها، وهي غير قادرة على تأمين الأقساط، وأضافت بأنها تعيش حالة قلق مستمر إلى حين عودة أولادها من المدرسة، وقد اعتادت على ذلك، وأكدت أنها اشترطت على صاحب “التوك توك” بألا يزيد عدد الأولاد في النقلة الواحدة عن خمسة، وأنه رغم الاتفاق لا يخلو الأمر من بعض التجاوزات أحياناً.

أم حسين شحادة وهي أم لثلاثة أطفال، فضّلت إرسال اولادها إلى المدرسة بواسطة “التوك توك” بدلاً من الحافلة المدرسية، وذلك لعدم قدرتها على دفع أقساط النقل المدرسي المرتفع والمدولر

تعكس مسألة اعتماد العديد من أبناء بعلبك الهرمل على “التوك توك” كوسيلة نقل، تهاوي القدرة المادية لهؤلاء، حيث ارتفاع قيمة تكلفة النقل أصبحت خارج قدراتهم على تغطيتها، ما دفع بهم إلى تقبّل وسائل نقل غير آمنة كلّيًّا مثل “التوك توك”. إضافة لذلك يلعب بُعد المسافات الّتي تفصل منطقة عن أخرى، بالإضافة إلى بُعد معظم قرى بعلبك – الهرمل عن مراكز المدن، دورًا في ارتفاع كلفة النقل، لذلك كان “التوك توك” هو الحلّ الأمثل للتنّقل السهل والسّريع.

انتشار “التوك توك” الموصول إلى غياب النقل العام المشترك، لا يعتبر وحيدًا في سلة التهميش التي تكاد تمتلئ ولا تتسع، إذا ما بدأنا بعرض هوامشها، لكن بالتأكيد ستقودنا إلى ذلك الأسطول الذي أفرزه غياب النقل العام والدولة معًا، وهو أسطول الڤانات، التي تُذرّع أرض بعلبك الهرمل وصولًا إلى شتورة ثم بيروت دون ضوابط ولا قوانين، وهي لا تقل خطورةً عن “التوك توك”، حيث المخالفات حدّث ولا حرج، وينتج عنها العديد من الحوادث التي تودي بحياة أبناء المنطقة.

إن اعتماد أبناء بعلبك الهرمل في تنقلاتهم، سواء على “التوك توك”، أو أسطول الڤانات، ما هو إلا حفلة جنون تجري في الهواء الطلق. هذه الحفلة التي تجري على أرض الواقع بطلاها إثنان أولهما ضحية هو المواطن الذي لا حول ولا قوة له إلا بركوب مركبات الموت، والثاني جلاد يلسع بسوطه المتمثل بغياب الدولة، أجساد الناس التي تحاول عبثًا تحمّل مصاعب الحياة وعبثًا تحاول.

“توك توك” مفيّم
مقعد الركاب في “التوك توك” حيث يُحشر فيه الأولاد إلى المدرسة، ويفتقد معايير الأمان
“التوك توك” أصبح وسيلة نقل أساسية في بعلبك

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى